المثقف العربي والمركزيّة الأوروبيّة: محمد أركون وإدوارد سعيد نموذجين

أن تقيم عند الآخر راغبا في ذلك أو مكرها فلا يعني أنّك تستجدي حماية أو رغيفا،  فأنت في اختيار المنفنى لا بدّ وأن تكون مثقلا بهموم تنوء بحملها الجبال. لهذا أمكن للعديد من المثقفين العرب ولا سيّما المهاجرين منهم أن يخترقوا نسيج الثّقافة الغربيّة وأن يبدعوا من داخلها أدبا وفكرا ونقدا وأن يكشفوا أخطاءها ويصحّحوا انحرافاتها ويفضحوا قوى الشّر المتربصة بنا.

محمد أركون (1928-2010) وإدوارد سعيد (1935- 2003(، مثقفان مثخنان بجراحات الماضي ومنهكان بعنف الحاضر وملتحفان بسواد الآتي..لكلّ منهما عطاؤه الأكاديمي المتميّز ويحظيان باحترام كبير في الأوساط العلميّة فمن منّا لا يتذكّر المجهود المبذول في نقد العقل الإسلاميّ لمحمد أركون والّذي ترجم إلى العربيّة تحت عنوان “تاريخيّة الفكر العربيّ الإسلاميّ” أو أطروحته القيّمة:” الإنسانيّة العربيّة في القرن الرّابع الهجري، مسكويه مؤرّخا وفيلسوفا ” والّتي اعترض عليها المستشرقون آنذاك بدعوى أنّ الإنسانيّة l Humanisme   هي مفهوم غربي محض، كما لا ننسى الآثارالعلامات الّتي قدّمت إضافات جمّة سواء في فكرنا العربيّ والعالميّ للمفكّر الفلسطينيّ إدوارد سعيد،  فكتاباه ” الاستشراق ” و” المسألة الفلسطينيّة ” وغيرهما بمثابة معالم تضيء دروب الحقيقة المعتمة في أحيان كثيرة. لكلّ منهما إسهاماته وبصماته ضمن مجال تخصّصه والّتي قد تلتقي وقد تبتعد. إنتاجهما لا شكّ أنّه متولّد عن وعي حادّ بمقتضيات المرحلة التاريخيّة الّتي يمرّ بها الوجود العربي.  كلاهما يستشرف الآتي وهو يعبر التاريخ ينشد إنصافا أو بحثا عن حقّ ضائع قد أنكره عليه الجاحدون. تتوحّد الهموم كما قد تتوحّد الأهداف و الغايات ولكن تظلّ الوسائل مختلفة ولا ضير في ذالك.  إنّهما نموذجان لكلّ مثقّف قادر على الدّفاع عن قيم الحقيقة والعدل والحريّة ديدنه التقيد بالمنهج العلمي والتّسلح بالموضوعيّة..هذا النّمط من المثقّف أصبح هدفا لتحالف قوى الشّر: المركزيّة الغربية واللوبي الصهيوني،  لقد آل هذا التّحالف على نفسه تدمير المحاولات الجادة الّتي يبذلها العرب للخروج من قمقم التبعيّة والتّخلف وجند من أجل ذلك كلّ أسلحته القذرة: التّعتيم، قلب الحقائق والتّشويه، الدعاية الرّخيصة..لقد أدرك خطورة المعرفة في إضاءة التّاريخ وإبداع القيم وصياغة الوعي وما يعمل هذا التّحالف على تكريسه على أرض الواقع من خلال الحرب الّتي يشنّها على كلّ رموز المعرفة في الوطن العربيّ، مؤامرة تستهدف تدمير الأساس الثقافيّ والحضاريّ للوجود العربيّ سواء في فلسطين أو غيرها من الدول العربيّة.

 

https://www.alawan.org/2019/10/03/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ab%d9%82%d9%81-…