حوار شعري شرقي غربي مستلهم من أشعار غوته
الأسطورة، كما يراها عالم المصريات الألماني يان أسمان، هي أسلوب للرجوع إلى الماضي يوظف بطريقتين: فالأسطورة إما تُستَخدم لتفسير الحاضر في ضوء التاريخ وإما تُستَخدم للتركيز على الماضي وما فقدناه.
في قصيدة "أحصنة حديدية" يبتعد الشاعر الأردني أمجد ناصر في البداية عمدا عن الأساطير حين يخاطب المتكلم في قصيدته: الأب اليسوعي وناشط السلام الذي خدم بسوريا، باولو دالوليو، وتم اختطافه في عام 2013 من قبل تنظيم داعش، فيقول له: "فلن تصادف في الأرجاء، / آلهة ولا أبطالا مثلما في الملاحم / [...] فلم تعد هذه الصحراء / التي جئتها بيدين مرفوعتين / تنجب أنبياء".
يقارن أمجد ناصر بعد ذلك بين الواقع المعاصر في سوريا بجحيم دانتي ويمزج بين شخصيات من الملحمة -التي كتبت في القرن الرابع عشر- وصور من الحاضر لكي ينأى عن التراث الديني والتاريخ لصالح الوقت الحاضر والواقع.
تشبيهات مستوحاة من نصوص دينية
وبجانب الرجوع إلى الأساطير، لجأ شعراء آخرون إلى تشبيهات بشخصيات مستوحاة من المسيحية والقرآن. الشاعر الليبي المقيم في أمريكا خالد المطوع، في قصيدته Easter Sunday, Rajab in Mid-Moon التي كتبها باللغة الإنكليزية، يشبِّه رحلة استكشافية لشاعر برحلة الخضر. كما يلمح في البيت الأخير إلى قصيدة غوته الشهيرة "حنين مبارك". أما الشاعر الألماني المعاصر يان فاغنر فجعل من قصة أهل الكهف موضوعا لقصيدته "غزليات إيفيسوس". وظف الشاعر قصة أهل الكهف، التي تناولها التراث المسيحي وكذلك القرآن، لتصل بين قصيدته وبين موضوع الكتاب الثاني عشر من ديوان غوته، "كتاب الخلد".
إن استلهام أبيات الشعر من النصوص الدينية هي سمة موجودة كذلك في الديوان الغربي الشرقي للشاعر غوته. فالآية القرآنية "لله المشرق والمغرب" (سورة البقرة، 115) تأثر بها غوته في قصيدة الطلاسم لأنه كتب الديوان من وحي قراءته للشاعر حافظ الشيرازي الذي لقب بـ "حافظ" لأنه كان حافظا للقرآن. وكذلك نجد في قصيدة "حنين مبارك" وعدة قصائد أخرى تقاطعات مع الفكر الصوفي.
آراء بخصوص كتابة الشعر وفقا لموضوع محدد سلفا
لم يتمكن غوته من الكتابة عن قصة حبه للسيدة المتزوجة ماريانه فون فيلمر في قصائده إلا بعد أن اتخذ لنفسه ولحبيبته اسمين مستعارين استخدمهما في قصائد الديوان: حاتم وزليخا (السيدة التي أحبت يوسف دون أن يبادلها نفس الشعور واعتبرت رمزا للمعاناة في الحب).
حين علقت الشاعرة الإماراتية نجوم الغانم -في ندوة "صوت المرأة ثورة" إحدى فعاليات المهرجان الذي أقيم ببرلين في نوفمبر 2019 للاحتفاء بنشر الديوان الجديد- على تجربة كتابة القصيدة التي طلبت منها للمشاركة في الديوان، بدت في البداية غير متحمسة. فهي ، كما تقول، كانت قرأت غوته فقط باعتباره من كلاسيكيات الأدب. ولكن بعد اطلاعها من جديد على "الديوان الشرقي للمؤلف الغربي" من أجل كتابة القصيدة، وجدت سحرا خاصا وراء الشفرة التي أدخلها غوته في قصائده للتواصل مع حبيبته وأشار فيها للمراسلات بينهما وهو ما ألهم نجوم الغانم لكتابة قصيدة، عبارة: عن حوار بين حاتم وزليخة.
أما الشاعرة المصرية وأستاذة الأدب العربي إيمان مرسال فتعمدت كتابة قصيدة لا يربطها بديوان غوته سوى أحد مواضيع الديوان الرئيسية، وكان الموضوع الذي اختارته هو الحب، فشاركت بقصيدة عنوانها "رائحتك تراب العالم". أوضحت إيمان مرسال بأنها تحتاج في كتابتها للشعر إلى الرابط الشخصي، لذلك لم تحاول ربط القصيدة بديوان غوته بشكل مباشر. تحمل قصيدتها ملامحَ سردية تمتد بعيدا إلى الماضي لتستعرض مقاطع من تاريخ حياة عاشقين، مثلاً في البيت التالي: "المدينة التي نجوت من حربها الأهلية ومازالت الجثث في المرآة".
تنسج إيمان مرسال الماضي مع مشاهد من الحياة اليومية فتبث الروح بالماضي ليظل أثره حاضرا وتمكِّن القارئ من تجربة تمزج بين الشعر والرواية معا وتمزج كذلك بين الحلم والواقع حين تكتب: "نحن بشر للغاية، لا نحلم بالطيران / النوم بجانبك أشبه بالرجوع للأرض / ورائحتك تراب العالم.
بين الترجمة وإعادة صياغة القصائد
بالرغم من أن القصائد المشاركة في الديوان الجديد تمت ترجمتها من لغاتها الأصلية إلى الألمانية عن طريق مترجمين متخصصين، إلا أن الترجمة لم تنشر بشكل مباشر، بل نشرت بدلا منها ما يطلق عليه "إعادة صياغة للقصيدة" أو "رد على القصيدة" كتبها شعراء ألمان استنادا إلى الترجمات التي أعدها لهم المترجمون. المصطلح نفسه غير محدد وتم تنفيذه في الديوان بدون التزام بشكل ثابت، فنجد أن بعض الشعراء الألمان قد نقلوا القصائد كما هي من الترجمة باستثناء بعض الرتوش اللغوية، وآخرون قرروا ألا ينقلوا القصائد بل أن يكتبوا ردا عليها، أي قصائد جديدة تماما، مستوحاة من قصائد الشعراء الأجانب.
ويبدو أن القائمين على تحرير الكتاب كانوا ينشدون هذه الفكرة في الأساس، التي تشبه إلى حد كبير تأثر غوته وحواره الشعري مع قصائد الشاعر الفارسي "حافظ". ولكن في النهاية أدى عدم الاتساق في تنفيذ المفهوم إلى الخلط ووجود أخطاء، فنجد مثلا في الملحوظات الإضافية في نهاية الكتاب، التي تشرح بعض المفاهيم الثقافية المتعلقة بالقصائد، أن النسخة الألمانية من قصيدة إيمان مرسال مكتوبة باسم شاعر ألماني، بالرغم من أنه لم يكتب ردا على القصيدة، بل ما هي إلا ترجمة لقصيدة إيمان مرسال. ربما قد يكون الشاعر الألماني قد أعاد صياغة بعض التعبيرات في النص المترجم، لكنها بالتأكيد ليست قصيدته.
إن عدم نشر ترجمة القصائد وإطلاق مفهوم عائم مثل "إعادة صياغة أو رد على القصائد" Nachdichtung على النصوص الألمانية يحرم من لا يجيد اللغة الأصلية من تلقي النص الأصلي.
هناك تباين في بعض أبيات القصائد العربية والقصائد الألمانية التي تقابلها، وهو تباين على الأرجح أنه حدث بسبب سوء فهم للنص العربي وليس لصالح إضافة تخدم الفكرة الشعرية أو لتسهيل قراءة القصيدة للقارئ الألماني فنجد مثلا في قصيدة "أحصنة حديدية" ترجمة لكلمة "تروي" بفعل "erzählen" أي مرادف تحكي، بينما المعنى الأرجح هو تروي العطش، لأن سياق القصيدة كالآتي: "عطش. / هناك أنهار من الدم / بيد أنها لا تروي. / دم وملح.".
أما في قصيدة "زليخا ومارلين" لعباس بيضون فتم الخلط بين الفاعل والمفعول به في الأبيات التالية: "ماذا تفعل أيها الشاعر العجوز، أنت الذي لا يقطفك أحد / حتى متى تنتظر زليخا / لقد واكبت مارلين إلى القبر / وعما قريب في مكان آخر ستقع في الحفرة". وتُرجمت: "واكبت مارلين إلى القبر" بأن مارلين تقترب من قبرها: Marilyn nähert sich ihrem Grab، بينما المقصود هو إما أن زليخا هي من واكبت مارلين إلى القبر، بمعنى رافقتها أو سبقتها أو أن الشاعر هو من واكبها، لكن لا يمكن أن يترجم البيت على النحو الذي ترجم به، لأن فعل "واكب" يجب أن يأتي متعديا في هذا السياق، ولأن "واكبت... إلى" ليس مرادفا لـ "اقتربت من".
إن الهدف المعلن عنه في افتتاحية الكتاب، وهو استئناف الحوار الشعري بين الشرق والغرب، كان سيتحقق بدرجة أفضل إذا ما كانت أتيحت للقارئ فرصة الاطلاع على الترجمة الأصلية للنص وإذا تم تحديد تصور ثابت لإعادة صياغة القصائد أو الرد عليها، يوضح للقارئ إنْ كانت القصيدة الألمانية هي ترجمة للقصيدة الأجنبية أَمْ إن كانت قصيدة جديدة ترد عليها.
نهى عبد الرسول
حقوق النشر: موقع قنطرة 2020