حيرة الإتحاد الأوروبي في التعامل مع المرشح المسلم
جاء تجميد المسألة التركية موافقا لهوى الرئاسة الألمانية لمجلس الإتحاد الأوروبي بقيادة أنغيلا ميركل. ذلك لأن المحادثات مع أنقرة كانت مصحوبة حتى الآن بالجدال، وكانت تدور في الغالب حول رفض أنقرة فتح موانيها ومطاراتها أمام سفن وطائرات قبرص العضو في الإتحاد الأوروبي. كان دأب رؤساء دول الإتحاد وحكوماته التناحر فيما بينهم عندما يكون انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي على قائمة جدول الأعمال.
أضف إلى ذلك أن داخل الحكومة الألمانية فهناك تناقضات جوهرية في موقف الشخصيات الهامة في فترة الرئاسة الألمانية لمجلس الإتحاد الأوروبي. فبينما ترى أنغيلا ميركل كمستشارة لألمانيا أن كل الإحتمالات لا تزال قائمة، نجدها كرئيسة للإئتلاف المسيحي الديمقراطي والمسيحي الإجتماعي تدعو إلى إبرام ما يسمى باتفاقية تعاون متميزة مع تركيا.
هذه الإتفاقية قد تخول لتركيا التمتع بكامل حقوق وواجبات دول الإتحاد الأوروبي ما عدا المشاركة في أخذ القرار السياسي. وفي المقابل يحبذ وزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير (من الحزب الديمقراطي الإشتراكي) العضوية الكاملة لتركيا لأنه يرى أن تركيا جسرا بين الثقافة المسيحية والثقافة الإسلامية.
إنذار سياسي
يرى خبراء الإتحاد الأوروبي أن التأجيل الذي أبرم في ديسمبر/كانون الأول 2006 بخصوص قبول تركيا لشروط الإتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالمسائل التجارية والإقتصادية ما هو إلا تأنيب واضح للحكومة التركية، ولا يزيد عن كونه إنذار سياسي.
إن المحادثات بشأن هذه المجالات لن تبدأ إلا إذا قامت تركيا بتنفيذ اتفاقية الإتحاد الجمركي الأوروبي بكاملها وفتحت موانيها ومطاراتها أيضا أمام سفن وطائرات القبارصة اليونان. أما المفاوضات المستقبلية حول مجالات أخرى فسوف تعتبر منتهية إذا أوفت تركيا بالتزاماتها الخاصة بالإتحاد الجمركي. على الرغم من ذلك تستطيع أنقرة أن تتبنى قوانين الإتحاد الأوروبي بحرّية، وهذا ما قد يجعل المفاوضات المستقبلية سهلة ويساعد في سرعتها.
كان من الممكن أن تتفاقم الأزمة. فعندما اتفق وزراء خارجية الإتحاد الأوروبي في ديسمبر/كانون الأول الماضي على تعليق ثمانية من الفصول الـ"35" لمفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد، كان هذا الاتفاق بعيدا كل البعد عن مطالب بعض الدول الأعضاء التي كانت تصل إلى حد قطع المفاوضات.
وكان هذا القرار سدة جديدة للفجوة بين المؤيدين والمعارضين للإنضمام. حتى الآن لم ترد إجابة على أهم الأسئلة: كيف يتعامل الإتحاد الأوروبي مع المسألة التركية؟ ولما قرر أعضاء الإتحاد الأوروبي في أكتوبر/تشرين الأول 2005 بدء محادثات الإنضمام مع تركيا بقيت نتائج المفاوضات معلقة.
وكانوا يتفاوضون تحت مبدأ "لن تنضم تركيا إلى الإتحاد بصورة تلقائية"، ولهذا كانوا يتحاشون اتخاذ قرار سياسي.
مواقف أوربية متباينة
لا تزال مجموعة من الدول الأعضاء مثل النمسا وفرنسا أو هولندا وأيضا الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني يأملون ألا تصبح تركيا عضوا في الإتحاد الأوروبي. وعلى العكس من ذلك فهناك موافقة تامة على العضوية الكاملة من جانب كل من بريطانيا وإيطاليا وأسبانيا والسويد وفنلندا وأيضا الحزب الديمقراطي الإشتراكي الألماني المشارك في الحكومة. والدول الأعضاء من شرق أوروبا الذين التحقوا بالإتحاد في مايو / أيار 2004 فليس لديهم مانع من انضمام عضو جديد يدعى تركيا.
لقد بذل رئيس الحكومة البريطانية طوني بلير جهده لدفع عجلة المحادثات مع أنقرة بعد قمة الإتحاد الأوروبي في ديسمبر/كانون الأول مباشرة. ولكن أيامه في رئاسة الحكومة تعتبر محدودة، وموقف خليفتة غوردن براون إلى أوروبا أشد نقدا من موقفه.
وعلى المرء أن ينتظر أيضا إذا ما كان الرئيس الفرنسي المحتمل نيكولاي ساركوزي - الذي يشغل حاليا منصب وزير داخلية فرنسا ومن المعارضين علنا على انضمام تركيا إلى الإتحاد – سيغير الموقف الإيجابي الذي كان يتبناه جاك شيراك.
وقد أعلن ساركوزي أنه سيجري استفتاء شعبيا بهذا الخصوص. كما تريد النمسا اجراء استفتاء شعبي أيضا. مع العلم بأن إحياء المفاوضات بخصوص الفصول الثمانية المعلقة لن يكون إلا بإجماع الأعضاء الـ"27".
مصالح أوربية
يقول الخبير في الشؤون التركية لدى "مؤسسة العلوم والسياسة في برلين " هاينز كرامر أن الموقف الداخلي للإتحاد الأوروبي لا بد أن يؤدي إلى قطع المفاوضات التي تخضع لمبدأ الإجماع. إلا أن معارضي انضمام تركيا إلى الإتحاد على علم أيضا بأهمية تركيا السياسية والأمنية لأنها تجاور العراق وسوريا وإيران وبلاد القوقاز.
أضف إلى ذلك أن إنهاء المحادثات بصورة قطعية قد يكون إشارة سلبية إلى العالم الإسلامي. والرفض من قِبل الإتحاد الأوروبي قد يدفع أنقرة إلى أن تدير ظهرها لأوروبا وتبحث عن حليف بديل مثل روسيا.
عندما وقّع أسلاف الإتحاد الأوروبي، أي المجموعة الإقتصادية الأوروبية، مع تركيا اتفاقية الإنتساب عام 1963 قال رئيسها آنذاك فالتر هالشتاين (التابع للحزب الديمقراطي المسيحي): "أن تركيا جزء من أوروبا". أما رفيقه في الحزب ونائب رئيس كتلة حزب الشعب الأوروبي في البرلمان الأوروبي هارتموت ناس أور يرى اليوم أن "تركيا ليست بلدا أوروبيا".
وتركيا كثاني أكبر دولة عضو في حلف الناتو تعتبر حقا حليفا سياسيا هاما وتزداد أهمية في دورها كمصدر لتمويل وتأمين أوروبا بالطاقة. إلا أن تركيا "تعيش في بيئة ثقافية أخرى ذات مقومات غريبة" بحسب هارتموت ناس أور.
ولهذا فإنه من الأفضل أن نتخذ تركيا كشريك وليس كعضو. ويدعو رئيس الكتلة الإشتراكية الديمقراطية في البرلمان الأوروبي مارتين شولتس تركيا إلى الإستمرار في الإصلاح، ويرى أن على أنقرة أن تحدث تقدما في مجال حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ويقول:
"إن عضوية تركيا في الإتحاد الأوروبي تعتبر على المدى الطويل من مصلحة أوروبا أمنيا واقتصاديا". ويؤكد هذان النائبان في البرلمان الأوروبي أن انضمام تركيا لن يكون ممكنا إلا بعد فتح المواني والمطارات التركية أمام سفن وطائرات قبرص.
المسألة القبرصية
إذا نظر المرء إلى تركيا كمثل فسوف يتبين أن استيفاء شروط عضوية الإتحاد الأوروبي ليست مسألة تقنية فقط ولكنها أيضا قرار سياسي. وصحيح أن النزاع حول قبرص يبدو كما لو كان مسألة إجراءات بحتة إلا أن تركيا ترى أنه ينطوي على إعترافها بحكومة قبرص اليونانية حكومة شرعية واحدة للجزيرة محل الخلاف.
ولأن الإتحاد الأوروبي يتمسك بأن تلتزم تركيا بكافة جوانب برتوكول أنقرة فلن يكون هناك تحرك جديد بشأن العضوية إلا إذا انفرجت المسألة القبرصية، بحسب هاينز كرامر الخبير في الشؤون التركية لدى "مؤسسة العلوم والسياسة في برلين".
ويرى أن المشكلة لا يمكن حلها إلا عن طريق الأمم المتحدة، والإتحاد الأوروبي يعتبر مكتوف الأيدي لأنه أصبح طرفا في الصراع حول الجزيرة بعد انضمام جمهورية قبرص إليه. ويضيف هاينز كرامر أن المسألة القبرصية هي بالنسبة للكثير في الإتحاد الأوروبي ذريعة يعللون بها موقفهم المضاد بحجج موضوعية.
ليس هناك نجاح في المستقبل القريب بخصوص المسألة القبرصية. إلا أن نيقوسيا أقرت في ديسمبر/كانون الأول الماضي – على عكس موقفها أنذاك – أن الصراع لا بد أن يعالج سياسيا بمساعدة الأمم المتحدة. علاوة على ذلك يئست الحكومة القبرصية حديثا من مقاومتها للتبادل التجاري المباشر مع شمال الجزيرة الذي تسيطر عليه تركيا.
وفي منتصف يناير / كانون الثاني هذا العام أجمع وزراء خارجية الإتحاد الأوروبي على إعادة الحوار "فورا" بخصوص التبادل التجاري المباشر. ويأمل الدبلوماسيون في الإتحاد الأوروبي أن يحرك هذا القرار الحكومة التركية لتتخذ خطوة جديدة بشأن المسألة القبرصية.
بقلم دانيلا شرودر
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2007
دانيلا شرودر تعمل كمراسلة حرة لقسم اللغة الإنكليزية التابع لوكالة الأخبار الألمانية من الإتحاد الأوروبي في بروكسل، وتكتب للجريدة الرسمية "البرلمان" وجرائد ألمانية محلية.
قنطرة
تركيا والإتحاد الأوروبي
يخيم على النقاش حول القيم الحضارية والإسلام مرارا وتكرارا السؤال ، فيما إذا كانت تركيا تابعة للاتحاد الأوروبي أم لا