إرث إستعماري مشع
بإجراء تجربتها النووية الأولى، التحقت فرنسا تلقائيا بنادي القوى النووية المغلق، بالاعتماد على قاعدة في العقيدة العسكرية لا تزال سارية المفعول إلى يومنا هذا، ويتعلق الأمر بمفهوم الردع النووي القائم على أي ردع "الضعيف للقوي".
نموذج فعال ومعناه "إذا هاجمتني فسأظهر لك، وحتى لو كنتُ أصغر منك فسوف أوجعك إذا استدعى الأمر ذلك"، وبالتالي فلا حاجة لاختبار القوة بين الكبار. وباتت فرنسا بالتالي، تمتلك سلاح دمار شامل، قادر على إلحاق خراب لا يوصف بالعدو، الذي كان يتمثل خلال الحرب الباردة في التهديد السوفييتي.
في عام 1960، كانت الجزائر لا تزال مستعمرة عندما فجر الجيش الفرنسي قنبلة 70 كيلوطن في الجو، وهو ما يعادل أربعة أضعاف قنبلة هيروشيما، في عملية سُميت بـ"الأزرق غيربواز" أو (اليربوع الأزرق) بمنطقة "رقان" الصحراوية جنوب الجزائر.
وتبعتها بعد ذلك ثلاث تجارب أخرى في سماء الصحراء الجزائرية خلال نفس العام، رغم أن المنطقة لم تكن فارغة من السكان، إذ أُصيب أكثر من 40 ألف نسمة بالإشعاع بين عامي 1960 وَ 1966.
جراح تلك التجارب لم تندمل بعدُ، سواء فيما يتعلق بتعويض الضحايا أو تطبيع العلاقات السياسية الفرنسية الجزائرية بشكل كامل.
وفي حوار مع دويتشه فيله قال إبراهيم أومنسور الخبير في شؤون شمال أفريقيا في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية ومقره باريس "إنه جزء من قضية إنهاء الاستعمار في كليته، إذ يسعى الجزائريون للمطالبة بالاعتراف الفرنسي بالجرائم المرتكبة" حين كانت قوة استعمارية.
وأ إبراهيم أومنسورضاف أنه بالنسبة لفرنسا، فإن ذلك قد يعني "تعويضات مالية بملايين اليورو".
رغم الوثائق..فرنسا الرسمية تنكر!
بعد ثلاثة أيام من التفجير النووي عام 1960 أكّدت السلطات الفرنسية أنّ النشاط الإشعاعي في المنطقة بأسرها غير مؤذٍ بتاتاً لأن مستوياته هي أدنى بكثير من مستويات الإشعاعات الخطرة.
لكنّ وثائق رفعت عنها السرية في عام 2013 كشفت أنّ مستويات النشاط الإشعاعي كانت أعلى بكثير من تلك التي أقرّت بها باريس في ذلك الوقت، وأنّ أضرارها طالت غرب أفريقيا بأسره وجنوب أوروبا.
أما المواد التي استخدمتها فرنسا في تجاربها النووية فكان أغلبها من البلوتونيوم شديد الإشعاع، بالإضافة إلى مادة اليورانيوم التي يستمر إشعاعها إلى أكثر من 24 ألف سنة.
ويعاني سكان رقان من تفشي التشوهات الخلقية خصوصا لدى المواليد الجدد. إضافة معدلات كبيرة من الأورام الخبيثة والتعقيدات الجينية المختلفة. وتلتزم الحكومة الفرنسية الحالية الصمت تجاه هذه القضية.
ولم يشر خطاب ألقاه الرئيس إيمانويل ماكرون بشأن السياسة النووية في فبراير / شباط 2020، ولو بكلمة واحدة للموضوع. فيما تؤكد لجنة التعويضات الفرنسية أنها استجابت للمطالب التي تفي بالمعايير المنصوص عليها في القانون.
مطالب بجبر الضرر
ككل يوم جمعة، منذ فبراير/ شباط 2019، يتجمهر المتظاهرون شارع ديدوش مراد في قلب العاصمة في إطار حراك شعبي يسعى لتغيير نظام الحكم القائم. ففي جمعة 24 يناير / كانون الثاني 2020، رفع متظاهرون شعارات تندد بما فعلته فرنسا بالجزائر "كفئران تجارب في الصحراء الجزائرية خلال المرحلة الاستعمارية.
وهذا يعني أن مطالب الاعتراف بهذا الجانب من الجرائم لاستعمارية لا يزال حاضرا على المستوى الشعبي كما الرسمي. وبهذا الشأن، أكد الطيب زيتوني وزير المجاهدين (قدامى المحاربين في حرب الاستقلال ضد فرنسا) يوم (الجمعة 14 فبراير/ شباط 2020) أنّ "هذه المأساة تندرج ضمن السجلّ الدموي للمستعمر الفرنسي الحافل بالجرائم والمجازر التي اعتمدها للنيل من شموخ الشعب الجزائري".
ويضيف الطيب زيتوني: "وهي دليل على الجرائم المقترفة في حق الإنسان والبيئة الصحراوية والتي ما تزال إشعاعاتها النووية تلقي بأضرارها الوخيمة على المحيط العام".
وشدّد زيتوني على أنّ خطة عمل الحكومة الجديدة التي وافق عليها مجلس النواب مساء الخميس 13 / 02 / 2020 "تتناول بصراحة ملف التفجيرات النووية الفرنسية بالجزائر، وهو من ضمن أربعة ملفات كبرى عالقة، أوقفت الجزائر التفاوض بشأنها مع الطرف الفرنسي لعدم لمس جدية فرنسا في تلك المفاوضات".
إليزابيث بريانت
ترجمة: حسن زنيند
حقوق لنشر: دويتشه فيله 2020