تحويلات أرامكو وبتروبراس "المشبوهة" برائحة النفط
في ذروة فضيحة " غسيل السيارات Car Wash " (عام 2014) التي اتُهمت بها شركة "بتروبراس" البرازيليّة المملوكة للدولة واعتُبرت من أضخم فضائح الفساد عبر التاريخ، أرسلت شركة النفط العملاقة مبلغاً كبيراً من المال إلى شركة النفط السعوديّة الرسميّة "أرامكو"، في عمليّة وصفها "دويتشه بنك" بـ"المشبوهة".
لم تكن وحدها فضيحة الفساد والرشاوى وغسيل الأموال لشركة "بتروبراس" هي التي أحدثت هزة في اقتصاد البرازيل ونظامها السياسي، إذ واجه الاقتصاد العالمي أيضاً في الفترة ما بين منتصف 2014 وأوائل 2016، أحد أكبر انخفاضات أسعار النفط منذ الحرب العالمية الثانيّة، بنسبة 70%.
في تلك الفترة نفسها، وتحديداً بين أيلول/ سبتمبر 2014 وتشرين الأوّل/ أكتوبر 2016، أرسلت شركة "بتروبراس" البرازيليّة 29 تحويلاً مالياً إلى "أرامكو" السعوديّة بقيمة 1.5 مليار دولار، خلال 4 فترات مختلفة، بلغ إحداها حوالى 600 مليون دولار أميركي، بحسب وثائق البنك.
تشير البيانات التي حصلت عليها BuzzFeed News وشاركتها مع "الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين" و"أريج" وشركاء إعلاميين آخرين، إلى مجموعة من المعاملات المشبوهة بين شركة النفط البرازيليّة العملاقة "بتروبراس" وشركة النفط السعوديّة "أرامكو" بين عامي 2014 و2016.
هذه المعاملات، الواردة في تقارير الأنشطة المشبوهة (SAR)، قدمها "دويتشه بنك" إلى شبكة إنفاذ الجرائم الماليّة التابعة لوزارة الخزانة الأميركيّة (FinCEN).
هذه التقارير، ليست دليلاً على ارتكاب مخالفات، لكنها تعكس وجهات نظر الهيئات الرقابيّة التابعة للمصارف، المعروفة باسم "موظفي الامتثال"، والذين يبلغون عن المعاملات التي تحمل تساؤلات تستحق مزيداً من التدقيق.
لماذا "بتروبراس"؟
قدم تقرير النشاط المشبوه (SAR) إلى شبكة إنفاذ الجرائم المالية (FinCEN) من قبل "دويتشه بنك"، بسبب "العثور على معلومات سلبية عن شركة Petroleo Brasileiro SA (بتروبراس Petrobras) بشأن مزاعم رشوة وفساد وغسيل أموال"، وفقاً للوثيقة المسجّلة بتاريخ 18 كانون الأوّل/ ديسمبر 2014.
رَدّ المصرف الحكومي الذي تتعامل معه "بتروبراس"، Banco do Brasil على استفسار "دويتشه بنك"، بالقول إنه "لم يحدد أيّ مشاكل قد تعطي سبباً للشك حول الغرض من هذه المعاملات"، وفقاً للتقرير.
وأشار "بانكو دو برازيل"، إلى أنه لا يمكنه إبلاغ "دويتشه بنك" بأيّ شيء آخر حول مزاعم الرشوة والفساد المحيطة بـ "بتروبراس"، وأنّ كل ما يعرفه المصرف هو الأخبار التي نشرتها الصحافة والشركة النفطيّة الكبرى، على مواقعها على الإنترنت. وأضاف البنك: "لذلك، ليس لدينا أيّ رأيّ حول الحقائق"، بحسب تقرير النشاط المشبوه.
اللافت، أنّ المدير العام السابق لكل من "بتروبراس" و"بانكو دو برازيل"، آلديمير بندين ، اتُهم في عام 2018 ضمن فضيحة "غسيل السيارات"، بتبييض الأموال وباستغلال منصبه للحصول على رشاوى، حيث حُكم عليه بالسجن 11 عاماً.
في تقارير الأنشطة المشبوهة المتتالية، تحدث "دويتشه بنك" عن أنه أبلغ عن تحويلات ماليّة تشمل "بتروبراس"، بما في ذلك بعض التحويلات الماليّة لـ"أرامكو"، لأنه "كان هناك تباين غير عادي في حجم تلك التحويلات المالية"، ولأن دويتشه بنك "لم يتمكن من تأكيد الأغراض التجاريّة لجميع المعاملات". ولم يحدد البنك ما إذا كانت التحويلات الماليّة لشركة النفط السعوديّة من بين المعاملات التي لم يتمكن من تحديد الغرض منها.
من الجدير ذكره، أنّ شبكة مكافحة الجرائم الماليّة التابعة لوزارة الخزانة الأميركيّة، حذرت سابقاً في توجيه صادر إلى المؤسسات الماليّة، من أن المعاملات المتعددة في يوم واحد "يمكن أن تكون طريقة تحاول من خلالها الشركات أو الأفراد تجنب الكشف عن تلك الحوالات".
إذاً لماذا تتعامل "بتروبراس" مع "أرامكو"؟
بناءً على بحثنا المستند على المصادر المفتوحة، لا يتوفر إلا القليل من المعلومات باللغة العربيّة أو الإنجليزية حول استيراد "بتروبراس" للنفط من المملكة العربية السعودية. بالإضافة إلى ذلك، لم تُشر أيّاً من التقارير السنوية للشركتيّن أو تقارير المستثمرين أو البيانات الصحفية أو أيّ من التقارير المتنوعة الأخرى المنشورة والمتاحة على الإنترنت والتي تمّت مراجعتها من قبل "أريج"، إلى أنه تمّ التوصل إلى أيّ اتفاق أو تعاون بين الشركتين قبل أو أثناء أو بعد التحويلات المشبوهة.
وعندما تمّ التواصل مع أرامكو حول تعاملاتها التجاريّة مع شركة النفط البرازيليّة، ومبلغ 1.5 مليار دولار الذي تمّ إرساله بين عاميّ 2014 و2016، أجابت الشركة بأن "أرامكو لديها اتفاقيات تجاريّة مع بتروبراس تنظّم مبيعات النفط الخام والمنتجات المكررة إليها، ولكن، لخصوصيّة تتعلق بالسياسة العامة، لا نعلق على شروط وأحكام هذه الاتفاقيات التجاريّة".
ولم تذكر "أرامكو" شركة "بتروبراس" في أي من تقاريرها، باستثناء مرة واحدة، عندما تحدثت عن مهندس نفط أوّل التحق بالشركة عام 2013، بعد أن عمل في شركة "بتروبراس الأرجنتين" سابقاً. هذا المهندس، هو واحد من بين عدد من الموظفين الذين انتقلوا للعمل بين شركتي النفط المنافستين، "بتروبراس" و"أرامكو".
"أريج" تواصلت أيضاً مع شركة "بتروبراس" البرازيليّة للاستفسار حول تحويلاتها الماليّة إلى "أرامكو" السعوديّة بين 2014 و2016، لكن حتى لحظة الانتهاء من إعداد هذا التقرير، لم تُجب الشركة على استفساراتنا.
وبينما تمتلك "أرامكو" فروعاً مختلفة في العديد من دول العالم، إلا أن وجودها في البرازيل محدود نسبياً. ووفقاً لموقعها الإلكتروني، لا تمتلك "أرامكو" مكتباً أو فرعاً في البرازيل، ولكنها تملك شركة تابعة ، ARLANXEO Brasil S.A ، متخصصة بإنتاج المطاط الصناعي الذي يتمّ استخدامه في صناعة السيارات والإطارات والصناعات الكهربائية والبناء والنفط والغاز.
تعمل أرامكو أيضاً في سنغافورة منذ عام 1993، لكنها في عام 2014، أسست شركة "أرامكو آسيا - سنغافورة" لتقديم معلومات تسويق النفط الخام، ومصادر المواد، والخدمات اللوجستية لسلسلة التوريد والتفتيش وخدمات هندسيّة أخرى. وللمفارقة، هي السنة ذاتها التي شهدت سبعة تحويلات ماليّة بقيمة 382,459,825.34$ من "بتروبراس سنغافورة" إلى "أرامكو"، وفقاً لتقارير الأنشطة المشبوهة.
هل "بتروبراس" أوّل شركة برازيليّة "مشبوهة" تتعامل معها "أرامكو"؟
يبرز من خلال التحويلات الماليّة شبهة تورط شركة "أرامكو" السعوديّة بالتعامل مع شركة "بتروبراس"، إحدى أكبر شركات النفط العالميّة المتورطة في قضايا فساد ضخمة لا تزال تلاحقها إلى اليوم. لكن للمفارقة، هي ليست الشركة البرازيليّة الوحيدة التي تعاملت معها شركة النفط السعوديّة سابقاً وتبيّن تورطها بقضايا رشاوى واحتيال.
ففي عام 2010، تورطت شركة تصنيع الطائرات البرازيليّة "امبراير Embraer"، في قضايا رشاوى عديدة، كان أبرزها دفع أحد مسؤوليها التنفيذيين السابقين (كولين ستيفن) مبلغ 1.65 مليون دولار لموظف في شركة "أرامكو"، لإقناع شركته بشراء ثلاث طائرات من نوع .E170 فعلاً، اشترت "أرامكو" الطائرات، وبعد كشف القضية، أعلنت الشركة في بيان لها عام 2016، إجراء تحقيق داخلي أثبتت به تورط موظفها، مقررةً طرده وإيقاف جميع التعاملات المستقبليّة مع "أمبراير".
وعلى الرغم من التحقيق الذي أُعلن عنه وقرار فصل الموظف، إلا أن الأخير اعتبر الأمر، بحسب حسابه على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، مجرد "تقاعد" من "أرامكو" التي عمل فيها 35 عاماً.
وأكدت شركتا "أرامكو" و"أمبراير"، خلال الإجابة على أسئلة "أريج"، أنّهما أوقفتا رسمياً أي تعامل بينهما بعد الفضيحة.
رغم عدم توفر العديد من المعلومات في السجلات العامة حول التعاملات بين شركتيّ "بتروبراس" و"امبراير" باعتبارهما من كبار الشركات البرازيليّة، إلّا أنه سبق للشركتين أن عقدتا اتفاقات عمل، منها مذكرة تفاهم عُقدت عام 2014 أيضاً، بغرض تطبيق "المعايير الصارمة في مجال صناعة الطيران، لتقييم متطلبات وبنية النظم المستخدمة في استكشاف وإنتاج النفط والغاز".
لكن هذه المذكرة التي وصفتها أمبراير بـ"الشراكة" بين الطرفين، لم تعترف بها حين سألتها "أريج" عن ما إذا كان تمّ توقيع أي اتفاقية بينها وبين "بتروبراس" بين عامي 2014 و2016، حيث أجابت بالنفي.
نظراً لقلّة البيانات والمعلومات التي تنشرها كل من "بتروبراس" و"أرامكو" و"إمبراير" بشأن تعاملاتهما وصفقاتهما، يُصعب تأكيد الأغراض التجاريّة وراء التحويلات الغامضة، كما أعلن "دويتشه بنك"، لكن من الواضح أن "أرامكو" تورطت بطريقة أو بأخرى بالتعامل مع اثنتين من أكبر الشركات في البرازيل، Petrobras وEmbraer، اللتين يحفل تاريخهما بقضايا الفساد والاحتيال والرشوى. والواضح أيضاً أن "أرامكو" انخرطت في معاملات ماليّة، لأسباب غير معروفة، مع "بتروبراس"، في ذروة فضيحة الفساد الكبرى "غسيل السيارات".
===================================================
ما هي فضيحة "غسيل السيارات" البرازيليّة؟
بدأت عمليّة "غسيل السيارات" في آذار/مارس 2014 كتحقيق في مزاعم بأن المسؤولين التنفيذيين في شركة النفط الحكوميّة "بتروبراس"، قبلوا رشاوى من شركات البناء مقابل منحها عقوداً بأسعار متضخمة. بعد ذلك وجد حزب "العمال" البرازيلي نفسه متورطاً في فضيحة الفساد هذه، وسط مزاعم بتحويل بعض هذه الأموال لسداد رواتب السياسيين وشراء أصواتهم والمساعدة في حملاتهم السياسيّة. وكان من بين المتهمين في الفضيحة عشرات رجال الأعمال والسياسيين من بينهم الرئيس السابق الذي يتمتع بشعبية كبيرة في البلاد، لولا دا سيلفا. لكن لولا، الذي نفى جميع التهم الموجهة إليه، اعتبر أن التحقيق وإخضاعه للمحاكمة "كانا بدوافع سياسيّة لمنعه من الترشح للرئاسة مرة أخرى".
===================================================
- ما هي شركة أرامكو؟ : إحدى أكبر شركات النفط العالميّة. شركة سعوديّة مملوكة للدولة، تأسست عام 1933 ومختصة في مجال إنتاج الطاقة والكيميائيات.
- ما هي شركة بتروبراس؟ : شركة النفط البرازيلية، تأسست عام 1953 وتعتبر اليوم من أكبر شركات النفط العالميّة.
- ما هي شركة امبراير؟ : الشركة البرازيلية الجويّة، تأسست عام 1969 وتعتبر ثالث أكبر شركات تصنيع طائرات في العالم بعد "إيرباص" و"بوينغ"، ومنها الطائرات الحربيّة.
===================================================
تحقيق: سجى مرتضى
.......................
طالع أيضا
تنامي الفساد والظلم الإجتماعي ساهم في صعود الشعبوية في عام 2016
احتجاج الشعوب العربية على الفساد وتردي السياسة والاقتصاد
مكافحة الرشوة تخدم المصالح الفردية قبل كل شيء! الفساد في مصر
فساد ومحسوبية في دويلات المحاصصة الطائفية - فساد ومحسوبية في دويلات المحاصصة الطائفية
الفساد واقتصاد الريع في جمهورية إيران الإسلامية
فساد ضارب أطنابه في العراق حتى "اتسع الخرق على الراتق"
.......................
[embed:render:embedded:node:36126]