هل يمكن معالجة ملفات الذاكرة بعيدا عن الفكر الكولونيالي؟
ماكرون: مذبحة باريس عام 1961 ضد الجزائريين جريمة لا تغتفر: في أول اعتراف فرنسي رسمي بالمسؤولية عن المذبحة، ندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالحملة الدموية التي شنتها الشرطة على المتظاهرين الجزائريين في باريس قبل 60 عاماً، ووصفها بأنها "جريمة لا تُغتفر بالنسبة للجمهورية".
وندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم السبت (16 اكتوبر/تشرين الأول 2021) بالحملة الدموية التي شنتها الشرطة على المتظاهرين الجزائريين في باريس قبل 60 عاماً، ووصفها بأنها "جريمة لا تُغتفر بالنسبة للجمهورية"، في أقوى اعتراف من رئيس فرنسي بمذبحة ألقيت خلالها جثث كثيرة في نهر السين.
وكانت فرنسا قد فرضت حظر التجول على ما يسمى بالفرنسيين المسلمين من الجزائر في نهاية حرب الجزائر، التي حاربت فيها "مستعمرة الجزائر الفرنسية" آنذاك من أجل استقلالها من عام 1954 إلى عام 1962.
وفي 17 أكتوبر تشرين الأول 1961، وبأوامر من قائد شرطة باريس آنذاك موريس بابون، هاجمت الشرطة مظاهرة نظمها 25 ألف جزائري مؤيد لجبهة التحرير الوطني احتجاجاً على حظر التجول المفروض على الجزائريين.
وسحقت المظاهرات بشكل منهجي، وضربت الشرطة الفرنسية العشرات العديد حتى الموت وأطلقت النار على آخرين. وعثر على بعض الجثث في وقت لاحق في نهر السين.
وقال مكتب ماكرون في رسالة صادرة عن قصر الإليزيه إن المسيرة قُمعت "بعنف وبشكل وحشي ودموي"، مضيفاً أن نحو 12 ألف جزائري اعتُقلوا وأُصيب كثيرون وقُتل العشرات. وأضاف البيان أن فرنسا تعترف بمسؤوليتها القاطعة عن هذه الواقعة.
وبعد الظهر، حضر ماكرون مراسم إحياء للذكرى الستين للواقعة في كولومب بالقرب من باريس، وأقيمت المراسم على ضفاف نهر السين بالقرب من جسر بيزون الذي سلكه المتظاهرون الجزائريون قبل ستين عاماً وقدموا من حي نانتير الفقير المجاور تلبية لدعوة فرع جبهة التحرير الوطني في فرنسا.
ووفقاً للإليزيه، فإن هذا يجعل ماكرون أول رئيس فرنسي يحضر مثل هذه المراسم لإحياء الذكرى.
وإذ أشار إلى حصول "جرائم"، واقفا دقيقة صمت وواضعا إكليلا من الزهور في المكان، يكون ماكرون قد اتخذ موقفا يتجاوز ما أقر به سلفه فرنسوا هولاند العام 2012 حين تحدث عن "قمعٍ دام".
وأضاف البيان الرسمي للرئاسة الفرنسية إن "فرنسا تنظر إلى تاريخها برمته بتبصر وتقر بالمسؤوليات التي تم تحديدها بوضوح. أولاً وقبل كل شيء، إنها تدين لنفسها بذلك ثم لجميع من أدمتهم حرب الجزائر وما واكبها من جرائم ارتكبت من كل الجهات، في أجسادهم وأرواحهم".
وتحدث ماكرون، أول رئيس فرنسي ولد بعد حرب الجزائر التي انتهت العام 1962، إلى أقرباء الضحايا الذين بدوا متأثرين للغاية.
وقالت الرئاسة الفرنسية إن "الآلاف اعتقلوا ونقلوا إلى مراكز فرز في ملعب كوبرتان وقصر الرياضات وأماكن اخرى. وإضافة إلى عدد كبير من الجرحى، قتل العشرات ورميت جثثهم في نهر السين. لم تتمكن عائلات كثيرة من العثور على جثث ابنائها الذين اختفوا في تلك الليلة".
وكان الإليزيه قد ذكر الجمعة 15 / 10 / 2021 بأن "رصاصاً حياً أُطلق في هذا المكان وتم انتشال جثث من نهر السين"، وذلك تبريراً لاختيار مكان إقامة المراسم. وأضاف أن الرئيس الفرنسي "يكرم ذكرى جميع ضحايا مأساة تم نكرانها وظللها الغموض لوقت طويل".
وحتى اليوم، لا يزال العدد الدقيق للضحايا غير معروف. وتشير بعض التقديرات إلى أن العدد يناهز 200 شخص، في حين اكتفت الحصيلة الرسمية بالإشارة إلى ثلاثة قتلى.
الرئيس الجزائري يدعو إلى معالجة ملفات الذاكرة مع فرنسا بعيدا عن "الفكر الاستعماري"
ودعا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون السبت 16 / 10 / 2021، إلى معالجة ملفات الذاكرة مع فرنسا بعيدا عن "الفكر الاستعماري"، وذلك في رسالة للشعب الجزائري في الذكرى الستين لقتل متظاهرين جزائريين في 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961 في باريس.
وجاء في النص الذي نشرته الرئاسة الجزائرية "هذه المناسبة تُتِيحُ لي تأكيدَ حرصِنا الشَّديد على التَّعاطي مع ملفَّاتِ التاريخ والذاكرة، بعيدًا عن أيِّ تَرَاخٍ أو تَنازُلٍ، وبروحِ المسؤوليةِ (...) وفي منأى عن تأثيراتِ الأهواء وعن هيمنة الفكر الاستعماري الاستعلائي على لوبياتٍ عاجزةٍ عن التحرُّرِ من تَطرُّفها المُزمن".
وتابع "يَنْبَغِي أن يكونَ واضحًا، وبصفة قطعية، بأنَّ الشَّعبَ الجزائريَ الأبيَّ المُعتزَّ بجذورِ الأُمةِ، الضَّاربةِ في أعماقِ التاريخ، يَمضي شامخًا، بعَزْمٍ وتَلاحُمٍ، إلى بناءِ جزائرَ سيِّدةٍ قويَّة".
واعتبر الرئيس الجزائري أن ما حدث في 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961 في باريس يعكس "وجهًا من الأوجه البَشِعةِ لسلسلة المجازر الشنيعة، والجرائِم ضدّ الإنسانية التي تَحْتَفِظُ بمآسيها ذاكرةُ الأمَّة".
وفي وقت سابق أعلن الرئيس تبون عن "ترسيم الوقوف، دقيقة صمت، كلّ سنة، عبر كامل التّراب الوطني، بدءا من الأحد، في السّاعة الحادية عشرة صباحا، ترحّمًا على أرواح شهداء مجازر 17 أكتوبر 1961، بباريس" بحسب بيان للرئاسة.
وتحل هذه المناسبة في ظل أزمة بين الجزائر وفرنسا التي استعمرتها من 1830 إلى 1962، أدت إلى استدعاء السفير الجزائري في باريس في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر 2021.
وجاء ذلك ردا على تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نقلتها صحيفة لوموند، اعتبر فيها أن الجزائر بنيت بعد استقلالها العام 1962 على "ريع للذاكرة" كرسه "النظام السياسي-العسكري"، وشكك في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي.
وفي 5 تشرين الأول/أكتوبر 2021، أعرب ماكرون عن أمله في الوصول إلى "تهدئة". وقال "أكن احتراما كبيرا للشعب الجزائري وأقيم علاقات ودية فعلا مع الرئيس تبون".
والسبت حضر ماكرون كأول رئيس فرنسي مراسم إحياء ذكرى المجزرة التي يقدر المؤرخون عدد ضحاياها بما لا يقل عن العشرات، في حين اكتفت الحصيلة الرسمية بالإشارة إلى ثلاثة قتلى.
وبحسب بيان للإليزيه فإن رئيس الدولة "أقر بالوقائع: إن الجرائم التي ارتكبت تلك الليلة تحت سلطة موريس بابون (قائد شرطة باريس يومها) لا مبرر لها بالنسبة إلى الجمهورية".
جزائري ناج من قمع تظاهرة 1961 في باريس يروي "وحشية" الشرطة الفرنسية
يؤكد رابح ساحيلي أحد المشاركين في تظاهرة 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961 في باريس أن "وحشية رجال الشرطة والدرك كانت مروعة"، خلال روايته لوكالة فرنس برس، بحزن ذكرياته عن ذلك اليوم الذي قتل فيه عشرات الجزائريين في قمع وصفه الرئيس إيمانويل ماكرون بأنه "جرائم لا يمكن تبريرها".
قبل ستين عاما كان أكثر من ثلاثين ألف جزائري يتظاهرون بشكل سلمي تلبية لدعوة فرع جبهة التحرير الوطني في فرنسا، بهدف التنديد بحظر التجول المفروض على الفرنسيين المسلمين (الجزائريين) حصرا من قبل قائد شرطة باريس موريس بابون.
وفي المقابل انتشر عشرة آلاف شرطي ودركي. وكان القمع دمويا إذ قتل العديد من المتظاهرين بالرصاص وألقي ببعض الجثث في نهر السين.
يقدر المؤرخون عدد القتلى بالعشرات على الأقل أن لم يكن 200، بينما لا تتحدث الحصيلة الرسمية عن أكثر ثلاثة قتلى و 11 ألف جريح.
وأعلن الرئيس عبد المجيد تبون السبت عن "الوقوف دقيقة صمت كلّ سنة، عبر كامل التّراب الوطني بدءا من الأحد، في السّاعة الحادية عشرة صباحا، ترحّمًا على أرواح شهداء مجازر 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961 بباريس".
من جهته، دان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ما وصفه بأنه "جرائم لا يمكن تبريرها"، خلال مراسم رسمية لإحياء الذكرى الستين للوقائع. وقال بيان للاليزيه إن رئيس الدولة "أقر بالوقائع: الجرائم التي ارتكبت تلك الليلة تحت سلطة موريس بابون (قائد شرطة باريس يومها) لا يمكن تبريرها".
اعتقل رابح ساحيلي الذي كان قد وصل إلى باريس قبل أربع سنوات من أومون (شمال) حيث استقر والداه في 1950 عندما وصلا من الجزائر، عند مدخل محطة المترو في ساحة النجمة في باريس. وكان قد بلغ للتو 19 عاما.
ويروي "كان علينا أن نجتمع في ساحة النجمة لبدء تظاهرتنا السلمية بأمر واحد: لا ينبغي أن يحمل المناضلون أي أداة حادة".
تم اختيار هذه الساحة الكبيرة من قبل جبهة التحرير الوطني كنقطة تجمع للمهاجرين القادمين من الضواحي حيث تقطن الطبقة العاملة في غرب باريس مثل جونفيليي وأسنيير وناتير.
وخُطط لتظاهرات في أماكن أخرى في العاصمة الفرنسية.
وقال ساحيلي "كنت مع أحد أقاربي عندما هاجمنا شرطيون. حاول حمايتي باعتباره أقوى مني، لكنه تلقى سيلا من الضربات بأعقاب المسدسات والهراوات، ما تسبب في كسر ساقه".
وأضاف "تم اعتقال جميع الجزائريين الخارجين من محطة المترو. كانت "اعتقالات بناء على السمات""، موضحا أن "إيطاليين وإسباناً وأميركيين جنوبيين" اعتقلوا، مشيرا إلى التعليمات التي أعطيت لرجال الدرك والشرطة بمهاجمة الفرنسيين المسلمين وهي التسمية التي كانت تطلقها السلطات الاستعمارية على الجزائريين.
وتابع أنه تم نقلهم جميعا "تحت ضربات الهراوات" إلى موقف للسيارات بالقرب من ساحة النجمة.
ورأى رابح ساحيلي "ما كان يجب أن نسقط تحت وابل ضربات أعقاب المسدسات على الرؤوس. كانت الضربات وحشية، لا أكثر ولا أقل".
وتابع "كان موقف السيارات مزدحما. في منتصف الليل تم نقلنا بالحافلة إلى قصر الرياضة حيث مكثنا لمدة ثلاثة أيام تحت مراقبة الشرطة وحركيين"، جزائريون في الجيش الفرنسي.
وأكد أنه خلال أيام الرعب هذه، لم يتلقَ الموقوفون "التسعة آلاف" في قصر الرياضة سوى "وجبة طعام خفيفة وقارورة ماء"، قبل أن تنقلهم الشرطة إلى "مركز الفرز في فانسان"، بحسب ساحيلي.
وقال رابح ساحيلي في شهادته "كان هذا المعسكر خاليا من جميع وسائل الراحة: لا أسرّة ولا مراحيض. نمنا على الأرض في البرد القارس"، موضحا "مكثت هناك لمدة أسبوعين قبل أن يُسمح لي بالعودة إلى المنزل".
وتابع "خلال الاعتقالات، رأيت نحو عشرين شخصا ينزفون دما على الأرض بالقرب من ساحة النجمة. كان عدد رجال الشرطة كبيرا جدا ويتصرفون مثل الوحوش الشرسة".
وقال هذا العضو السابق في شبكات جبهة التحرير الوطني المسؤولة عن جمع التبرعات من المهاجرين، آسفا إن "الشرطة ألقت جزائريين، بعضهم أحياء، في نهر السين لكننا لن نعرف العدد الدقيق للجثث التي ابتلعها هذا النهر".
وأشار إلى أنه حتى قبل 17 تشرين الأول/ أكتوبر، قضى عدد كبير من المناضلين الجزائريين "في مياه نهر السين" خلال حملات للشرطة.
ويذكر الرجل أنه شارك "في إنقاذ ناشط شاب في اللحظة الأخيرة بعدما ألقت به الشرطة في نهر السين بالقرب من محطة توليد الكهرباء في ميناء جونفيليي".
واضاف أن الشاب اعتبر ميتا لأنه "كان قد تعرض لإصابات عديدة عندما تمكنا من إخراجه"، لكنه نجا لأنه كان شابًا وقويًا.
بعد الاستقلال في 1962، بقي رابح ساحيلي في فرنسا لمدة عامين قبل أن يعود إلى بلاده حيث عمل مع شركة الخطوط الجوية الجزائرية. أ ف ب ، رويترز ، د ب أ
[embed:render:embedded:node:45394]