" نسيان اللغة يعني ضياع الهوية"
لا تعد قابيلية الأطفال لتعلم واكتساب اللغات الأجنبية أسرع من آبائهم، ميزة في بعض الأحيان. فالبرغم من أن تعلم اللغة الألمانية يساعد أطفال اللاجئين على التكيف مع المجتمع الألماني، إلا أن ذلك قد يسبب في بعض الأحيان فجوة في العلاقة الأسرية، لأن بعض الآباء لا يجيدون اللغة الألمانية ولم يندمجوا بالمجتمع بعد، بالرغم من طول فترة تواجدهم بألمانيا، مما يسبب عبئاً إضافياً لهم ولأطفالهم.
نسيان أبنائه للغة أجدادهم، هو ما يؤرق اللاجئ السوري حسن، الذي يقيم في ألمانيا منذ عامين. حسن، وهو أب لطفلين بعمر6 سنوات و8 سنوات، يرى أن الحفاظ على لغة الأجداد والهوية هو التحدي الأكبر، الذي يواجه اللاجئين السوريين في ألمانيا، حيث أن أغلب اللاجئين، الذين يعرفهم يتخوفون من نسيان أبنائهم للغتهم العربية وضياع هويتهم ويتحدث حسن عن تجربته مع أبنائه قائلاً:" يدرس ابني أيمن، 8 سنوات حالياً بالصف الأول ابتدائي وهو سبق له وأن درس بسوريا ويجيد الكتابة والقراءة باللغة العربية، ولكن ما أتخوف منه هو نسيانه للغته الأم بمرور الوقت، كما أن مراكز تعليم اللغة العربية والمساجد هنا لا تفي بالغرض لقلة الساعات الدراسية المقدمة".
" نسيان اللغة يعني ضياع الهوية"
ويسترجع حسن حادثة وقعت له مع ابنه أيمن، الذي يجيد اللغة الألمانية بشكل جيد ويعد من الأوائل في مدرسته، بالقول: "منذ فترة واجهتني مع ابني أيمن حادثة، جعلتني أتخوف كثيراً من مسألة، حيث سألته إن كان يستطيع كتابة اسمه باللغة العربية، فأجابني بنعم وكتب اسمه باللغة العربية بشكل صحيح ولكن الكتابة كانت من اليسار إلى اليمين، كما هي بالألمانية".
ولتدارك هذا الوضع يحاول حسن وزوجته تعليم أبنائهم اللغة العربية في البيت، ويقول:" زوجتي كانت تعمل مدرسة بسوريا وتحرص على تعليم أبنائنا أساسيات اللغة العربية بالبيت بشكل منتظم، كما نحرص أيضاً على تنبيههم بأن اللغة العربية هي لغتنا الأم وهي لغة الدين ولغة القرآن الكريم".
ويلقي حسن مسؤولية التمسك بالجذور واللغة الأم على الأهل، حيث أن تعلم اللغة العربية يظل منوطا بهم في ظل غياب مدراس للغة العربية في بلد اللجوء، كما يقول. ولا ينكر حسن حاجة أطفال اللاجئين للغة الألمانية، لكونها لغة دراستهم وعملهم في المستقبل، لكن في نفس الوقت يرى أنه لا يجب عليهم التخلي عن لغتهم العربية، لأنها تمثل هويتهم الأصلية.
اللغة الأم هي لغة البيت
زينب سيدة سورية مقيمة مع زوجها وأطفالها الأربعة منذ عامين في ألمانيا، أبصر طفلها الأصغر النور في ألمانيا، وعن تجربتها الشخصية مع أبنائها تقول:" اللغة الألمانية مهمة وأبنائي يتحدثون مع بعضهم البعض بالألمانية وأنا بدوري أحاول أيضا التحدث معهم بالألمانية والتعلم منهم، بالأخص من ابنتي الكبرى، ولكني أرفض أن يتحدثوا بالألمانية داخل البيت".
وتوضح زينب أنها ليست ضد تعلم أبنائها اللغة الألمانية والتحدث بها، ولكنها لا تفضل التحدث معهم باللغة الألمانية داخل البيت، لأنهم يقضون معظم يومهم خارج البيت بالمدرسة أو الروضة وفي كل الأحوال سيتعلمونها بسرعة، بعكس لغتهم الأم، التي يمكنهم التحدث بها إلا بالبيت وتقول زينب: "لهذا أحرص على أن لا ينسوا لغتهم الأم وعاداتهم وأحاول التحدث معهم أغلب الوقت بالكردية".
ابن زينب، البالغ من العمر عامان، تقول والدته أنه ينطق أحياناً كلمات باللغة الألمانية وأحياناً أخرى كلمات كردية :"أشعر أنه يفهم اللغتين، سواء تحدثت معه بالكردية أو تحدث معه إخوته بالألمانية، يجيب بالكلمات أو ردة الفعل المناسبة".
[embed:render:embedded:node:27705]
من جهتها لاحظت غالية، وهي لاجئة سورية وأم لطفلين، عامان وسبعة أعوام أن ابنها الأكبر أصبح يأخذ الكثير من الثقافة الألمانية من المدرسة، ويحول مقارنة حياة الألمان بالحياة مع عائلاته ويناقش في كثير من المواضيع، وحول هذا تقول غالية: "حاولت أن أوضح لأبني بأن لكل شعب عاداته وتقاليده التي تميزه، فكما للألمان لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم، نحن أيضاً لنا لغتنا الأم وعاداتنا وتقاليدنا، التي يجب أن نحافظ عليها".
وتحرص غالية وزوجها على التحدث باللغة العربية مع أبنائهما داخل البيت، ليس فقط بسبب عدم تمكنها بعد من اللغة الألمانية، لأن "التحدث خارج وداخل البيت باللغة الألمانية، يقتل لغتنا الأم، ولهذا أحرص على تعليمهم اللغة العربية أثناء عطلتهم الصيفية، لأنه للأسف لا توجد مراكز ثقافية عربية أو مساجد عربية قريبة من بيتنا".
"الآباء قدوة الأبناء في التعلم واكتساب اللغات"
ولمحاولة إيجاد توازن بين إصرار العائلات اللاجئة على التمسك بلغة الأجداد، والواقع الذي يتطلب منهم الاندماج واستخدام اللغة الألمانية بشكل دائم، يرى السيد روجر لوس، الباحث في علم اللغة والاجتماع أن طريقة بعض العائلات في التمسك بالحديث باللغة الأم مع أبنائهم داخل البيت، هي الطريقة الصحيحة لاكتساب وتعلم اللغات ويقول في حواره معنا :"مهم جداً نشأة الأطفال داخل محيط عائلي يتحدث لغة واضحة وجيدة، ولهذا من المهم التمسك بالحديث مع الأطفال بلغتهم الأم داخل البيت".
ويؤكد لوس أنه لا يجب على العائلات اللاجئة الانتظار طويلًا لحين التحاق أبنائهم بالمدرسة، لأن ذلك يعد "إهمالا وخطأ جسيما بحقهم، فمن المهم حضورهم بسرعة داخل محيط يتكلم اللغة الألمانية، ولهذا يجب إلحاقهم بروضة أو جمعية أو نادٍ وعدم تكرار خطأ الجالية التركية قبل خمسين عاماً".
ولا يرى الباحث الاجتماعي حدوث فجوة في العلاقة الأسرية بين اللاجئين وأبنائهم، كما حدث مع الجالية التركية، حيث أهملت الدولة تعليم اللغة الألمانية للآباء ويقول:" العائلات اللاجئة مطالبة بتعلم اللغة الألمانية أيضاً وبفضل هذا لن تحدث تلك الفجوة، لأن الأطفال يرون في الآباء قدوة لهم وسيقلدونهم في تعلم لغات مختلفة أيضاً".
ويضيف:" اللغة الأم ستفقد أهميتها لدى الأطفال مع مرور السنوات تلقائياً، وهذا أمر طبيعي، لأن محيطهم يتحدث الألمانية".
إيمان ملوك
حقوق النشر: دويتشه فيله 2017