سياسة الخطوة خطوة....سياسة الباب المفتوح
يرى أستاذ العلوم السياسية، شتيفان شتيتر، في مقالته التحليلية أن هناك أربع نقاط أساسية لاضطلاع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بنفوذ خارجي واقعي من أجل التوصل إلى سلام شامل ودائم على الصعيدين السياسي والاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط.
في أثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، إلى واشنطن ولقائه الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، حدثت الطرفة التالية: قدم أوباما لنتانياهو بالتفصيل تصوراته لحل الصراع في الشرق الأوسط بناءً على حل الدولتين، وما أن ختم كلامه بالعبارة التالية: "نعم، نستطيع فعل ذلك"، حتى أتت إجابة ضيفه مقتضبة: "كلا، لا نستطيع ذلك".
فهل يمكن اعتبار هذه الإجابة مخططاً لمعالم مستقبل منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة بكل تفاصيلها؟ فمن جانب هناك محاولات للاضطلاع بدور خارجي من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وعلى وجه الخصوص التزام طرفي الصراع بمبادئ خارطة الطريق وتفاهمات مؤتمر أنابوليس، وعلى الجانب الآخر توجد هناك حكومة إسرائيلية تقف بأغلبيتها معارضة لأساسيات عملية السلام: الأرض مقابل السلام وحل الدولتين ووضع القدس والمستوطنات.
ولا يمكن أن يكون هذا الموقف قد صار من الأمور الحتمية، فهو لا يرجع إلى الطابع غير الثابت والمعروف للحكومات الائتلافية في إسرائيل. أرى أن هناك على الأقل أربع نقاط أساسية أمام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للقيام بدور خارجي واقعي ومؤثر من أجل الوصول إلى حل سلام شامل وراسخ على الصعيدين الاجتماعي والسياسي في منطقة الشرق الأوسط.
حوار مفتوح عن "ثوابت" طرفي الصراع
أولاً: على صعيد الرأي السياسي العام يُبالغ من وقت إلى آخر بأهمية تغيير الحكومة الإسرائيلية ووصول نتانياهو إلى رئاستها. فعلى الرغم من صحة الرأي القائل بتناقض تصريحات نتانياهو المتعلقة بجوانب هذا الصراع المحورية كوضع القدس والمستوطنات مع مواقف الحكومات السابقة -وما لذلك من أهمية على الصعيد السياسي من دون شك-، إلا أنه من ناحية أخرى يظهر كل من طرفي الصراع "ثوابته" بعيداً عن التغيرات المتعلقة بالسياستين اليومية والائتلافية، كما ترى خبيرة الشرق الأوسط البريطانية كلير سبنسر من معهد شاثام هاوس (المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية).
وفي إسرائيل يتمثل هذا ببناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، الذي ما زال مستمراً على الرغم من اتفاق أوسلو للسلام وتغير الحكومات.
ومن جانب آخر تقدم التصريحات المفصلة لنتانياهو وأعضاء حكومته الآخرين فرصة للدخول في حوار مفتوح على الصعيد السياسي حول أسس تلك "الثوابت". وهذا الحوار ينحرف قليلاً عن الاقتصار على بيانات النوايا، كما هو الحال اليوم. إن مثل هذا الحوار يمس جوانب حساسة من السياسة القومية، وعليه لا يجب أن يٌجرى بين العامة في المقام الأول، بل يجب أن يحتل مقاماً محورياً في النقاشات بين أصحاب القرار على كلا الجانبين.
ثانياً: لا ينبغي أن يُجرى مثل هذا الحوار المفتوح حول "الثوابت" مع إسرائيل وحسب، بل وعلى الجانب الفلسطيني أيضاً تٌلاحظ بين الفينة والأخرى مواقف، تشير إلى وجهات نظر من عملية السلام يٌمكن تعليلها بالتكتيكية قبل أي شيء آخر. ومن الأدلة على ذلك على سبيل المثال إشارة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي، إلى أن شروع إسرائيل بخيار حل الدولتين، المتضمن تقسيم القدس، سيؤدي إلى "انهيار إسرائيل" على المدى البعيد.
لذلك يجب الاّ ترتكب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في عملية إعادة صياغة سياسة الشرق الأوسط خطأ "لعبة المحصلة الصفرية"، المتمثل بالمضي في توجيه النقد إلى أحد الأطراف مع دعم معلن تجاه الأطراف الأخرى. فالتفكير المبني على تقسيمات الصديق والعدو كان المنطق الذي تتعامل به إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش وألحق بالمنطقة أضراراً جسيمة.
قناعة سياسية
ثالثاً: إلى جانب الدوافع الإيديولوجية تشكل قاعدة "الثوابت" لدى أطراف الصراع المختلفة علاقة وثيقة بين المصالح الأمنية ومشاعر التهديد. إن من يتابع الجدالات السياسة الإسرائيلية عن كثب، يمكنه أن يبدي دهشته من كبر التفاوت في تقدير المشاكل الأساسية في منطقة الشرق الأوسط بين إسرائيل والدول الغربية.
في إسرائيل يعد موضوع الطموحات الإيرانية لامتلاك السلاح النووي وتصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد من المواضيع الفائقة الأهمية، وكذلك اعتبار حركة حماس وحزب الله ذراعيين لإيران، بينما يرى الغرب -على الرغم من متابعته القلقة للسياسة الإيرانية- أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي جوهر للعديد من "الصراعات في منطقة الشرق الأوسط"، وعلى اعتباره قضية منفصلة مقارنة بالملف النووي الإيراني.
ومن غير المجدي أن نسأل فيما إذا يتم تصديق أن أسباب هذا التفاوت ذات طبيعة إستراتيجية أو "حقيقية". ومن أجل السيطرة على هذا الوضع المعقد من الايدولوجيا والخوف والهواجس الأمنية لا يكفي الدفاع عن ترجيح خيار السلام على الحرب معيارياً.
ولا يجب على أصحاب القرار وحدهم، بل وأيضاً مجمل الرأي العام السياسي في منطقة الشرق الأوسط أن يؤمنوا بالقناعة التي تقول إن التراجع عن أي من هذه "الثوابت" لا يجب أن يدل بالضرورة على خطأ قاتل. وإن نجح ذلك فقط، يمكن أن تنكسر المقاومة المبنية على أسباب إيديولوجية لمختلف القوى السياسية في منطقة الشرق الأوسط إزاء حل سلام دائم.
ضرورة الالتزامات الواضحة
رابعاً: وفي كل هذه الخطوات يٌنصح بأخذ العبر من فشل اتفاق أوسلو. واحد العبر الأساسية تتمثل في أن الثقة بالتقارب التدريجي أثبتت أنها حجر عثرة. وفي هذه الأثناء كانت عملية السلام هشة إلى أبعد الحدود، فقد تحولت الثقة إلى سوء ثقة، أما الأمل الذي تم توثيقه في البدء في الكثير من استطلاعات الرأي، الأمل في التوصل إلى مكسب دائم من السلام مسح بعد وقت قصير ابتعد عن الصور النمطية القديمة المعروفة بعدم تقبل السلام على كلا الطرفين.
لذلك يجب على عملية إعادة صياغة سياسة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تجاه الشرق الأوسط أن تتبع بشكل أكبر سياسة "الاشتراط" وإلزام الأطراف المختلفة بخياراتها في التعامل، عوضاً عن إخضاع اتفاقيات إطارية جديدة لهذا المنطق الإشكالي بالتحديد.
وعلى الرغم من الاستحسان الذي تتمتع به مبادرة السلام العربية، إلا أن هناك تساؤلات تطرح نفسها، ومنها: لِمَ لا تقيم دول مثل المغرب أو قطر أو العراق علاقات دبلوماسية مع إسرائيل من دون تسوية سلام لاحقة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني؟ ولماذا يجب التفاوض على "القضايا الأساسية" كالقدس واللاجئين وغيرها، إلا بعد أن تُنجز مراحل "بناء الثقة" (كما تنص خارطة الطريق على ذلك أيضاً)؟
وهذان مثالان فقط، لكنهما يدلان سوية على أن ضرورة أن تقوم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بإبداء المزيد من روح المبادرة والإرادة في تفهم هواجس السياسة الأمنية والداخلية في الدول العربية وإسرائيل، من أجل إقناع الأطراف المختلفة في الإقدام على المزيد من المبادرات الذاتية بشكل واضح، ووضع المزيد من الالتزامات الواضحة في خطط الطريق المستقبلية والاتفاقات الملموسة، بشكل اكبر من الاقتصار على المراحل التفسيرية الداخلية.
وفي الرابع من حزيران/ يونيو ألقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطابا للعالم الإسلامي من جامعة القاهرة حاول أن يؤسس فيه لشراكة عربية-غربية جادة. ومن هنا سينفتح طريق واسع لتجاوز المطبات الكثيرة التي وضعتها إدارة بوش في العلاقات الغربية- العربية.
والشيء نفسه ينطبق على الطريق إلى إقامة سلام جذري بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما ينطبق ذلك على المساهمة، التي يمكن أن تقدمها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كذلك من خلال الشروط الأساسية المذكورة في أعلاه من أجل الوصول إلى سلام دائم وراسخ بقوة على الصعيدين الإقليمي والاجتماعي.
ومن المؤكد أن هذا السلام يجب في المقام الأول أن يطبق من قبل الناس في منطقة الشرق الأوسط، وأن نشاطا خارجيا قويا في هذا الإطار الموضح هنا يمكن في مقابل ذلك أن يقدم مساهمة أفضل مما كان عليه الحال في الماضي. إن مثل هذه المساهمة الخارجية قد لا تكون نافعة، إلا إذا غير من تعبيرات مثل "كلا، لا نستطيع ذلك" إلى "بل يجب علينا".
شتيفان شتيتر
ترجمة: عماد م. غانم
حقوق الطبع: قنطرة 2009
شتيفان شتيتر: أستاذ السياسة الدولية ومعالجة الصراعات في جامعة الجيش الألماني في مدينة ميونخ الألمانية. صدر له كتاب عن دار نشر بالغراف بعنوان "المجتمع الدولي وإعادة بناء الشرق الأوسط في السياسة الإقليمية".
قنطرة
الاتِّحاد الأوروبي وأزمة غزة:
سياسة الكيل بمكيالين
نادرًا ما فشلت السياسة الأوروبية بشكل واضح مثلما هي الحال في محاولة إنهاء الحرب التي تدور في قطاع غزة. وبدلاً من أن يتحدث الأوروبيون بصوت واحد وبموقف متوازن، انتهج الاتِّحاد الأوروبي سياسة غير متوازنة لا تأخذ مصالح كل الأطراف بعين الاعتبار كما يرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط، ميشائيل لودرز.
حوار مع فولكر بيرتيس:
رياح السلام تهب على الشرق الأوسط الانفراج في الأزمة اللبنانية من خلال التوافق على رئيس والعمل على تشكيل حكومة جديدة والإعلان عن انطلاق مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وسوريا برعاية تركية يحمل إشارات إيجابية لمنطقة الشرق الأوسط. عبد الرحمن عثمان حاور فولكر بيرتيس، مدير المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية حول هذه المزاج الجديد في الشرق.
ردود أولية سريعة على خطاب أوباما في القاهرة:
خطاب علاقات عامة أم خطاب للتطبيق؟
لقي خطاب أوباما بالمجمل ترحيبا عربيا واسعا، من حيث طبيعة النبرة الجديدة المنفتحة على المسلمين والدعوة إلى تدشين مرحلة جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، والآن ينتظر العالم العربي أن تتحول هذه الكلمات إلى أفعال. أميرة الأهل حضرت خطاب أوباما في القاهرة وسجلت هذه القراءة.