قضية قديمة برؤية جيدة؟

قوبل إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن إعادة إحياء مفاوضات في الشرق الأوسط بآمال عريضة في المنطقة. بيد أن هذه الآمال تحولت إلى مخاوف. فلم يكف تعيين الوسيط الناجح جورج ميتشل مبعوثاً خاصاً للشرق الأوسط من إخراج المفاوضات المتعثرة من عنق الزجاجة. بيرغيت كاسبر تعرض آراء الخبراء والمراقبين في القضايا الجوهرية التي تصطدم بها مساعي إدارة أوباما.

عندما تولى الرئيس الأمريكي باراك أوباما منصبه في شهر كانون الثاني/ يناير، هب نسيم الأمل على منطقة الشرق الأوسط. فقد أعلن أوباما أنَّ إعادة إحياء مفاوضات السلام في الشرق الأوسط أمر مهم بالنسبة له، وذلك من أجل التوصّل إلى سلام إقليمي شامل في المنطقة. ولكن هذا الأمل تحوّل في الشرق الأوسط إلى خوف. وقد حذَّر العاهل الأردني، الملك عبد الله في حوار أجرته معه صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية قائلاً: "يبدو أنَّ الأمل يبتعد باستمرار. وإذا ظلّ الوضع مثلما هو عليه، فعندها سوف ننزلق إلى الظلام، بكلِّ العواقب التي يمكن تصوّرها". والآن يدور الحديث حول احتمال قيام انتفاضة ثالثة في الأراضي الفلسطينية.

وفي اليوم الثاني من ولايته قام أوباما بتعيين السناتور الأميركي السابق والوسيط الناجح في إيرلندا الشمالية، جورج ميتشل مبعوثًا خاصًا للشرق الأوسط. وجيمس بيك أب James Pickup، الموظف السابق والمقرَّب من ميتشل، يصفه بأنَّه منضبط للغاية وصاحب هدف محدَّد، ويقول عنه إنَّه أثبت أنَّه يصل إلى أهدافه حتى وإن استغرق ذلك وقتًا طويلاً جدًا. ويضيف قائلاً: "سوف أندهش كثيرًا إذا استسلم ميتشل".

عقبة المستوطنات

ولكن بعد عشرة أشهر من جهود الوساطة المكثَّفة وسبع بعثات قام بها ميتشل للوساطة في المنطقة، تبدو حصيلة جهود ميتشل متواضعة؛ حيث لا يظهر أي تقدّم - ما عدا بيانات النوايا الأساسية التي يتم الإدلاء بها بنيَّة التوصّل إلى سلام وحلّ الدولتين. وإلى حين باءت بالفشل المحاولة غير العادية بالنسبة للعلاقة الأمريكية مع إسرائيل والتصميم الأمريكي على دفع إسرائيل إلى تجميد بناء مستوطناتها في الضفة الغربية بشكل كامل، هذه المستوطنات التي تعتبر غير شرعية طبقًا للقانون الدولي. وواشنطن بدأت تتراجع بعد الرفض الإسرائيلي الشديد وأصبحت منذ ذلك الحين تحاول التوصّل إلى تجميد جزئي ومؤقت لبناء المستوطنات.

ولكن بذلك لا تنعدم فقط الآمال في دفع الدول العربية على اتِّخاذ تدابير تبني الثقة. وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس الضعيف سياسيًا، والذي ما يزال يستطيع على أبعد حدّ تمثيل مليوني فلسطيني في الضفة الغربية، يتمسَّك بإيقاف بناء المستوطنات كشرط لاستئناف المفاوضات المباشرة مع إسرائيل. وحركة حماس الإسلامية المتطرِّفة التي تسيطر منذ العام 2007 على قطاع غزة، ترفض على كلِّ حال مفاوضات السلام مع إسرائيل. وهكذا تبدو مهمة ميتشل وكأنَّها تسير في طريق مسدود.

مجرد نوايا حسنة أم إستراتيجية جديدة؟

وفي الشرق الأوسط صار يتساءل المرء في هذه الأثناء عما إذا كانت إدارة أوباما لديها فقط نوايا حسنة فقط، أم أنَّها تتَّبع أيضًا إستراتيجية جديدة. ويقول روبرت مالي، مدير برنامج الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية في واشنطن ومستشار بيل كلينتون السابق لشؤون الشرق الأوسط: "في وقت ما سوف يتحتَّم على الإدارة الأمريكية رؤية حقيقة أنَّ الفجوة بين الطرفين أصبحت اليوم أكبر مما كانت عليه في الأمس، كما أنها كانت حتى في الأمس صعبة لا يمكن التغلب عليها". ويضيف مالي أنَّه على كلِّ حال لا تظهر مباشرة أي إستراتيجية جديدة. ولا يكفي - حسب وصفه - دفع الطرفين من خلال المزيد من الضغط إلى الاتِّجاه نفسه، إذا لم يكونا مستعدّين للِّقاء والجلوس سوية. ويجب على المرء بعد ستة عشر عامًا من محاولات الوساطة غير المجدية وعلى أبعد حدّ الآن أن يطرح هذا السؤال: "ما هو الطرف الذي أهملناه؟"

لقد ركَّزت المفاوضات التي تم إجراؤها على أساس اتِّفاقيات أوسلو (1993) وفيما بعد مفاوضات ما يطلق عليه اسم "خارطة الطريق" (2003) على اتِّخاذ تدابير تبني الثقة وعلى ضمان الأمن لإسرائيل، ولكن لقد ركَّزت قبل كلِّ شيء على تقسيم البلاد. وكانت المفاوضات تركِّز على إعادة الأراضي التي تم احتلالها في عام 1967 والتعامل مع قضية القدس، في حين كانت الحكومة الإسرائيلية تستمر هناك بالذات في بناء المستوطنات وشقّ الطرق الخاصة بالمستوطنات، بالإضافة إلى بناء الجدار العازل. ومن خلال ذلك تم خلق عوائق جديدة، بيد أنَّ روبرت مالي يعتقد أنَّ هناك بعدًا آخر للصراع الذي يشكِّل إهماله طيلة سنوات سببًا مهمًا لعدم إحراز أي تقدّم. ويقول مالي إنَّ الأمر يتعلَّق بجذور الصراع في العام 1948: "يوجد عميقًا في الداخل صراع عاطفي وسياسي ونفسي".

إشكالية جوهرية

فمن ناحية يشعر الإسرائيليون أنَّ لهم الحقّ في دولة في هذه المنطقة التي ينظرون إليها باعتبارها وطنًا قوميًا لليهود، ولكن في الحقيقة لم يتم الاعتراف بهذا الوطن قطّ، حسب قول مالي: "وفي المقابل يشعر الفلسطينيون أنَّ كلَّ هذه المفاوضات تهدف في آخر المطاف إلى محو تاريخهم بما في ذلك حقوقهم في إسرائيل التي تأسست في عام 1948". وليس فقط لهذا السبب وحده تحظى مطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بالاعتراف بإسرائيل باعتبارها "دولة يهودية" في إسرائيل بهذا القدر من الشعبية. وعلى الجانب الفلسطيني لا يستطيع أي سياسي التخلي عن حقِّ عودة اللاجئين. ويقول مالي إذا كان المرء يسعى إلى إنهاء هذا الصراع، فعندئذ يجب على المرء أن يعالج هذه الإشكالية الجوهرية.

ولكن في الحقيقة لا توجد في واشنطن أي بادرة تشير إلى أنَّ إدارة أوباما تفكِّر حاليا في ذلك. وثمة مسؤول حكومي كبير في إدارة أوباما قال على الرغم من وجود انطباع بأنَّ عملية السلام قد خرجت عن مسارها، إلاَّ أنَّه ما يزال متفائلاً؛ حتى وأن لم يحصل المرء على كلّ شيء مما كان يتصوّر الحصول عليه. وبعد أن واجه المبعوث الأمريكي الخاص، جورج ميتشل في إسرائيل رفضًا قاطعًا فيما يتعلَّق بتجميد بناء المستوطنات، صار يحاول الآن التوصّل إلى مشروع حل وسط للاستيطان وفي الوقت نفسه التوصّل إلى اتِّفاق على رسم الخطوط العريضة الخاصة بالمفاوضات المستقبلية.

غياب فرص تحقيق انفراج

أما جيمس دوبينز مدير مركز الأمن الدولي والخبير في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة راند (RAND Corporation) المقرَّبة من الحكومة في واشنطن، يرى أنَّه لا تكاد توجد في الوقت الراهن أي فرص من أجل تحقيق انفراج. ويقول دوبينز إنَّ الحكومتين الإسرائيلية والفلسطينية ضعيفتان للغاية: "وعلاوة على ذلك فإنَّ الحكومة الإسرائيلية لا تقبل الحلّ الذي يدعمه المجتمع الدولي. وربما تكون القيادة الفلسطينية تريد هذا الحلّ، بيد أنَّها تفتقر على ما يبدو إلى التأييد الشعبي". وبالإضافة إلى ذلك يبدو أنَّ واشنطن ما تزال مثل ذي قبل لا تنوي التعامل بشكل مباشر مع حركة حماس الإسلامية المتطرِّفة التي فازت في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في العام 2006 في الأراضي الفلسطينية والتي تسيطر منذ صيف عام 2007 على قطاع غزة.

تقول وزارة خارجية الولايات المتَّحدة الأمريكية إنَّ حركة حماس تشكِّل مشكلة حقيقية وإذا ظلت لا تقبل بمعايير اللجنة الرباعية الدولية الخاصة بالشرق الأوسط - هذا يعني قبل كلِّ شيء الاعتراف بإسرائيل وكذلك الاتِّفاق الذي تم التوصّل إليه حتى الآن بين الإسرائيليين والفلسطينيين-، فستبقى بالنسبة للإدارة الأمريكية منظمة إرهابية. والشيء نفسه ينطبق على حزب الله الشيعي في لبنان الذي ينظر إليه بالإضافة إلى ذلك في وزارة الخارجية الأمريكية باعتباره تنظيمًا يشكِّل تهديدًا دوليًا. وكذلك يتم دعم هذين التنظيمين سياسيًا وماليًا من قبل إيران التي تزوِّدهما بالسلاح. ولكن طهران تنفي في الواقع أنَّها تقوم بتزويدهما بالسلاح.

ارتباطات الصراع بطهران

ولهذا السبب أيضًا يرتبط الصراع في الشرق الأوسط مع الأزمة الإيرانية وهذا ما تراه إدارة أوباما التي ما تزال تراهن حتى الآن في ملف إيران النووي على الحلول الدبلوماسية. وكذلك يرى الخبير في الشؤون الإيرانية لدى مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، كريم سجادبور Karim Sadjadpour أنَّ احتمال توجيه ضربة عسكرية من قبل الولايات المتَّحدة الأمريكية لإيران إذا باءت المفاوضات معها في آخر المطاف بالفشل، غير وارد كثيرًا.

ولكن في حال ظلت المحادثات مع طهران بعد نحو عام من دون نتائج ملموسة، فعندئذ يمكن أن تصبح واشنطن في موقف صعب تجاه إسرائيل، على حدِّ قول سجادبور الذي يضيف: "على الرغم من أنَّني أعتقد أنَّهم سوف يعطون الإسرائيليين الضوء الأحمر، وذلك لأنَّهم لا يرغبون في أي هجوم إسرائيلي، غير أنَّني أعتقد أنَّ إسرائيل لن تطلب من أمريكا إذنًا على الإطلاق". وفي واشنطن لا يكاد أحد يشكّ في أنَّ مثل هذه الضربة العسكرية يمكن أن تخلط الأوراق من جديد في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط.

وفي هذه الأثناء صار بعض المراقبين يتساءلون عن حجم رأس المال السياسي الذي يريد في الحقيقة الرئيس باراك أوباما استثماره في النزاع الفلسطيني؛ لاسيما وأنَّ الموضوعات الوطنية الأمريكية مثل إصلاح نظام التأمين الصحي والأزمة الاقتصادية تتصدَّر حاليًا جدول أعماله - وتلي هذه الموضوعات قضية كلّ من أفغانستان وإيران والعراق. ولكن جيمس بيك أب، المقرَّب من جورج ميتشل، متأكِّد من أنَّ: "عملية السلام تعتبر مهمة بالنسبة لمصالح الأمن القومي الأمريكي". ولهذا السبب تبقى هذه العملية تحتل الأولوية.

وكذلك يعتقد جيمس دوبينز، مدير مركز الأمن الدولي في مؤسسة راند، أنَّ ميتشل سوف يواصل بذل جهوده وأنَّ واشنطن لن تؤجِّل موضوع السلام في الشرق الأوسط. ويقول دوبينز إنَّ سبب ذلك يكمن من ناحية في نوايا إدارة باراك أوباما الصادقة، ولكن أيضًا في حساب للعلاقات العامة؛ إذ إنَّ ذلك "لا يكلِّفهم كثيرًا".

ودوبينز يقول إنَّ عدم الاهتمام الواضح من قبل إدارة جورج دبليو بوش كان في الأعوام الأولى مكلفًا للغاية بالنسبة لسمعة الأمريكيين في المنطقة. ويضيف قائلاً: "أعتقد أنَّه من المهم أن نبيِّن أنَّ عدم تحقيق أي تقدّم في عملية السلام لا يقوم على أساس عدم التزام واشنطن، بل يقوم على حقيقة أنَّ هناك ظروفًا تخرج عن السيطرة الأمريكية".

ويبدو كأنَّما إدارة الولايات المتَّحدة الأمريكية لا تملك أي إستراتيجية جديدة في منطقة الشرق الأوسط، تلك الإدارة التي أدركت في آخر المطاف أنَّ كلَّ المشكلات مرتبطة على نحو ما ببعضها بعضًا وأنَّ القضية الفلسطينية تعتبر لدى الرأي العام في المنطقة بمثابة عامل محفِّز أو ذريعة وبالنسبة لمختلف المتطرِّفين العامل الحاسم.

بيرغيت كاسبر/ بيروت
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009

قنطرة
أوباما وسياساته الشرق أوسطية:
دبلوماسية "أوبامية" جديدة على إيقاعات شعار التغيير؟

حسب رأي الخبير وأستاذ العلوم السياسية توماس يِيغَر لا يمكن توقّع قيام إدارة الرئيس أوباما بإحداث تغييرات جذرية في سياستها الخارجية تجاه الشرق الأوسط. غير أن الأمر الأكثر أهمية هو إن كانت السياسة الخارجية الأمريكية سوف تتَّبع مسارًا سياسًيا جديدًا مختلفًا عن الحرب على الإرهاب.

أوباما والعالم الإسلامي:
قطيعة مع الحقبة البوشية... إشارات تصالحية

جددت المقابلة التي أجرتها قناة العربية مع الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما الآمال في بداية عهد جديد في العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي. غير أن كسب ثقة العالم الإسلامي يستوجب سياسات بعيدة المدى كما يرى عدد من الخبراء. شمش العياري رصدت آراء بعض المحللين حول آفاق السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العالم الإسلامي.

خطاب أوباما والعلاقات الأمريكية الإيرانية:
حراك تكتيكي أم تحول استراتيجي؟

تحتوي الرسالة المصوّرة التي وجَّهها باراك أوباما إلى الإيرانيين في الوقت نفسه على دعوة لحوار جديد مع القيادة السياسية في طهران. ولكن من الذي يمكن أن يكون من وجهة نظر إيرانية الشخص الأفضل لإجراء مثل هذا الحوار مع واشنطن وما الشكل الذي يمكن أن يسير عليه هذا الحوار؟ كاتايون أميربور تجيب عن هذه الأسئلة وغيرها من طهران.
Text der neuen Seite.