ألمانيا: جيل جديد من المسلمات في إنستغرام
ناميكا شريف -وهي في الحقيقة لها اسم آخر- بدأت في ارتداء الحجاب عندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها. تحكي ناميكا: "منذ ذلك الحين، أصبحت أتعرض لما لا يقل عن ثلاثة وحتى سبعة تعليقات غبية في المدينة كل يوم". عبارات سباب مثل: "عاهرة إرهابية، اغربي إلى بلدك" وأشياء أخرى كثيرة غيرها. ومن وقتها، كنت أتعرض للبصق بانتظام أو أن يدفعني أحدهم بعنف في القطار. لدرجة أنني ذات مرة تعرضت للضرب المبرح تقريبًا في محطة قطار دريسدن الرئيسية، وكان المارة يقفون متفرجين فقط بل وبعضهم كانوا يضحكون".
أسلمت ناميكا شريف في سن الحادية عشرة متأثرة بزوج والدتها الجديد. كان عربيًا ويمارس طقوس دينه بصفة خاصة في أيام العطلات الرسمية، لكن ناميكا شريف كانت منبهرة بالأمر.
تبلغ ناميكا الآن من العمر 30 عامًا، وهي متزوجة ولديها أطفال وتكتب على موقع إنستنغرام عن حياتها كمسلمة ألمانية، اعتنقت الإسلام.
الرغبة في أن يسمعك آخرون
ناميكا شريف هي واحدة فقط من بين الكثيرات ممن اعتنقن الإسلام اللاتي يظهرن بثقة على مواقع التواصل الاجتماعي منذ عدة سنوات. لقد اعتنقن جميعا دينا يعتبره الكثير من الألمان رجعيا ومعاديا للنساء، ويواجهن الرفض والأحكام المسبقة. فلماذا تعرّض النساء أنفسهن لكل هذا؟ ولماذا يبحثن عمدا عن الظهور على الملأ (علانية)؟
"في حالتي، كانت الرغبة في أن يسمعني آخرون مع موضوعاتي الخاصة، التي أعايشها في الحياة اليومية. وفي الواقع، فإن النساء اللواتي يتحولن إلى الإسلام يجلبن معهن قضايا أخرى تختلف مثلا عن النساء اللاتي لديهن خلفية مهاجرة في الأسرة أو اللاتي هاجرن إلى هنا بأنفسهن".
تعيش تويا تسوركولن في برلين وقد تحولت إلى الإسلام قبل أربع سنوات. تعمل الشابة البالغة من العمر 27 عاما كمحررة لصفحة ساخرة على يوتيوب بعنوان "Datteltäter" (الكلمة مكونة من مقطعين "داتل" وتعني تمراً و"تيتر" وتعني جانياً والكلمة على وزن كلمة أتينْتيتَر الألمانية "Attentäter" التي تطلق على منفذي الاعتداءات، خصوصا الإرهابية). وتنحدر تويا من عائلة كاثوليكية في ولاية هيسن. وقد التقت بمسلمين لأول مرة فيما يسمى بمعارك الهيب هوب (Hip-Hop-Battles)، وهو نوع من مسابقات الرقص.
أعجبت تسوركولن بالممارسة المنتظمة (للعبادات)، التي يرسخها الدين الإسلامي بقوة في الحياة اليومية. كما أقنعها الإسلام من الناحية اللاهوتية (أصول الدين)، تقول تسوركولن: "لطالما كان لدي القليل من شكوكي أو أسئلتي حول يسوع (عيسى) باعتباره بشرا تجسدت فيه صورة الرب، وهي (شكوك وأسئلة) طالما لم أكن مستريحة لها قط. كنت أفكر دائما أن الأمر ليس منطقيا بالنسبة لي. وفي النهاية لم أؤمن به حقًا. الإسلام له في هذا الصدد إجابات جميلة جدا. ببساطة بدا الإسلام لي أكثر منطقية".
أسباب عقلانية دفعتها لاعتناق الإسلام
يوهانا فولف، البالغة من العمر 37 عاما، تعيش في مدينة أوفنباخ الألمانية. وهي أم عزباء وقررت اعتناق الإسلام قبل ثلاث سنوات بعد تردد طويل. تقول يوهانا: "كنت دوما في حالة بحث. وفي وقت مبكر نسبيًا، عندما كنت في المدرسة بالفعل، بهرني الإسلام بمنطقه البسيط نسبيًا وهو: أحبوا الآخرين".
منطق الإسلام "البسيط"، وتقديم تصور لله يسهل الوصول إليه بالعقل أكثر من صورة الثالوث المسيحي – مثل هذه التفسيرات أمور تعرفها جيدًا أستاذة الأنثروبولوجيا بكلية لندن للاقتصاد إسرا أوزيوريك.
تقول إسرا أوزيوريك إنه في ألمانيا، غالبًا ما تؤكد معتنقات الإسلام على الجانب العقلاني لقرارهن، لأنهن يضطررن إلى إخبار المحيطين بهن بأنهن لسن مجنونات أو غريبات الأطوار وتعلق على ذلك بقولها: "إذا قلت إنني أعد بحثا عن معتنقي الإسلام فإن الكثير من الناس يضحكون كما لو كان الأمر مثيرا للضحك. ويتخيل الأشخاص الذين لم يعتنقوا الإسلام أن الأمر يتعلق بأشخاص يعانون من مشاكل عميقة الجذور، أو ربما لديهم مشاكل في الأسرة. أو يتخيلون: آه، لقد وقعوا في الحب. فيتخيلون مثلا امرأة وقعت في حب رجل مسلم لدرجة أنها فقدت صوابها تماما".
فقدان المكانة كنوع من الصدمة
بينما ينشأ كثير من المسلمين، الذين يعيشون في ألمانيا، معتادين على فكرة استبعادهم بسبب دينهم، فإن فقدان المكانة هو نوع من الصدمة لبعض معتنقات الإسلام. فقد اعتدن على الانتماء، وأن يؤخذن على محمل الجد، والآن سيتم إشعارهن بأنهن مضطهدات أو جاهلات على حد تعبير الباحثة أوزيوريك، وتواصل قائلة: "تتعامل المتحولات إلى الإسلام مع الرفض المفاجئ لهن بشكل متباين: فبعضهن ينسحبن تمامًا والبعض الآخر يصبحن ناشطات".
من المهم بالنسبة لتسوركولن، على سبيل المثال، التأكيد على أنها لم تتخلَّ عن نسويتها باعتناقها للإسلام. ومع أنها لا ترتدي الحجاب، لكنها تخلت عن فكرة التخفف من الملابس منذ اعتناقها الإسلام. وهي ترى هذه الخطوة نوعا من التحرر.
مقدار ما يظهر من الجسد هو قرار شخصي
فرفض فكرة العمل المستمر لجعل الجسد مثاليا وعرضه والسماح للآخرين بتقييمه "هو بالفعل عمل ثوري في مجتمعنا"، على حد تعبير تسوركولن، وكأنّ السيدة تقول: "كلا، لا أريد أن أظهر جسدي". وهذا لا يعني أنه ليس أمرا لطيفا عندما تريد فتيات أخريات التباهي بأجسادهن. الأمر يتعلق أكثر بفكرة أنني: أقرر بشأن جسدي ومقدار ما أظهره، ومقدار ما أريد الكشف عنه، على الرغم من أنني مطالبة بإظهار كل شيء".
تحكي يوهانا فولف في ملفها الشخصي على صفحة Hijabi on Tinderعلى موقع إنستغرام كيف يكون الأمر عندما تكونين أماً عزباء تربي أبناءك بمفردك، وألمانية ومسلمة ترتدي الحجاب على منصات المواعدة مثل Tinder.
وتنتقد فولف بصراحة الجالية المسلمة. على سبيل المثال، عندما يوضح لها رجال مسلمون من ذوي الجذور الأجنبية على موقع Tinder أنها لم تعد مرغوبة كامرأة مطلقة وهي في أواخر الثلاثينيات من عمرها - ولكن نظرا لبشرتها الفاتحة سيظل أمامها رغم ذلك فرصة.
وتعلق فولف: "هناك تناقض صارخ في هذا الأمر بين: التقليل الكلي من شأني وفي نفس الوقت وضعي في مكانة مميزة، إنهم يختزلونني إلى مجرد شيء. ولا يتعلق الأمر بشخصيتي أو شخصي أو تفردي. الأمر يدور حول أنني سأكون ميزة للرجل حتى يتمكن من الوصول بشكل أفضل إلى مجتمع الأغلبية".
العمل على صورة المسلمات كشخصيات مميزة
إلى جانب الكثير من التقدير لهن، تعاني يوهانا فولف وتويا تسوركولن وناميكا شريف أيضًا من الكراهية على موقع إنستغرام - سواء من قبل الإسلاميين، الذين يعتبرونهن تقدميات للغاية، وكذلك من قبل اليمينيين المتطرفين، الذين يرون قرار اعتناقهن للإسلام بمثابة خيانة. فَـ "المرأة الألمانية الحقيقية" لا يمكن أن تكون مسلمة في نظر المتطرفين اليمينيين.
تعتقد يوهانا فولف أن الكثير من المتحولات للإسلام شعرن بالمسؤولية عن إيجاد مكانة لأنفسهن وتواصل حديثها قائلة: " ربما لأننا نعلم أننا مميزات. فنحن نحمل على عاتقنا مسؤولية العمل على صورة المسلمات، لأننا نحمل أعباء أقل. ونحن نتعرض لجرعة أقل من العنصرية المعادية للمسلمين أو حتى بصفة عامة نتعرض لعنصرية أقل من غيرنا. وهذا لا يعني أننا لا نتعرض لها، ولكنها بالتأكيد أقل".
الظهور العلني له أيضا مزايا بالنسبة للمرأة، فهو يسمح بالتواصل مع الأشخاص ذوي التفكير المماثل وتقديم الدعم المتبادل.
وترى تويا تسوركولن أنه في جميع الحالات تقريبًا، يؤدي قرار اعتناق الإسلام إلى صراعات في الهوية: "الأمر يبدأ عند ارتداء الحجاب، أي عند طرح السؤال ما إذا كنت أريد ارتداء الحجاب أم لا. وكيف سيبدو هذا مثلا بالنسبة لامرأة ألمانية قد لا يكون لديها عمة لطيفة ترتدي الحجاب ويمكن أن تقتدي بها؟ هذا في الواقع أمر يجب إعادة تفسيره بالكامل من جديد. وعلينا أن نعيد بناء هويتنا بالكامل من جديد، وليس لدينا سوى نماذج قدوة قليلة جدا، يمكن أن تساعدنا".
ربما يكون هذا أيضًا أفضل تفسير للظهور الجديد لهؤلاء النساء المتحولات للإسلام على موقع إنستغرام: هناك حاجة للعثور على إجابات لأسئلة حول هويتهن. وفي الوقت نفسه، الرغبة في إبقاء الحوار مع كِلا الجانبين: مع أولئك الذين أثروا فيكِ وشكلوا سماتك ومع الطائفة التي اعتنقتِ معتقداتها.
وعلى الأقل بالنسبة للسؤال المتعلق بشكل الحجاب المناسب، وجدت يوهانا فولف بالفعل حلاً أنيقًا: "لقد جئت من منطقة ألمانية كان لا يزال الناس فيها يرتدون الزي التقليدي. ولدي أيضًا زي تقليدي في المنزل، وكي أصدقك القول، حاولت أن أقتدي بالزي التقليدي لبلدتي ولذا فعندما أرتدي الحجاب، يمكنني أيضًا بحجابي أن أتوافق مع أصلي الفرنكي".
ترجمة: صلاح شرارة
حقوق النشر: موقع قنطرة 2022