بلا مساومة حول الاستعمار واللاجئين
وُلِد عبد الرزاق قرنح في زنجبار في تنزانيا، وتنعكس حياته الانعطافية في رواياته، في قصص مليئة بالشوق والشعر والرغبة في التغيير الذي يمتدُّ بين البلدان والقارات والهويات.
تحكي رواياته التي تشبه السيرة الذاتية عن نضال تنزانيا من أجل الاستقلال وعن صعود الرئيس التنزاني يوليوس نيريري، وهو اشتراكي، وعن أول رئيس لزنجبار، عبيد كرومي، الذي استهدف السكّان المنحدرين من أصول عربية في السلطنة السابقة (سلطنة زنجبار). وقرنح من أصول عربية، هرب إلى المنفى في إنكلترا في عام 1968 ومن ثم حصل على شهادة جامعية من جامعة لندن. ومؤخراً، درَّس الأدب الإنكليزي وأدب ما بعد الاستعماري في جامعة كنت.
في الوقت ذاته، فإنّ روايات عبد الرزاق قرنح العَشْر جعلته من بين أكثر كتاب أفريقيا شهرة، واكسبته جائزة نوبل في الأدب لعام 2021. وقد فاز بالجائزة "لسرده المتعاطف والذي يخلو من أي مساومة لآثار الاستعمار ومصير اللاجئين العالقين بين الثقافات والقارات".
***
"لا تعرف ما الذي تتخلّى عنه"
في بداية روايتك التي صدرت في العام 2001، "عبر البحر"، نلتقي ببطل الرواية صالح عمر في مطار غاتويك، بينما يسعى للجوء في بريطانيا العظمى. لقد فعلتَ الشيء ذاته قبل أكثر من 50 عاماً. ما الذي واجهته في ذلك الوقت؟
عبد الرزاق قرنح: كنت شاباً في الثامنة عشرة من عمري يغادر زنجبار، أما زنجبار في عام 1967، فقد كانت مكاناً مرعباً بالنسبة للعديد من الناس. إذ كانت حكومتنا وسلطاتنا لا تزال تمارس غضباً بجميع أشكاله ضد جميع السكان. دفعت الظروف بالعديد من الناس بعيداً إذ تعرض أهلهم للاضطهاد أو السجن، أو للقتل في بعض الحالات، وفي أحيان أخرى رحل الناس لأنّ السلطات أفزعت الجميع بكل بساطة.
حين تكون شاباً فإنك تفكّر هكذا: "لا يمكنني تحمّل هذا. يمكنني القيام بما هو أفضل. لا أريد أن أبقى عالقاً هنا مع هؤلاء المتنمرين". إنه نوع من التحدي. ولكن ما لا تدركه في تلك المواقف هو ما تستغني عنه... وما تتركه وراءك. لقد كان الذهاب إلى إنكلترا بمثابة مغامرة من بعض النواحي، بيد أنه كان عبارة عن خسارة كبيرة كذلك.
تعيش في بريطانيا منذ خمسة عقود. هل تشعر أنك كاتب أفريقي أم بريطاني؟
عبد الرزاق قرنح: تتمثّلُ هويتي في أنني رجل من زنجبار يعيش في المملكة المتحدة وأكتب. لا أقول، أنني كاتب أفريقي أو كاتب بريطاني. فأنا من زنجبار وأعيش في المملكة المتحدة. وأنا من هذين المكانين بأي طريقة تخطر لك. إن أراد الناس استخدام تعبير أو وصف أكثر تحديداً، فلا بأس بذلك. وإن كانت الهوية وسيلة لاختزال كيان الشخص في شيء مبسّط، فلا يعنيني ذلك، بيد أنني لن أحرم الآخرين من متعة القيام بذلك.
لماذا قررت الكتابة باللغة الإنكليزية؟
عبد الرزاق قرنح: الجواب البسيط هو أنني أردت ذلك. أما الجواب الأكثر تعقيداً، هو إنّها لغة تعلّمتها بالصدفة وشعرت فيها براحة كبيرة. مُنِحتُ اللغة السواحِلية بسبب الطريقة التي نشأت بها وأنا ممتنٌّ للغاية لذلك.
حين يتعلّق الأمر بالكتابة، لم أفكر حقاً في اللغة التي أرغب بالكتابة فيها. لقد فهمت وأدركت نوعاً ما أنّ لدي علاقة وارتباطاً متيناً بالطريقة التي استخدمت بها اللغة الإنكليزية، وهذا ما لم أكن أمتلكه في الكتابة باللغة السواحلية. فالذين يكتبون باللغة السواحلية يستخدمونها بطريقة لا يمكنني القيام بها بكل بساطة.
وهذه ليست اختيارات دائماً. إذ لا يختار الناس أن يكونوا كتّاباً. فهي ليست مجرد مسألة تجميع كلمات. إنها مسألة وجود نوع حقيقي من الارتباط والشعور الحميم باللغة. وهذا ما يصنعُ الكتابةَ. أملك هذا وأنا ممتنُّ لذلك.
في عام 2021، قُدِّمت جوائز أدبية مهمة لمؤلفين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. لقد حصلتَ على جائزة نوبل في الأدب، بينما حاز الروائي السنغالي محمد مبوغار سار، على جائزة غونكور الفرنسية. هل العالم الآن أكثر تقبّلاً للكتّاب الأفارقة؟
عبد الرزاق قرنح: يرجع سبب منح هذه الجوائز إلى جودة الكتابة. ولذلك أقول إنها عبارة عن مصادفة. ليس الأمر وكأنّ العالم استيقظ فجأة.
أُنكِرت قدرة المؤلفين الأفارقة على تقديم أعمال ذات قيمة أدبية خلال الحقبة الاستعمارية. والأدب، أو الكتابة بشكل عام، جزأ لا يتجزأ من النضال في سبيل إنهاء الاستعمار. هل يمكنك أن تعطي بعض الأمثلة على ذلك؟
عبد الرزاق قرنح: يمكن الإشارة إلى العديد من الأمثلة: أحال العديد من الناس إلى غاندي خلال مرحلة التحرّر من الاستعمار في أفريقيا، على سبيل المثال، أو قادة الحقوق المدنية مثل مارتن لوثر كينغ أو كتّاب جنوب أفريقيا مثل نيلسون مانديلا. إنها القدرة على الكتابة من أجل الانتشار وراء الحدود لتصل بعد ذلك إلى أشخاص يشهدون ظروفاً مماثلة، ليحصلوا على الإلهام، ويروا في هذه الكتابات مثالاً لما قد يفعلونه هم أنفسهم.
حاورته: آنابيل ستيفس هالمر
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: دويتشه فيله / موقع قنطرة 2022