مهدي بن عطية - صخرة الدفاع لدى أسود الأطلس
أبيدجان في 11 نوفمبر 2017: المنتخب المغربي سيكفيه التعادل من أجل التأهل لمونديال روسيا، في الوقت الذي يأمل فيه الإفواريون في الوصول إلى نهائيات المسابقة للمرة الرابعة على التوالي بعد تمكنهم من انتزاع تعادل ثمين في المغرب.
غير أن المباراة سارت عكس التوقعات بالنسبة للمضيفين. فمدرب المغرب، إرفيه رونار، اعتمد خطة هجومية أكثر أسفرت عن تسجيل الهدف الأول عن طريق المدافع نبيل ضرار في الدقيقة 25، وبعدها بخمس دقائق فقط أسكن مهدي بنعطية الكرة الثانية في شباك ساحل العاج، ليرفع واحد من أقوى المدافعين في القارة الإفريقية رصيده إلى هدفين في خمس وأربعين مباراة يرتدي فيها قميص المنتخب المغربي.
في الدقائق 60 المتبقية دافع بنعطية بجدارة عن سمعته كصخرة الدفاع لدى أسود الأطلس. فبالرغم من أن الفيلة رموا بكل ثقلهم في الهجوم وسيطروا على الكرة بنسبة 60 في المائة، إلا أن كافة محاولاتهم للوصول إلى مرمى الخصم اصطدمت بالصفوف الخلفية المتراصة حول قائدها بنعطية.
وعند انطلاق صافرة النهاية في الدقيقة 93 احتفل المغاربة الذين انتظروا تأهل بلادهم على أحر من الجمر. حتى الملك محمد السادس عبر عن سعادته بإنجاز منتخب بلاده. أما بنعطية فقد اعتبر التأهل أجمل لحظة في مشواره الكروي كما قال للإعلام والدموع تغمر عينيه.
مشوار متقلب
غير أن مسار بنعطية المهني لم يكن دائما مكللاً بالنجاح على هذا النحو. تعلم اللاعب، وهو من أب مغربي وأم جزائرية، أبجديات الحرفة وهو إبن الثالثة عشرة في المعهد الفرنسي لكرة القدم في كلارفونتان، الذي تخرج منه العديد من لاعبي النخبة الفرنسيين، وسرعان ما حظيت موهبته باهتمام النوادي الأوروبية الكبرى مثل تشلسي ومانشستر يونايتد.
لكن المراهق مهدي فضل بناء مشواره بهدوء وعلى أسس متينة وانضم لنادي أولمبيك مارسيليا بعد ذلك بعامين، ليوقع أول عقد محترف مع الفريق الفرنسي وهو في الثامنة عشرة.
توقيع عقد الاحتراف بقي لمدة طويلة الإنجازَ الوحيد في مشوار بنعطية، ذلك أن مدرب مرسيليا جوزيه أنيغو لم يثق في قدراته وحكم عليه بالجلوس في مقعد الاحتياط. 4 سنوات عجاف أمضاها اللاعب الشاب وهو أشبه بسلعة تستعيرها مختلف النوادي الفرنسية دون الاقتناع بها، حتى أن المطاف انتهى به، وهو في سن الثانية والعشرين، في نادي كلارمون من الدرجة الثانية. مكانة بعيدة جدا عن الطموحات التي تراود لاعبا في مستواه.
لكن رب ضارة نافعة، فهذه الانتكاسة بالذات شكلت ضربة حظ بالنسبة لمشواره الكروي: فبفضل تمكنه من خوض المباريات كلاعب أساسي بانتظام عادت الأنظار مجددا إلى مهدي بنعطية لينتقل في صيف 2010، وبعد موسمين في كلارمون، إلى نادي الدرجة الأولى الإيطالي أودينيزي كالتشو، وفيه استطاع أن يفرض نفسه لاعبا أساسيا.
شعر المدافع الضخم (1.90 متر) بالارتياح فورا في بلاد الكاتيناتشو بفضل أسلوبه الدفاعي القوي الصارم وصعد إلى النجومية بسرعة مذهلة. وعندما بدأت عدة نواد أوروبية تتنافس على خدماته، اختار في 2013 الانتقال إلى نادي روما في صفقة قدرت قيمتها 13,5 مليون يورو.
النحس رغم الألقاب لدى بايرن ميونيخ
وفي العاصمة الإيطالية تطور بنعطية إلى أحسن مدافع في الدوري الإيطالي وواحد من أفضل المدافعين في أوروبا، مستفيدا من مهاراته التقنية وقدرته الفائقة على استباق الكرة، فضلا عن خطورته أمام مرمى الخصم. خاض بنعطية موسمه الأول في روما إلى جانب اللاعب الأسطورة فرنتشسكو توتي وسجل خمسة أهداف وتوج وصيفا للدوري.
إنجاز سرعان ما جلب أطماع النوادي الأوروبية من العيار الثقيل. عوض أن يعزز بنعطية نجاحه في روما، وقع في شباك المال ووقع عقدا مع بايرن ميونيخ في أغلى صفقة انتقال تبرم من أجل مدافع في التاريخ، بلغت قيمتها 28 مليون يورو.
في ميونيخ عاد الحظ ليخذله وعانى أداؤه من تراجع كبير. فبنعطية لم يستطع التأقلم مع العقلية الألمانية ولم يتمكن من بناء علاقة إيجابية مع المدرب الإسباني غوارديولا، كما أنه عانى من إصابات كثيرة حرمته من خوض عدة مباريات مهمة. لذا لم تكن له مساهمة كبيرة في أول لقبين يتوج بهما وهما لقبا بطولة الدوري الألماني اللذين فاز بهما مع البايرن في موسمي 2015 و2016.
إدارة بايرن ميونيخ من جانبها استخلصت النتائج اللازمة من الصفقة الخاسرة مع بنعطية وسمحت له بالعودة إلى الدوري الإيطالي في صيف 2016، هذه المرة على سبيل الإعارة مع حق الشراء ليوفنتوس تورينو.
البداية مع "السيدة العجوز" كانت متعثرة، إذ لم يلعب بنعطية في النصف الأول من الموسم إلا ثلث المباريات الرسمية وبدا مستقبله مع النادي العريق غامضا. عدوى عدم الاستقرار انتقلت أيضاً إلى مساره مع منتخب بلاده، فبعد الإقصاء المخيب أمام مصر في ربع نهائي كأس إفريقيا للأمم في يناير 2017، أعلن بنعطية اعتزال اللعب مع المغرب مؤقتا.
لكن الحظ ابتسم له مجددا بعد أشهر قليلة عندما قرر النادي البيانكونيري تفعيل حق الشراء مع البايرن مقابل 17 مليون يورو ومنحه عقدا حتى عام 2020. تحسن تجسد أيضا على مستوى الألقاب إذ فاز بنعطية مع اليوفي بالبطولة والكأس لأول مرة في مشواره.
ضربة حظ لأسود الأطلس
في الموسم الجديد استفاد بنعطية كثيرا من انتقال منافسه في اليوفيه ليوناردو بونوتشي إلى ميلانو واستغل الفراغ ليصبح لاعبا رئيسيا في الفريق. لم يكتف بنعطية بتكرار الفوز بالبطولة والكأس مع يوفنتوس في العام السابق، بل وضع لمسته الخاصة في نهاية الموسم عندما سجل هدفين مهمين في نهائي الكأس ليساهم بشكل كبير في تغلب يوفنتوس على ميلان بنتيجة 4:0. تواجده في قمة عطائه عاد بالفائدة أيضا على "أسود الأطلس"، الذين لم يقدهم بنجاح إلى نهائيات مونديال روسيا فحسب، وإنما جنبهم أيضا الهزيمة في 18 مباراة متتالية.
واليوم يبدأ المنتخب المغربي مرحلة الجد، فالمباراة التي تجمعه بمنتخب إيران في مدينة سانت بطرسبرغ هي أول مشاركة له في كأس العالم منذ مونديال فرنسا 1998. الفوز هنا واجب إذا أراد المغاربة الاحتفاظ بحظوظهم للتأهل للمرحلة الثانية، فالخصمان المتبقيان في المجموعة هما إسبانيا والبرتغال. خصمان يتوقع المراقبون أن يواجههما المدرب رونار بخطة دفاعية صارمة سيلعب فيها بنعطية دورا محوريا.
ومن يدري، قد يصنع المغرب المفاجأة ويتأهل للثمن النهائي للمرة الثانية في تاريخه. المرة الأولى كانت عاما قبل مولد بنعطية، في مونديال المكسيك 1986. وقتها تخطى المغرب كأول منتخب إفريقي مرحلة المجموعات، وأقصي بنتيجة 1:0على أيدي المنتخب الألماني الذي توج وصيفا للبطولة بعد منتخب الأرجنتين بقيادة مارادونا.
بشير عمرون
حقوق النشر: قنطرة 2018