نزعة ذكورية في الدولة والمجتمع تقتل جزائريات
في 26 كانون الثاني/يناير (2021)، قُتِلت الصحفية الجزائرية، التي تعمل في القناة العامة TV4 الناطقة بالأمازيغية، تينهينان لاصب، على يد زوجها. وقبل ذلك بيومين فقط، في 24 كانون الثاني/يناير (2021)، قُتلت وردة حافظ، التي تبلغ من العمر 45 عاماً وأم لخمسة أطفال، على يد زوجها. ضُرِبت وردة على رأسها ثلاث مرات بمطرقة وطُعِنت خمس مرات في قلبها. وقد حدث الاعتداء أمام ابنتها التي تبلغ من العمر 6 سنوات.
تينهينان ووردة ضحيتان فقط من بين العديدات من الضحايا. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2020، تصدّرت العناوينَ قصةُ شيماء ذات الـ 19 عاماً، التي خُطِفت واغتُصِبت وضُرِبت وحُرِقت وهي حية في بلدة "الثنية" الصغيرة. أثار الفيديو المؤثّر لوالدة شيماء وهي تطالب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بفرض عقوبة الإعدام على قاتل ابنتها جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي.
لا تزال عقوبة الإعدام قائمة في الجزائر، بيد أنها معلّقة منذ عام 1993 عقب تجميدها. وبحسب وسائل الإعلام المحلية، دعا الرئيس الجزائري تبون إلى تنفيذ "أقصى العقوبات مع عدم إمكانية التخفيف أو العفو".
أثار قتل شيماء إضافة إلى جرائم القتل الأخيرة موجة غضب في أنحاء الجزائر. وعبّر العديد من الجزائريين عن غضبهم، على وسائل التواصل الاجتماعي، من هذه الموجة الخطيرة من العنف ضدّ النساء، باستخدام هاشتاغ (#خسرنا_وحدة_منا # WeLostOneOfUs) الذي أصبح من الأكثر رواجاً على تويتر. وفي الجزائر العاصمة، ومدينة بجاية ومدينة وهران ومدينة قسنطينة، تحدّت مئات النساء قيود الإغلاق بسبب كورونا للاحتجاج والتعبير عن غضبهن من تزايد قتل النساء في الجزائر وتقاعس الدولة.
يتحولُ قتل النساءِ وغيره من أشكالِ العنفِ ضدّهن إلى أزمة صحية عامة حقيقية. ولا توجد إحصائيات شاملة حول العنف القائم على الجندر وقتل النساء في الجزائر؛ بيد أنّ الأرقام التي تنشرها سنوياً المديرية العامة للأمن الوطني والدرك تثير القلقَ لأنها لا تمثّلُ سوى غيض من فيض. وتشير التقارير الأخيرة للشرطة، كما أوردتها وسائل الإعلام الجزائرية، إلى أنّ أكثر من 7000 حالة عنف ضد النساء قد سجّلت في عام 2018.
Only a few weeks after the horrible murder of journalist Tinhinane Laceb, Tizi Ouzou is now mourning yet another femicide: 17-year-old Kenza Sadat, whose body was discovered in a forest on Thursday, two weeks after she first went missing https://t.co/CMuKJyzgS7
— Yasmina (@animsche) February 19, 2021
وفيما يتعلق بقتل النساءِ، ووفقاً للمصدر الوحيد المتاح، feminicides-dz، وهو موقع إلكتروني أسسته ناشطتان نسويتان يتتبع الظاهرة ويهدفُ إلى التعريف بوجوه وقصص الضحايا، قُتِلت 75 امرأة من جميع الخلفيات والأعمار (وصولاً إلى عمر الـ 80 عاماً) بأيدي شركائهن الحميمين، آبائهن، إخوانهن، أنسبائهن، أبنائهن، أو بأيدي غرباء، وذلك في عام 2019، و54 امرأة في عام 2020.
وفي حين أنّ الحكومة الجزائرية تبنت منذ عام 2014 إصلاحات مؤسساتية وقانونية طال انتظارها لتعزيز حقوق المرأة وحمايتها، إلا أنّ إجراءات كهذه غير قادرة على حماية النساء من العنف بشكل عام ومن العنف المنزلي بشكل خاص. إذ ينتشر العقاب البدني للنساء من قبل أزواجهن أو أقاربهن الذكور بشكل كبير ويُعتبرُ شكلاً من أشكال التأديب المقبولةِ اجتماعياً.
إضافة إلى ذلك، فإنّ النساء اللواتي يشتكين من العنف المنزلي ويبلغن عنه يتعرضن للوصم والعداء من المجتمعِ وعدم تعاون الشرطةِ، مما يشكّل أيضاً عقبات كبيرة أمام حماية النساء. وقد فشلت الحكومات المتعاقبة في أمرين: من ناحية، في سنِّ قانون شامل لتعزيز حماية النساء ومنع العنفِ المنزلي، ومن ناحية أخرى، تزويد الناجيات وأطفالهن بخدمات دعم كافيةٍ.
القوانين وعيوبها
في عام 2015، ومن أجل حماية أفضل للمرأة، سنّت الهيئة التشريعية الجزائرية قانوناً يُجرِّمُ التحرّش الجنسي، وَسَّعَت نطاقه وشدّدت العقوبات عليه. كما عُدّل قانون العقوبات لتجريم العنف المنزلي. ولأول مرة في الجزائر، بعد دخول قانون عام 2015 حيّز التنفيذِ، أصبح بالإمكان محاكمة مرتكبي العنف المنزلي بموجب المادة 264 والمادة 276 من قانون العقوبات، والذي ينصُّ على عقوبات تتراوح من الغرامات وصولاً إلى السجنِ.
وقد نصّ هذا القانون على أنّ الاعتداء على أحد الزوجين يؤدي إلى عقوبة تصل إلى 20 عاماً في حال التسبّب بإصابات، وعقوبة تصل إلى السجن المؤبدِ في حالة الإصابات التي أدت إلى وفاة (المادة 266 مكرر). بيد أنّه، ولأسباب عديدة، يفشل هذا القانون في حماية النساء بشكل كامل وفي إنهاء العنف ضدهن.
أولاً، ينطبق القانون فقط على الأزواج والأزواج السابقين الذين يعيشون في منزل مشترك أو منفصل، بيد أنه لا ينطبق على الأقارب وغير المتزوجين أو أفراد الأسرة الآخرين. كما لا تنطبق الأحكام المتعلقة بالاعتداء والعنف النفسي أو الاقتصادي على الأشخاص الذين في علاقة حميمة غير زوجية، أو على أفراد آخرين من العائلة.
ثانياً، تنصُّ المادة 264 على عقوبة تتراوح بين سنة إلى خمس سنوات في السجن وغرامة على أعمال العنف التي تؤدي إلى مرض أو عجز كلي عن العمل لمدة تزيد عن خمسة عشر يوماً. بيد أنّ تقريراً طبياً يُطلبُ من أجل إثبات ذلك، مما يزيد من صعوبة وصول الناجيات إلى العدالةِ، وبالتالي محاكمة الجناة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ أعمال العنف التي لا تؤدي إلى عجز الضحية عن العمل لأكثر من 15 يوماً تُعتبر جنحة، إلا إن كانت عن سبق الإصرار والترصد (كمين) أو إن استُخِدمَ سلاح (المادة 266).
ثالثاً، لا يمنعُ القانون الوساطة والمصالحة؛ إضافة إلى ذلك، فإنْ صفحَ الزوجُ، فقد يحصل الجاني على عقوبة مخفّفة أو يتجنّب العقوبة تماماً (رقم 19-15، 2015: المادة 266 مكرر، 266 مكرر 1، 330 مكرر). وعادة ما تتعرض الضحية لضغوطٍ عائليةٍ واجتماعية كبيرة للعفو عن المعتدى عليها ومن الممكن أن يثنيها هذا عن السعي إلى المحكمة في المستقبلِ. ومن العقبات الأخرى التي تواجهها النساء بالإضافةِ إلى الضغط الاجتماعي هي المعاملة السيئة للشرطة، التي غالباً ما تنتقص منهن وتثنيهن عن تقديم الشكوى، والافتقار إلى العناية اللازمة بالتحقيق (إن وجد) والمتابعةِ.
إضافة إلى ذلك، لا يوجد أي بند حول أمر وقائي، مثل الأمر التقييدي، لحماية الضحايا وتسهيل المقاضاة القضائية. كما لا توجد بنودٌ تمنعُ المعتدي المزعوم من الاتصال بالضحية، أو تشترطُ عليه الابتعاد مسافة معينة عن الضحية، أو حتى الخروج من المنزل المشترك. ونتيجة لذلك، يمكن للضحية أن تكون عرضة للمضايقة في أفضل الأحوال وللانتقام في أسوأ الأحوال.
ووفقاً لتعليقات نادية أيت زاي، المُرسلة عبر البريد الإلكتروني، وهي ناشطة نسوية ومؤسِّسة مركز الإعلام والتوثيق حول حقوق الطفل والمرأة (سيديف)، "يوجد الآن بالطبع قانون يتعلق بالعنف المنزلي، لكن هذا لا يكفي. إننا نطالبُ بآليات حماية، وأوامر وقائية، إضافة إلى موظفين خاصين مخصصين لرعايا الضحايا منذ لحظة وصولهم إلى مركزِ الشرطةِ وحتى مغادرتهم، وحتى إمكانية وضعهم في "مكان آمن" على الفورِ إن اقتضت الحاجة".
رابعاً، يقرُّ قانون العقوبات "جريمة العاطفة"، وتنصُّ المادةُ 279 على أنّه "يستفيد مرتكب القتل والجرح والضرب من الأعذار إذا ارتكبها أحد الزوجين على الزوج الآخر أو على شريكه في اللحظة التي يفاجئه فيها في حالة تلبس بالزنا".
وأخيراً، في حين أنه يمكن للمرأة تطليق زوجها إن كان عنيفاً تجاهها، بيد أنّ القانون لا يعترفُ بالاغتصاب الزوجي. إذ لا يذكره قانون العنف المنزلي، على الرغم من أنّ الأرقام مقلقة. إذ أفادت دراسة استقصائية وطنية نُشِرت في عام 2005 أنّ 10.9% من النساء الجزائريات اللواتي شملهن الاستطلاع قُلن إنهن تعرّضن لممارسة جنسية قسرية من قبل شركائهن. وقد ارتفع هذا الرقم إلى 13% في دراسة أجرتها شبكة بلسم في عام 2013، وشبكة بلسم هي شبكة وطنية لمراكز الاستماع لضحايا العنف من النساء.
وينبغي على البرلمان معالجة أوجه القصور القانونية هذه بشكل مستعجل من خلال المزيد من التشريعات.
امنحني مكاناً آمناً
يوضِّحُ وجود مؤسسات، مثل وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا النساء، والمجلس الوطني للأسرة والمرأة، رغبةَ الدولة في الوفاء بالتزامات العناية الواجبة فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين وعدم التمييز. وبتنسيق الوزارة، أطلقت الجزائر في عام 2007 الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضدّ المرأة.
دعت الاستراتيجية إلى إنشاء وحدات خاصة لمساعدة الناجيات من العنف في الحصول على ملاجئ لفترة زمنية أطول - دون تولي الإنشاء الفعلي لهذه الملاجئ. في الوقت الحالي، يوجد مركزان وطنيان تديرهما الدولة (بوسماعيل ومستغانم) وخمسة مراكز إيواء مؤقتة (الجزائر، قسنطينة، وهران، سكيكدة، ورقلة).
وبما أنه لا توجد ميزانية مخصصة بشكل صريح للتعامل مع قضايا العنف على أساس الجندرِ، فإنّ جدوى وإمكانية الدخول إلى هذه الملاجئ ومراكز الإيواء تمثّل تحدياً كبيراً. ويبدو أنّ هذه المشكلة شائعة في منطقة الشرقِ الأوسط وشمال أفريقيا أيضاً، إذ أنّ العدد الإجمالي للملاجئ في الدولِ العربية لا يتجاوز الخمسين. وفي الجزائر، ينعكس ذلك في الخدمات المحدودة وغير الكافية من حيث مثلاً المساعدة القانونية، والمساعدة الطبية، والدعم الاجتماعي-النفسي، وقبل كل شيء الملاجئ. تُوفَرُّ جميع هذه الخدمات تقريباً من قبل مؤسسات غير حكومية، والتي لا يتلقى معظمها أي دعم من الدولةِ.
وتفتقرُ الملاجئ ومراكز الإيواء إلى الموارد والأموال والمساحة. فعلى سبيل المثال، في عام 2017، اضطر العديد من هذه المراكز إلى إبعاد النساء بسبب افتقارها إلى المساحة. كما أنّ العديد من النساء رُفِضن لأنهن لم يستوفين معايير الملاجئ أو مراكز الإيواء أو لوجود تقييدات على الأطفال القاصرين الذين يرافقونهن. إضافة إلى ذلك، لا تُقبلُ ضحايا الإساءة العاطفية من النساء بما أنّ هذه المؤسسات لا تعترف إلا بأشكال معينة من العنف.
إضافة إلى ذلك، تفتقرُ العديد من الملاجئ والمراكز إلى الموظفين ويتوجب عليها الاعتماد بشكلٍ كبيرٍ على المتطوعين بسبب الموارد المحدودة. كما أنّ هذه الملاجئ تحتوي على عدد قليل من المختصين، ومما يجعل عمل المتطوعين أكثر صعوبة، افتقار هذه الملاجئ إلى مدونة سلوك حول كيفية التفاعلِ والعملِ مع الناجيات. بيد أنّ هذه الملاجئ لديها موظفو إعادة دمج لدعم النساء لعودتهن لحياتهن بعد إقامتهن لمدة تصل إلى عامين، وهو أمر شديد الأهمية للناجيات.
تقدّمُ نصف مراكز الجزائر خدمات المصالحة، مما يثير التساؤل حول مبادئ أمن المرأة وسلامتها وسريتها. فالمصالحة قد تكون شديدة الخطورة وتضع النساء في خطر كبير. إذ أنّ نهج المصالحة لا يأخذ بعين الاعتبار اختلال توازن القوى بين الناجية والجاني، أو الضغط الاجتماعي والعائلي على المرأة لحماية الأسرة بأي ثمن.
النظام الذكوري الأبوي والوباء
قتل النساء قضية عالمية تتجاوز الحدود والثقافات، والأديان، والطبقات، والفئات العمرية. غير أنه في "حزام السلطة الأبوية الكلاسيكية" الذي تشكّل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جزءاً منه، تستمر معدلات العنف القائم على الجندر والعنف الجنسي بالازدياد، لا سيما منذ تفشي وباء كوفيد-19. والجزائر ليست استثناء. وتظهر البيانات من المديرية العامة للأمن الوطني (DGSN) ارتفاعاً في العنف الجسدي (71%) وزيادة كبيرة في جرائم قتل النساء. ففي أول شهرين من عام 2020، قُتِلت ست نساء من قبل أزواجهن - و19 امرأة أخرى منذ آذار/مارس وحتى تشرين الأول/أكتوبر 2020.
وفي حين أنّ الدولة الجزائرية، كالعديد من الدول الأخرى في المنطقةِ، تناقش الأمن البشري وحماية الفئات الأكثر ضعفاً، فإنّ هذه الدولة هي نفسها التي تعرّض حياة النساء والأطفال للخطر، لأنّ الدولة متورطة في قمع المرأة وتحويلها إلى أشياء خاضعة للسيطرة الاجتماعية الذكورية. وعبر هذا البناء الأيديولوجي، يُبرَّرُ العنف المباشر والهيكلي ضد المرأة.
وهذا النظام الجندري، جندرة الفضاء الخاص، يجعل من المنزل عالماً خارج نطاق نفوذ الدولة ويخضع لقانون الرجال. مما يمنحُ الرجالَ السيطرة على الدفاعِ عن حرمة المنزل وجسد المرأة.
وطالما تستمرُ هذه النزعة الأبوية في الدولة والمجتمع الجزائري، فإنّ ضحايا العنف من النساء سيُقابلن بالخزي ووصمة العار. وسيستمرُ قتل الجزائريات، والإشادة بالجناةِ.
دالية غانم
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: معهد الشرق الأوسط / موقع قنطرة 2021
دالية غانم باحثة مقيمة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت. تتمحْور أبحاثها حول العنف والتطرّف السياسيين، والتعصّب، والإسلاموية، والجهادية، مع تركيز خاص على الجزائر.