صفعة للأحزاب الدينية وضربة لدعاة الفدرالية

أحرز رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي نصراً بيناً في انتخابات مجالس المحافظات. وبانتخابهم قائمة "ائتلاف دولة القانون" يكون العراقيون قد قدموا الدعم لنهج المالكي العملي الداعي إلى المصالحة، رافضين في الوقت ذاته الأحزاب الدينية وفق تعليق لؤي المدهون.

لم يكن معظم المراقبين السياسيين والخبراء بشؤون العراق يتوقعون أن تسير انتخابات مجالس المحافظات العراقية على هذا النحو السلس، وكان مفاجئاً بصورة خاصة الدعم الواضح الذي حصل عليه نهج الحكومة العراقية العملي الداعي إلى المصالحة. لقد شهد العراق الجديد أكثر الانتخابات سلميةً منذ سقوط نظام صدام حسين، ومن تلك الانتخابات خرج رئيس الوزراء نوري المالكي بعد أن أحرز نصراً بيناً. "ائتلاف دولة القانون" - الذي يجمع بين أحزاب صغيرة وبعض "المستقلين" ويرأسه المالكي بحزبه الصغير "الدعوة" - لم يتربع على قائمة الفائزين في بغداد فحسب، بل خرج منتصراً أيضاً في عديد من المحافظات العراقية.

تصويت على دولة مركزية قوية

وتُعد هذه الانتخابات المحلية، وهي الأولى التي تقام في العراق منذ ثلاث سنوات، اختباراً مهماً للوضع الأمني ومدى تماسك الدولة العراقية الوليدة قبل إجراء الانتخابات البرلمانية في نهاية هذا العام. أما الخاسر الأكبر في الانتخابات المحلية فقد كانت الأحزاب الأخرى المنافسة من المعسكر الشيعي، إذ خسرت حركة رجل الدين الراديكالي مقتدى الصدر، كما مُني "المجلس الإسلامي الأعلى في العراق" بقيادة عبد العزيز الحكيم بخسائر فادحة في معقله البصرة.

بهذا التصويت الداعم لحكومة مركزية قوية يعلن العراقيون رفضهم الواضح للأحزاب ذات التوجه الديني وتصوراتها بشأن تقسيم العراق وفق الحدود الطائفية. وينطبق هذا بشكل خاص على "المجلس الإسلامي الأعلى في العراق" الذي خاض المعركة الانتخابية بهدف توحيد تسع محافظات ذات أغلبية شيعية لتصبح منطقة تتمتع بحكم ذاتي على غرار النموذج الكردي في شمال العراق. ولهذا تعتبر نتيجة الانتخابات مؤشراً واضحاً على التمسك بدولة مركزية قوية تستند على قومية تتعدى الطوائف والمذاهب.

إحياء القومية العراقية من جديد

ومن المؤكد أن صعود نجم المالكي ليصبح الرجل الأقوى في بلاد الرافدين يعود في المقام الأول إلى نجاحاته في مجال إعادة الأمن والنظام إلى العراق. لقد نجح الرجل بلا شك في اللعب بمهارة بورقة القومية العراقية، وفي أن يفرض نفسه على الولايات المتحدة وعلى كافة القوى السياسية في العراق التي تطمح إلى الحكم الذاتي.

ويتجلى ذلك في مناهضته الضارية لتأسيس مناطق فيدرالية، رغم أن الدستور العراقي يسمح بذلك، كما أنه استطاع أن يظهر استقلالاً وطنياً بعد ذلك الاختبار الحاسم، إذ قررت إدارته سحب ترخيص الشركة الأمنية الأمريكية "بلاووتر" التي ثار حولها جدل كبير.

بالإضافة إلى ذلك فقد استطاع أن ينتزع الاعتراف بمكانته في كل ربوع البلاد وأن يرسخ سلطته هناك بعد العمليات العسكرية الناجحة والمكثفة ضد الميليشيات الشيعية في معاقلها بالبصرة وضد ميليشيات بغداد. ولا شك أن تلهف العراقيين إلى الحياة العادية بعد حرب أهلية منهكة قد صب في مصلحة المالكي. والخلاصة: لقد حقق المالكي نجاحاً باستراتيجيته في أن يقدم نفسه في صورة رجل الدولة الكبير غير الحزبي الداعي للمصالحة الذي أنقذ البلاد من الفوضى بعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية.

تمثيل أكبر عبر عودة السنة

وبعد نجاح الأحزاب ذات التوجهات القومية يجب علينا أن نعتبر عودة السنة إلى النظام السياسي في عراق ما بعد الحرب واحداً من أكبر نجاحات حكومة المالكي. لقد شاركت قطاعات واسعة من السنة في هذه الانتخابات على عكس الانتخابات المحلية والبرلمانية الأولى التي أجريت في يناير (كانون الثاني) عام 2005 والتي قاطعتها الأحزاب العربية السنية على نطاق واسع وهو ما أدى إلى نتائج مشوهة، لاسيما في المحافظات ذات الأغلبية السنية.

وخرجت قوائم "مجالس الصحوة" التي أسستها القبائل السنية لمكافحة إرهابيي القاعدة في المثلث السني كأكبر قوة في المعسكر السني. ومن المتوقع أن ترسخ مجالس الصحوة نفسها على المدى البعيد في الساحة السياسية عنصراً سياسياً جديداً، وهو ما يكسب النظام السياسي العراقي قدراً أكبر من التمثيلية النيابية، رغم أن الإقبال على الانتخابات في الأنبار لم يتعد نحو أربعين في المائة.

وتكتسب عودة العراقيين السنة إلى المشهد السياسي أهمية كبيرة بالنسبة إلى المالكي، إذ إن العرب السنة في العراق لا يعولون كثيراً على النماذج الفيدرالية التي تطالب بها الأحزاب الكردية والشيعية، ويرون مستقبلهم في حكومة مركزية قوية. وهم يأملون من خلال التعاون مع المالكي في الحصول على نصيب أكبر من عائدات النفط في جمهورية عراقية مركزية.

والخطوة التالية على طريق الاستقرار الدائم للبلاد وللهيئات الديمقراطية هي الانتخابات البرلمانية في نهاية هذا العام. وإذا سارت هي أيضاً في سلام فمن الممكن أن نقول بأن العراقيين يعقدون الأمل على الديمقراطية، وليس على تفتت الدولة والفوضى والإرهاب. ولكن ستبقى هناك شكوك كثيرة تحوم حول سير العملية السياسية في العراق، لأن الوضع الأمني ما زال هشا، والفساد يستشري في مؤسسات الدولة، كما أن المالكي يحمل أيضاً سمات سلطوية.

لؤي المدهون
ترجمة: صفية مسعود
حقوق الطبع: قنطرة 2009

قنطرة

حوار مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي:
"العراق ليس ساحة لتنافس الآخرين"
في إطار زيارته مؤخراً إلى ألمانيا تحدث رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى دويتشه فيله عن فرص تطور بلاده ومهام حكومته، إضافة إلى علاقات العراق بدول الجوار وآخر تطورات الاتفاقية الأمنية المزمع توقيعها بين بغداد وواشنطن. محمد إبراهيم التقى السياسي العراقي وأجرى هذا الحوار.

إشكالية إعادة صياغة الدستور العراقي:
موانع الاتفاق ومواطن الخلاف
يتضمن الدستور العراقي الكثير من القضايا التفصيلية غير المحلولة، الأمر الذي سيؤثر على تطور مشروع الدستور في بلاد الرافدين، ما يجمد ديناميكية دولة مقبولة من جميع القوى السياسية على الساحة العراقية. اختصاصي القانون الدستوري ناصيف نعيم يوضح أسباب ذلك.

كركوك، بؤرة الخلاف الداخلي في العراق:
خوف من المصير المجهول
رغم النزاعات القائمة منذ سقوط نظام صدام حسين بين الأكراد والتركمان والعرب حول السيطرة على مدينة كركوك، فمن الممكن أن تصبح هذه المدينة رمز العراق الجديد. هذا ما لاحظه الباحث الألماني فولكر بيرتيس أثناء رحلته الأخيرة في المنطقة.