كبرياء أنقرة في مواجهة بيروقراطية بروكسل
يجب على تركيا الإسراع أكثر في إجراء إصلاحات سياسية، مثلما طالب مفوّض توسيع الاتحاد الأوروبي أولي رين Olli Rehn أثناء عرض التقرير في بروكسل. يجب، حسب قوله، عدم التريّث قبل كلِّ شيء في إلغاء أو تعديل الفقرة الخاصة بما يعرف بإهانة كلِّ ما هو تركي.
وإلاَّ فمن الممكن أن لا تبدأ المفاوضات الخاصة بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في المجال السياسي الذي يعتبر المجال الأهم ويشمل القضاء والقوانين الأساسية.
إضطهاد المثقفين
"لا يمكن القبول بأن يتم في ظل ديموقراطية أوروبية اضطهاد كتّاب وصحفيين أو مواطنين آخرين عندما يعبّرون عن آرائهم بانتقاد ولكن من دون عنف"، حسبما أكّد أولي رين. تعتبر منذ فترة طويلة المادة رقم 301 التي صارت مشهورة بسمعتها السيّئة بمثابة مخرز في العين بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
إذ أنَّ بروكسل تشكّ فيما إذا كانت الوعود المتعلقة بالإصلاحات التي تعهّد بإجرائها مؤخرًا الرئيس التركي الجديد عبد الله غول سوف تحول في المستقبل دون تعريض المثقفين الناقدين لتحريات وتحقيقات محتملة.
عمومًا ينتقد تقرير الاتحاد الأوروبي السنوي تعثّر الإصلاحات في تركيا. شكّلت الأزمة التي شهدتها تركيا حول رئيس الدولة الجديد مرحلة صعبة، على حدّ قول رين الذي أشاد بإنهاء هذه "الضجة السياسية" بشكل ديموقراطي.
لكن يجب الآن، حسب قوله، إحياء الإصلاحات. تطالب المفوضية الأوروبية تركيا بالإضافة إلى المزيد من حرية الرأي بحقوق متساوية للنساء والأطفال والنقابات والمسيحيين في البلاد.
الأكراد وحزب العمال الكردستاني - موضوع حسّاس
زد على ذلك أنَّ السلطة العليا في الاتحاد الأوروبي تطالب بأن تقوم الحكومة في أنقرة بإيقاف الجيش القوي عند حدّه سياسيًا. كذلك لا بدّ من حصول الأكراد الذين يبلغ عددهم في تركيا 15 مليون نسمة ويشكّلون بذلك أكبر أقلية عرقية في البلاد على "كامل الحقوق والحريات".
وصلت هذه المطالب إلى وضع حرج نظرًا إلى اعتداءات المتمرّدين الأكراد في شمال العراق. كذلك لم يتكهّن أولي رين بمدى تأثير حملة عسكرية تركية ضدّ مقاتلي حزب العمال الكردستاني على عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. من الممكن أن يكون الإدلاء بتصريح واضح أمرًا حسّاسًا، ففي آخر المطاف لم تقم فقط تركيا والولايات المتَّحدة الأمريكية بتصنيف حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية، بل كذلك الاتحاد الأوروبي.
مفوضية الاتحاد الأوروبي لا تشعر بالأحداث الراهنة
يبدو تقرير المفوضية الأوروبية مع قائمة شكاواه الطويلة من مشاكل كبيرة وصغيرة في هذا البلد المرشّح إلى دخول الاتحاد الأوروبي في غير مكانه الصحيح، في وقت يشعر فيه الناس في تركيا بأنَّهم مهددون من الإرهابيين.
غير إنَّ هناك سببًا لعدم تطرّق بيروقراطية الاتحاد الأوروبي للأحداث الراهنة وعدم الشعور بها. يقول الخبراء إنَّ المواضيع المهمة مثل النزاعات والحرب لا تلعب أيّ دور في الأبحاث والتحريات الخاصة بالإصلاحات التي حققتها تركيا في طريقها طويل الأمد إلى دخول الاتحاد الأوروبي.
لهذا السبب فإنَّ مفوّض توسيع الاتحاد الأوروبي أولي رين الفنلندي يراهن على مواصلة العمل بهدوء. وهو يريد في الأسابيع المقبلة البدء بالمفاوضات غير المتعذّرة والمتعلّقة بقوانين حماية المستهلك والضمان الصحي وبشبكة المواصلات والطاقة الأوروبية.
بدأت المفاوضات في السنين الماضية فقط في أربعة مجالات من أصل ثلاثة وثلاثين مجالاً. بينما بلغت كرواتيا المرشحة لدخول الاتحاد الأوربي في نفس الفترة الزمنية أربعة عشر مجالاً.
حواجز خاصة بتركيا دون غيرها
يتفاوض الاتحاد الأوروبي منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر 2005 مع تركيا حول انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، والذي يعتبر غير محتمل قبل العام 2020. صحيح أنَّ الهدف المشترك في هذه المفاوضات هو نيل العضوية الكاملة. إلاَّ أنَّ تركيا لن تدخل إلى الاتحاد الأوروبي بشكل تلقائي عندما تحقّق كلّ الشروط.
أما إذا كان الاتحاد الأوروبي سوف يستطيع تحمّل انضمام تركيا إلى الاتحاد على المستويين الاقتصادي والسياسي، فإنَّ هذا الأمر سوف يلعب أيضًا في نهاية المفاوضات دورًا مهمًا.
لا يتم تطبيق هذين الحاجزين الخاصين بهذا البلد المطبوع بطابع إسلامي على أيَّة دولة أخرى من الدول المرشحة لدخول الاتحاد الأوروبي. إنَّ الآراء السائدة في الاتحاد الأوروبي حول دخول تركيا إلى الاتحاد مختلفة جدًا.
في حين تطالب قبل كلّ شيء بريطانيا والسويد بمواصلة العمل في المفاوضات، يشدّد الرئيس الفرنسي نيكولاي سركوزي على إجراء محادثات ذات نتائج مكشوفة.
تُرجِّح بعض دول الاتحاد الأوروبي أنَّ سركوزي سوف يستخدم شهر كانون الأول/ديسمبر لجنة خبراء قام بتشكيلها من أجل مستقبل الاتحاد الأوروبي، بغية الحصول على توصية تعارض قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي. ما يريده أيضًا المحافظون الألمان هو الشراكة المتميِّزة بدلاً من العضوية الكاملة.
غموض الموقف الأوروبي
"تركيا بلد متكبِّر جدًا، في حال رفض انضمامها سوف ترفض بدورها الشراكة الوثيقة مع الاتحاد الأوروبي"، حسب قول كاتينكا باريش الخبيرة بالشؤون التركية ونائبة رئيس مركز الإصلاحات الأوروبية في لندن. تقول كاتينكا باريش: بما أنَّ الاتحاد الأوروبي لا يتحدّث بصوت واحد فإنَّ اهتمام أنقرة قد ضعف على كلّ حال؛ كما لا تعتبر حاليًا مفاوضات دخول الاتحاد الأوروبي موضوعًا رئيسيًا.
يخشى مؤيّدو تركيا في الاتحاد الأوروبي من أنَّ تركيا يمكن أن تضيق ذرعًا في وقت ما. بيد أنَّ هذا البلد يعتبر بالنسبة للاتحاد الأروبي، الذي يتجه نحو الشيخوخة والمتعطّش للطاقة، مهمًا أكثر من أن يستطيع المرء إغلاق الأبواب في وجهه.
لكن في المقابل يُنظر في الاتحاد الأوروبي بمشاعر مختلطة إلى الوضع الجيوسياسي الذي تتمتّع به تركيا. فبينما يتحدَّث البعض عن دور تركيا كجسر يمتد إلى العالم الإسلامي، يقوم الآخرون بالتحذير من النزاعات والصراعات الكثيرة الموجودة في الدول المجاورة لتركيا.
تقول كاتينكا باريش: "يجب على الاتحاد الأوروبي أن يتوقّف أخيرًا عن الحديث بغموض وإبهام، يجب عليه أن يعبِّر بإيجاز وبوضوح عن رأيه في انضمام تركيا إلى الاتحاد". أما إذا كانت دول الاتحاد الأوروبي تريد أصلاً قبول تركيا، فإنَّ هذا سؤال جوهري لا تريد بروكسل حاليًا الإجابة عنه قطّ.
يبدو أنَّ التقارير البيروقراطية الرصينة حول التقدم الذي حققته تركيا هي أنجع وسيلة على الإطلاق من أجل الإبقاء على عملية انضمام طويلة الأمد.
بقلم دانييلا شرودر
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2007
تعمل دانييلا شرودر مراسلة صحفية حرة لدى الاتحاد الأوروبي في بروكسل.
قنطرة
تركيا والاتحاد الأوربي
ملف شامل يناقش العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوربي من جهة والعلاقة بين تركيا والعالم الإسلامي من جهة أخرى