كشف النقاب عن عالم النقاب...

يعد النقاب من بين أكثر المواضيع المثيرة للجدل في الآونة الأخيرة. الصحفية شمس العياري ارتدت النقاب ليوم واحد وتجولت في مدينة كولونيا الألمانية، حيث سجلت في هذا الروبورتاج انطباعاتها وردود الفعل المختلفة حول ارتداء النقاب.

يوم السبت؛ نهاية الأسبوع في ألمانيا، الكثيرون استغلوا الجو المشمس، الذي طالما انتظروه بعد أشهر طويلة من الصقيع والثلج، للتجول والتسوق أيضا. وفي أحد المتاجر المتخصصة في بيع الأحذية في قلب مدينة كولونيا تنبعث موسيقى أمريكية إيقاعية من نوع الآر.ن بي. المتجر الصغير مكتظ بالزبائن، خاصة من النساء، بعضهن أتين بصحبة مرافقين رجال لكي يساعدنهن في اختيار الحذاء المناسب. وإذا بإحدى البائعات تهرول إلي بثلاثة أزواج من أحذية كنت طلبتها منها لتجربتها.

وتساعدني البائعة الشابة ذات الشعر الأشقر القصير في ارتداء زوج من الأحذية وتعلو وجهها ابتسامة، ربما هي ابتسامة لتظهر بها البشاشة واللطف في التعامل أو ربما هي مصطنعة لتغطي بها حيرتها في كيفية التعامل معي بطريقة مهنية رغم أنها لا ترى مني سوى عينيَّ لا غير، ذلك أن وجهي قد اختفى تحت نقاب أسود. أما رأسي فغطيته بخمار أسود طويل يصل طوله إلى الخصر تقريبا. وارتديت جلبابا طويلا وفضفاضا ذا لون داكن وقفازين رماديين.

"النقاب - ظاهرة غريبة على المجتمع الألماني"

ولا عجب أن تثير ملابسي الانتباه في قلب مدينة كولونيا الألمانية في وقت احتدم فيه الجدل في بعض الدول الأوروبية حول النقاب وشرعيته وصولا إلى درجة العمل على إعداد مشاريع قوانين لحظر ارتدائه في الأماكن العامة مثلما هو الحال في فرنسا وبلجيكا. وعندما كنت بصدد تجربة الأحذية التي أحضرتها البائعة وأتأملها في المرآة التي تغطي أحد جدران المتجر، يسأل هشام، وهو زميلي يرافقني في مهمة خاصة، البائعة الشابة عن رأيها حول ملابسي اللافتة للأنظار، فتبتسم وتقول: "هو أمر مثير للانتباه لأننا متعودون في كولونيا على رؤية نساء محجبات، في حين أنه نادرا ما نرى منقبات". وتشير إلى أنها قد أصيبت بنوع من الدهشة في البداية عندما رأتني لأنها لم تتعامل من قبل مع منقبة، كما أنها لا تلم بالمعتقد الإسلامي.

ولكن قلقها سرعان ما تلاشى عندما أدركت أنه بالإمكان التواصل معي باللغة الألمانية. "في البداية يبدو الأمر غريبا جدا، لكني لا أرى فيه مشكلا أو عائقا إذا كان بالإمكان التواصل مع المنقبة"، لأن التواصل مهم جدا في عملها كي تتمكن من معرفة ما يريد الزبون تحديدا. أما الصعيد الشخصي، فتقول: "أرى أنه من الخسارة بالنسبة للنساء أن يرتدين النقاب، لأنه بإمكانهن ارتداء أشياء أخرى والتعبير عن أنفسهن من خلال ملابس أخرى."

في الواقع، أنا لا أرتدي لا الحجاب ولا النقاب ولكني حاولت أن أرى العالم من منظور امرأة منقبة تعيش في مجتمع غربي علاقته بالدين واللاهوت تختلف إلى حد كبير عن المجتمعات العربية. كما أردت من وجهة النظر الصحفية أن أسجل ردود فعل الألمان وطريقتهم في التعامل معي. ولهذا السبب ارتديت لمدة يوم واحد النقاب. ووقع الاختيار على مدينة كولونيا ذات المليون نسمة، والأكبر في ولاية شمال الراين- وستفاليا، بالإضافة إلى أن سكانها يتميزون بالتنوع الثقافي والديني.

"اللباس ليس بالمهم - الأهم هو إمكانية التواصل"

وبدأت رحلتي كمنقبة في قلب مدينة كولونيا برفقة زميلي هشام في أحد المقاهي. وفيما كنت أحاول أن أشرب من قدح القهوة من تحت النقاب الذي يغطي وجهي بالكامل، تباينت ردود الفعل في المقهى، ففي الوقت الذي لفت مظهري فضول عدد من الزبائن، كانوا يجلسون حول طاولة ويتهامسون فيما بينهم متسائلين ربما عن هويتي، أو ربما قد أثارت محاولاتي في تناول القهوة من دون رفع النقاب عن وجهي فضولهم، خيرت سيدتان في منتصف الخمسينات من عمرهما ألاّ يُعرن الموقف أي أهمية، وكأنّ الأمر عادي للغاية."لقد تعلمت منذ نعومة أظافري احترام الآخرين، حتى وإن كانوا مختلفين جدا عني" هكذا تقول إحداهما، وهي تعمل في قطاع التعليم، ولكنها أشارت في الوقت نفسه بالقول: "لم أر من قبل امرأة منقبة في مطعم أو في مقهى. ولكن ذلك لا يزعجني قط، بل بالعكس".

أما النادلات اللواتي يعملن في المقهى فكن يحاولن أداء عملهن على أكمل وجه دون أن يظهرن أي مشاعر للدهشة أو التعجب، بعضهن كن يعتقدن بأنني ربما سائحة قادمة من بلد عربي في الخليج. "لقد سافرت إلى دول كثيرة، كما أنني أرغب في السفر إلى دول مثل إيران والعراق ولذلك أعتقد أنني سأرى أيضا منقبات مثلها هناك"، هذا ما تقول دوريس، عاملة في المقهى (منتصف الخمسينات)، التي تعلو وجهها علامات البشاشة واللطف، رغم أنها لم تعتد بعد على رؤية مع منقبات، ولكنها تؤكد على أنها تحترم الثقافات الأخرى لكنها تفضل رؤية وجهي على الأقل، لكي ترى الشخص الذي تتحدث معه، قائلة بأن "النقاب يحجب الوجه ويجعل من مرتديه شخصا مجهول الهوية والسمات ويحول دون التواصل بصفة عادية".

معادلة احترام ثقافة الآخر والتكيف مع المجتمع الغربي

وقادتني رحلتي فيما بعد إلى متجر من سلسة متاجر دوغلاس الراقية للعطور والمكياج، حينها أدركت أنه من الصعب تجربة أي نوع من أدوات الزينة لأنه لا يوجد مكان يمكنني فيه رفع النقاب عن وجهي بمنأى عن أنظار الزبائن الرجال. عندها شعرت بأنني مقيدة في تصرفاتي وفي الأماكن التي يمكنني ارتيادها حتى لأبسط الأمور، وهو أمر لم أعهده من قبل. وإذا بإحدى الزبونات تضحك بعفوية بريئة عندما سمعتني أقول لزميلي هشام، الذي يرافقني، بأنني لا أستطيع شم شيء من العطور. وتتساءل الزبونة، وهي في منتصف الثلاثينات، "كيف بإمكان المنقبات ارتداء مثل هذه الملابس عندما ترتفع درجات الحرارة؟"، مؤكدة في الوقت نفسه بالقول: "أرى أنه من الخسارة أن النساء لا يظهرن جمالهن".

وأما مرافقها، فيرى أنه من الأفضل حظر النقاب، بحيث يقول"أعتقد أيضا أنه من الضروري الاندماج في مجتمعنا، نحن أيضا نحترم عادات وتقاليد مجتمعات الدول الشرقية التي نزورها". ولعل هذه التصريحات تعكس الجدل الذي تشهده دول أوروبية على غرار ألمانيا أو فرنسا أو بلجيكا حول ظاهرة النقاب بين معادلة احترام معتقدات الآخر وثقافته وفي الوقت نفسه التكيف مع المجتمع الغربي. "بالنسبة لي السؤال الذي يطرح إلى أي مدى يتوافق ارتداء المرأة للنقاب مع حريتها في الاختيار، بمعنى هل هو اختيار شخصي نابع عن حرية شخصية؟ أم هو أمر إجباري؟"، هكذا يقول كلاوس، طالب دكتوارة في نهاية الثلاثينات من عمره، الذي يؤكد على أنه في حال كان ارتداء الحجاب أمرا إجباريا، فإنه يحدّ من حرية المرأة، وفي حال كان اختيارها الشخصي، فإنه يتعين احترام حقها في حرية التعبير وحريتها في اختيار ما ترتديه.

هل يزيد النقاب من عزلة المسلمات في مجتمع غربي؟

وبينما كنت أسير في شارع رئيسي في كولونيا اصطفت على جانبيه محلات تجارية ومطاعم ومقاهي، حيث تنبعث مختلف روائح البطاطا المقلية والسجق، والأنغام الموسيقية من مختلف المحلات، فيما تتنقل جموع المارة إلى اتجاهين معاكسين، كنت ألاحظ أن البعض كان يبتعد ليترك لي الطريق، لكني لم أشهد أي ردة فعل سلبية. ولكن حينما جلست إلى جانب فتاة في محطة المترو، نهضت تاركة المكان، رغم أن هناك مقعدين شاغرين. هل كان ذلك بمحض الصدفة؟ أم أنها قد تركت المكان خوفا مني؟ أم هو رفض لي؟ هي أسئلة لم أجد لها إجابة في ذلك الوقت ولكن ذلك الموقف دفعني إلى الإحساس بشيء من العزلة. فهل يزيد النقاب من عزلة النساء في المجتمع الألماني؟ هل يحد من حظوظها في الدراسة والعمل؟ هي أسئلة جالت في خاطري، ولكنه لا يمكنني الإجابة عنها بصفة مطلقة، غير أني أدركت أن من يقرر ارتداء النقاب له دوافع قوية وأنه ليس مجرد محاكاة لموضة عابرة.

شمس العياري
حقوق النشر: دويتشه فيله 2010
مراجعة: هشام العدم

قنطرة

الخلاف حول النقاب في مصر
"النقاب لا يمت للإسلام بِصِلة"
قرر شيخ الأزهر، الذي يعد أكبر مرجعية فقهية إسلامية في مصر منع النقاب في المدارس الدينية، الامر الذي أثار جدلاً واسعاً في العالم العربي. وسواء كان حجابا أم شادورا أم برقعا أم نقابا فإن تغطية وجه المرأة المسلمة كان دائما سببا لمناقشات حادة. أما هذه المرة فيقع النقاب في بؤرة النقاش الإسلامي. ألفريد هاكنزبرغر يقدم قراءته لهذا الجدل.

جدل في فرنسا حول البرقع:
رمزية الاستعباد وجدلية الاستبعاد
أدَّى الرفض الشديد للبرقع من قبل الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، إلى إثارة جدل حاد في مختلف الأوساط السياسية والثقافية في البلاد. ويذكر هذا الجدال كثيرًا بعام 2004 الذي دارت فيه نقاشات حادة حول الرموز والمظاهر الدينية في المدارس الحكومية في فرنسا، في حين يرى آخرون أن هذا النقاش وسيلة للفت الأنظار عن حال المسلمين في فرنسا وتهميشهم. كيرستن كنيبّ يلقي الضوء على هذا الموضوع.

فرنسا:
قانون الحجاب في المدارس الحكومية
ابتداء من السنة الدراسية الجديدة في بداية شهر سبتمبر/أيلول يتعين على التلميذات المسلمات خلع الحجاب داخل المدرسة.ولاحظ مراسلنا في باريس بيرنارد شميد بأن اختطاف الصحافيين الفرنسيين في العراق لم يسبب توترات تذكر.