كيف ستتعاطي الحكومة الألمانية الجديدة مع إسرائيل وفلسطين؟

عبّر فريدريش ميرتس، المستشار الألماني الجديد، عن موقفه بشكل واضح بشأن إسرائيل بعد فوزه بالانتخابات في فبراير/شباط المنصرم. ففي مساء يوم الانتخابات، اتصل ميرتس، زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووعده بأنه سيجد "السبل والوسائل" لزيارة ألمانيا دون أن يتعرض للاعتقال. وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت في نوفمبر/تشرين الثاني. وقد شكّك ميرتس في مشروعية هذه المذكرات.
أكدت الحكومة الألمانية الجديدة، المكوّنة من المحافظين، حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وشقيقه البافاري الحزب المسيحي الاجتماعي(CDU/CSU) ، والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)، في اتفاقها الائتلافي على التزامها بـ"الحفاظ على النظام الدولي القائم على القواعد وتطويره، على أساس القانون الدولي والتطبيق العالمي لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة". ومع ذلك، فإن سعي روسيا بقيادة بوتين للهيمنة يُعتبر التهديد الأكبر لهذا النظام الدولي، وفقًا لما ورد في الاتفاق.
لكن لم تُذكر بكلمة واحدة سياسات القوة التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية، اليمينية والمتطرفة جزئيًا، التي تشنّ حربًا وحشية على سكان غزة، وأعلنت للتو نيتها فرض احتلال عسكري دائم على القطاع.
كما تعهدت الحكومة الجديدة بدعم "حلّ الدولتين عبر التفاوض"، ويُعتقد أن هذه الصيغة أُدرجت في الاتفاق بفضل إصرار الحزب الاشتراكي الديمقراطي. في المقابل، حُذفت أية إشارات إلى سياسات الاستيطان الإسرائيلية أو ضمّ الأراضي الفلسطينية، وذلك بضغط من حزب ميرتس وشقيقه البافاري.
إسرائيل كـ"مصلحة عليا للدولة"
توضح الحكومة الجديدة بشكل لا لُبس فيه، في اتفاقها الائتلافي، أنّ "حقّ إسرائيل في الوجود وأمنها سيظلان جزءًا من Staatsräson"" أي مصلحة عليا بالنسبة للدولة (الألمانية)"، وقد أصبح هذا المصطلح في السنوات الأخيرة مرادفًا للدعم غير المشروط لإسرائيل.
فيما جرى تجاهل حقوق الفلسطينيين وأمنهم تمامًا؛ فهم لم يُذكروا ولو مرة واحدة في الاتفاق الائتلافي. بل تريد الحكومة الجديدة ربط استمرار دعمها لوكالة الأونروا، المنظمة الأممية المعنية بشؤون اللاجئين الفلسطينيين، بتنفيذ ما أسموها "إصلاحات شاملة".
ينتمي وزير الخارجية بالحكومة الجديدة يوهان فاديفول أيضًا إلى نفس حزب المستشار الاتحاد الديمقراطي المسيحي، في سابقة تحدث لأول مرة منذ نحو 60 عامًا. وتتماهى مواقف فاديفول تمامًا مع زعيم حزبه فريدريش ميرتس. ففي نوفمبر/تشرين الثاني، قال فاديفول إنه "من غير المعقول أن يُعتقل رئيس حكومة منتخب ديمقراطيًا من إسرائيل على الأراضي الألمانية".

"عالم فوضوي وعدمي"
يرى المفكر الهندي البارز بانكاج ميشرا، أنّ الغرب، وخصوصًا ألمانيا، استغلّ ذكرى الهولوكوست لتبرير عنف الدولة. يناقش ميشرا، في هذه المقابلة، التاريخ الاستعماري والتواطؤ الغربي في غزة ودور ألمانيا في تقويض القانون الدولي.
ويشترك وزراء آخرون في الحكومة الجديدة في هذا التوجه، ومنهم ألكسندر دوبريندت من الحزب المسيحي الاجتماعي "CSU"، الذي سيتولى منصب وزير الداخلية. وقد صرّح دوبريندت في كلمة له بالبرلمان في نوفمبر/تشرين الثاني: "عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، نحن لسنا وسطاء، بل منحازون دائمًا".
ومن المرجح أن يطبّق دوبريندت، من موقعه الجديد كوزير للداخلية، مبدأ إسرائيل كمصلحة عليا بالنسبة للدولة في السياسة الداخلية بصرامة أكبر من السابق. فقد دعا إلى تصنيف معاداة السامية كـ"حالة خاصة خطيرة من التحريض على الكراهية"، وطالب بسجن أي شخص "يحرّض على الكراهية ضد إسرائيل" لمدة لا تقل عن ستة أشهر.
كما طالب دوبريندت بترحيل الأجانب الذين يرتكبون "جرائم معادية للسامية"، وسحب جوازات السفر من المواطنين الألمان الذين يحملون جنسية مزدوجة. غير أن ما يعتبره دوبريندت "نقدًا مشروعًا" لإسرائيل، وما يعتبره تحريضًا أو معاداة للسامية، لا يزال غير واضح بشكل خطير.
يتماشى هذا الخطاب المتشدد مع الموقف الأكثر صرامة تجاه المهاجرين واللاجئين، الذي يتبناه حزبا الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد المسيحي الاجتماعي بقيادة ميرتس، وسيشكل توجهات الحكومة الجديدة.
تعميق التعاون مع إسرائيل
من المرجح أن يلعب مبدأ "إسرائيل مصلحة عليا بالنسبة للدولة" (الألمانية) دورًا أكبر في سياسات التعليم في المستقبل مقارنة بالسابق. بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وصفت وزيرة التعليم والأسرة الجديدة، كارين بريين المنتمية أيضًا للاتحاد الديمقرايطي المسيحي —وهي أول وزيرة يهودية في ألمانيا—، شعار "فلسطين حرة" بأنه "صرخة معركة لعصابة إرهابية دولية". وقد دعت بريين إلى تجميد المساعدات المالية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وبعد توليها منصب وزيرة التعليم، ستكون مسؤولة أيضًا عن "إنشاء أول مركز تعليمي لمتحف ياد فاشيم خارج إسرائيل"، كما جاء في الاتفاق الائتلافي، وبهذا، سيتم ربط سياسات الذاكرة الألمانية بالدولة الإسرائيلية. علمًا بأن مدير ياد فاشيم منذ عام 2021 هو السياسي ورجل الأعمال المثير للجدل داني ديان، المقرب من نتنياهو وحركة المستوطنين.
تواصل الحكومة الألمانية الجديدة البناء على مستوى التعاون الواسع أصلًا مع إسرائيل. وتُعدّ ألمانيا أهم حليف لإسرائيل في أوروبا، وثاني أكبر مورد للأسلحة لها بعد الولايات المتحدة.
وكانت الحكومة الألمانية السابقة قد عمّقت بالفعل التعاون مع إسرائيل، على سبيل المثال في مجالات العلم والبحث، من خلال مشروع إنشاء مكتب شبابي ألماني-إسرائيلي لتعزيز برامج التبادل بين الشباب. ومن المتوقع أن تواصل الحكومة الجديدة هذا النهج.
تصعيد وتيرة القمع
نادرًا ما توجد دولة يكون فيها النقاش حول إسرائيل وفلسطين منظمًا وخاضعًا للرقابة، كما هو الحال في ألمانيا، حيث يتزايد مستوى القمع الممارس ضد الأصوات الناقدة للحكومة الإسرائيلية. ومنذ أشهر، تتبع الشرطة الألمانية نهجًا صارمًا للغاية تجاه المظاهرات المناهضة للحرب في غزة، حيث تقمع حتى أصغر التجمعات.
وقد جرى إلغاء عدد لا يُحصى من الفعاليات —مثل الحفلات والعروض المسرحية والمعارض والمؤتمرات بأكملها— خلال العام الماضي. كما جرى تهميش العديد من الفنانين والمفكرين لمجرد انتقادهم إسرائيل بشدة. ومن المرجّح أن يتصاعد هذا الاتجاه، الذي تسارع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أكثر فأكثر. ففي ظلّ قيادة ميرتس، تؤيد الحكومة الجديدة سياسة خالصة لمبدأ "إسرائيل مصلحة عليا لألمانيا".
قنطرة ©