أفلام تجارية وأخرى تحصد الجوائز
باع الفيلم السينمائي "وادي الذئاب" أربعة ملايين بطاقة عند عرضه، وربح بذلك عشرة ملايين يورو في أول شهرين. وبهذا لا يُعتبر هذا الشريط، الذي تم استنكاره في الغرب أكثر مما ينبغي، مثالاً لأفلام الدعاية الإسلاموية بقدر ما هو مثالٌ جيدٌ يبين مدى ازدهار صناعة السينما التركية.
ترتفع في الوقت الراهن أعداد الإنتاجات السينمائية وتكاليفها، وتسجل موارد السينما أرقامًا قياسيةً جديدةً. حيث عاد الجمهور التركي من جديد إلى الولع بمشاهدة الأفلام التركية كما كان الحال في عهد "يشيلجام" Yeşilçam، ذلك العهد الذهبي لـ"هوليود" التركية، الذي استمر حتى مطلع ثمانينيات القرن الماضي.
تظهر الكثير من الأفلام الجديدة البلاد في مرحلة تغيير، وتبدي في الوقت ذاته التوق إلى الموضوعات والكليشيهات الكلاسيكية التي كانت تلاقي القبول من قبل الجمهور في السابق: الحب، الانتقام، الخيانة.
إلى جانب ذلك تظهر أيضًا نماذج تركية خاصة على الساحة من جديد: خليط فوضوي من أيقونات ثقافات البوب. بقيةٌ من سبعينيات القرن الماضي المضطربة، حيث كان يتم دمج مقاطع المغامرات الأميريكية والآسيوية المثيرة في الحبكة السينمائية التركية.
أفلام قريبة من الجمهور
حققت الكوميديا الخيالية الهزلية "G.O.R.A."، في العام 2004، أعلى عائد مالي للأفلام حتى الآن، مستندةً إلى التهكم الذاتي الممزوج مع مقاطع من فيلمي "ماتريكس" و "حرب النجوم".
أما راهنًا فيعتبر فيلم "ابن الرجل الذي سقط من السماء – أتراك في الفضاء" الشريط الكوميدي الأكثر رواجا لهذا الموسم – وهو امتداد للفيلم الكلاسيكي "ابن الرجل الذي سقط من السماء"، الذي ينتخب بانتظام في لائحة أسوأ عشرة أفلام على الإطلاق.
وهكذا نجد الفن السينمائي الحقيقي في مكان آخر، لكن بالرغم من ذلك، يمكن القول إن الأفلام ذات المواضيع السطحية تحديدًا هي مؤشرٌ جيدٌ على السرعة المدهشة لدخول المواضيع التي كانت محرمة في السابق: حرب الأكراد، والنزاع حول قبرص، والتهجير اليوناني-التركي، وعهد الحكم العسكري، حيث تطفو الفصول التاريخية المكبوتة على شاشات دور السينما بازدياد مضطرد.
كانت هذه المواضيع الحساسة مجال نشاط الانتاجات "المستقلة" بالدرجة الأولى لوقت طويل. وكانت غالبيتها العظمى تُدعم من قبل صناديق دولية مثل "اويريماج" Eurimage، حيت اتجهت هذه الانتاجات إلى الأسلوب الأوروبي والدولي "لأفلام المخرج الذي هو كاتب السيناريو في الوقت ذاته" أكثر من توجهها إلى العادات البصرية المحلية.
إنّ لاختبار التغلب على الماضي الذي يتم الآن بهذا القرب من الجمهور، دلالة كبيرة على الحالة الاجتماعية الراهنة.
دعم صناعة الأفلام على الطريقة التركية
أما أهمية ذلك الوسط الإعلامي، الذي كان قبل ثلاثة عقود مسؤولاً عن تدهور السينما، فتثبت شدة التغير الذي حصل. إذ بعد إدخال التلفاز في سبعينيات القرن الماضي، تراجع الإنتاج السينمائي التركي إلى مستويات قياسية، يجري الآن تجاوز عواقبها.
ولأنّ الدولة لا تقدم الدعم الكافي للسينما، يوفر التلفاز بالذات رأس المال الضروري، وكذلك البنية التحتية اللازمة، والتقنيات، والممثلين، وأيضًا المواضيع التي من شأنها أنْ تحقق "أفلامًا واسعة الرواج".
أشهر مثال على هذا التطور هو الشخصية اللامعة سنان جاتين، الذي عُرِفَ بأفلامه الطموحة التي تدور حول أوساط اجتماعية معينة مثل فيلم الدراما الاجتماعي "برلين في برلين" (1992) الذي تم تصويره في ألمانيا، ولكنه سرعان ما بدل مساره ليتجه نحو "التيار السائد".
غدا جاتين من أهم الناشطين في مجال الإعلام في غضون ذلك، حيث تتواجد مسلسلاته التلفزيونية التي ينتجها بذاته في كل مكان، وكذلك الأمر بالنسبة لبرامج المحادثة والألعاب والموسيقى الخاصة به. ويكاد مساره العملي أنْ يكون نمطيًا إلى حدٍ كبير.
كما نلاحظ أن "سيردار أكار" ابن التاسعة والثلاثين من العمر ومخرج فيلم "وادي الذئاب" الذي كان موضع نقاش حاد، قد تخصص بالمسلسلات التلفزيونية بعد "غاميدا" ("على السفينة"، 1999) ذي الصبغة الاجتماعية الواقعية.
وكذلك مخرج فيلم "G.O.R.A." عمر فاروق سوراك من مواليد عام 1964، الذي أتى مباشرة من مجموعة صانعي أفلام الدعاية. الموهوبون الصاعدون سرعان ما يجدون أنفسهم في "شبكة العلاقات التركية" ذات الطابع المافياوي. على الجانب الآخر يوفر جاتين (البالغ من العمر 53 عامًا) فرصًا للمواهب الفتية لكي يخوضوا التجربة في صناعة الفيلم في شركته "بلاتوفيلم".
حدود المسموح به
حيث يحكم رأس المال، يبقى مفهوم الثقافة المثالي معتمدًا على مساحاتٍ ضيقةٍ خاصةٍ به. هكذا تحقق جماعة "بيت الفن" ومجموعة "المستقلين" من صانعي الأفلام نجاحاتهم في المهرجانات الدولية أكثر من جنيهم لها في السوق التركي. وذلك من خلال دراسات نفسية للشخصية كما هو الحال لدى زكي داميركوبوز، ونوري بيلغا جايلان، وزكي كابلان أوغلو، أو من خلال المواضيع السياسية.
هكذا تناول مؤخرًا كل من "درويش ظايم" بفيلمه Çamur ("الطين"، 2003)، و"ياشيم أوستا أوغلو" بفيلمه Bulutları Beklerken ("في انتظار الغيوم"، 2004) موضوع قبرص، وأنجز ظايم بعد ذلك فيلمه الوثائقي Parallel Trips ("رحلات متوازية"، 2004 – بالاشتراك مع المخرج اليوناني بانيكوس خريسانتو).
تتخذ حدود المسموح به قانونيًا واجتماعيًا في الفيلم الفني كما في الأفلام الأخرى شكل خطٍ متعرج. ففي حين كانت مسألة الأرمن وما زالت محرمة، وكذلك سيرة أتاتورك التاريخية السينمائية التي يجري انتظارها منذ زمن طويل، صار المتدينون هدفًا لعدسة الكاميرة.
فيلم عن الإسلاميين
يشكل عمر كيزيلتانس مثلا على ذلك حيث يتناول في فيلمه "تقوى" وللمرة الأولى الدور الخطير للجمعيات الخيرية الدينية الغنية، في وسط بلد المعجزة الاقتصادية تركيا التي يحكمها الإسلاميون. فقد أتقن الممثل السينمائي القدير "اركان جان" دوره كمتدين بسيط يزاول وظيفة أمين الصندوق، يرافقه تأنيب الضمير الشديد:
من ناحية مُثُلٌ عُليا للإيمان، ومن ناحيةٍ أخرى إغراء نقود الرشوة والمحسوبية والوساطة. وهكذا يتحرك الفيلم أكثر وأكثر من دراسةٍ اجتماعيةٍ واسعةٍ إلى "صورة لرهاب الاحتجاز" Claustrophobia لروحٍ معذبة.
شارك فاتح أكين الحائز على جوائز أوروبية سينمائية والفائز بالبرليناله في إنتاج هذا الفيلم الذي حاز في مهرجان أنطاليا أهم المهرجانات السينمائية التركية على تسع جوائز مرةً واحدة. هذا النجاح لا يعود إلى نوعية الفيلم فقط، بل إلى موضوعه المثير جدًا. وبذلك أتيحت الفرصة أمام فيلم ""تقوى" لردم الصدع الكبير القائم بين الفن والتجارة في تركيا.
أمين فارزانيفار
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2007
قنطرة
انتقام على الشاشة الذهبية
اجتذب فيلم العنف التركي "وادي الذئاب" مئات الآلاف من المشاهدين الى دور السينما. فيلم يعتمد على قصة حقيقية: القبض على جنود أتراك على يد الجيش الاميركي في العراق. انه ليس فيلم عنف بمعنى الكلمة، حسب رأي النقاد وإنما فيلم متحيز للغاية ومحرض ومعاد للأميركان.