مخاوف تحول "مظاهرات غزة" إلى احتجاجات ضد حكومات عربية
في أواخر الشهر الماضي أكتوبر/ تشرين الأول 2023 سمحت الحكومة المصرية بأمر طالما اعتبرته من قبيل المحرمات على مدار سنوات، وهو: التظاهر. أعطت السلطات الضوء الأخضر لتنظيم مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين، لكن تحت شروط صارمة وفي أماكن معينة.
وقال مراقبون إن بعض تلك الاحتجاجات كانت برعاية الدولة بشكل واضح، حيث جرى نقل المتظاهرين على متن حافلات مع ترديد هتافات متضامنة مع غزة ومؤيدة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
لكن بعض المظاهرات كانت عفوية وبعيدة عن الترتيبات الحكومية؛ إذ شهد ميدان التحرير وسط القاهرة، الذي كان بؤرة احتجاجات عام 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك إبان موجة الربيع العربي، مظاهرات داعمة لغزة. هناك جرى ترديد شعار "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" الذي يعد أيقونة ثورة يناير قبل 12 عاماً.
"لعبة تنفيسية"
وقال حسام الحملاوي -الناشط المصري المتخصص في العلوم السياسية والمقيم في ألمانيا- إن "القضية الفلسطينية كانت دائماً عاملاً سياسياً محفزاً للشباب المصري عبر الأجيال".
وفي مقابلة مع دي دبليو أضاف: "مثلت القضية الفلسطينية البوابة السياسية للعديد من النشطاء السياسيين المصريين سواء من قاد ثورة يناير أو من شارك في احتجاجات سابقة. وكانت انتفاضة 2011 في مصر حرفياً بمثابة ذروة عملية بدأت مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية قبل عقد من الزمن آنذاك".
وقال حسام الحملاوي إن السلطات أقدمت على قمع المعارضة بشكل أكثر صرامة بما في ذلك اعتقال أكثر من مئة شخص وتعزيز التواجد الأمني في الميادين العامة في محاولة للحيلولة دون تحول مظاهرات دعم غزة إلى احتجاجات مناهضة للحكومة.
ولم تكن الحكومة المصرية الاستثناء الوحيد من حكومات المنطقة التي يساورها قلق بالغ من أن تهدد القضية الفلسطينية الوضع السياسي الراهن في البلاد خاصة أن هذه القضية مازالت تحظى بتعاطف شعبي كبير في الشرق الأوسط.
بدوره، يرى غوست هلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "مجموعة الأزمات الدولية"، أن قادة المنطقة "لطالما نظروا إلى القضية الفلسطينية كوسيلة يمكن استغلالها لتنفيس الغضب الشعبي". لكنه شدد في مقابلة مع دويتشه فيله أن الأمر يحمل في طياته مخاطر: "إنه سلاح ذو حدين. فعندما تكون الظروف في بلد ما سيئة للغاية يمكن أن تأخذ الاحتجاجات منحى يسلط الضوء على الوضع الداخلي لتنقلب الاحتجاجات ضد النظام الحاكم". وأشار إلى خطورة هذه اللعبة: "هناك خطر من فقدان القادة السلطويين السيطرة على الاحتجاجات لتتحول ضدهم".
دول بمقدورها الوساطة بين حماس وإسرائيل
دعت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين إلى بذل جهود لتخفيف صراع حماس وإسرائيل. فإلى أي مدى دول الشرق الأوسط قادرة على التوسط ونقل الرسائل بينهما؟ استعلام كاثرين شير.
البحرين وتونس
ورغم أن البحرين حظرت الاحتجاجات منذ عام 2011 إلا أنها سمحت بتنظيم مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين الشهر الماضي في واحدة من أكبر الاحتجاجات منذ مظاهرات الربيع العربي في الدولة الخليجية قبل 12 عاماً. وأفادت تقارير بأن بعض المتظاهرين حملوا لافتات تصور عاهل البلاد -الملك حمد بن عيسى آل خليفة- وهو يصافح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فيما جرى استدعاء شرطة مكافحة الشغب لتفريق الاحتجاجات.
ولم يتوقف الأمر على مصر والبحرين؛ إذ شهدت تونس هي الأخرى احتجاجات كبيرة مؤيدة للفلسطينيين. وقال مراقبون إن الرئيس التونسي قيس سعيد طالما استغل في السابق القضية الفلسطينية لكسب التعاطف الشعبي في البلاد بما يسهم في تعزيز شعبيته.
وفي هذا السياق كتب خبراء في مجموعة الأزمات: "أحد دوافع سعيد لاتخاذ موقف رنان وإثارة الغضب الشعبي (ضد قصف غزة) ربما يتمثل في محاولة منه لصرف الانتباه بعيداً عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالبلاد منذ سنوات".
وكان قيس سعيد قد أبدى دعماً لمشروع قانون يجرم التطبيع مع إسرائيل، لكنه تراجع في الآونة الأخيرة عن ذلك حيث قال إن التشريع ربما سيضر بآفاق تونس الاقتصادية والدبلوماسية المستقبلية.
استياء شعبي
وحول ذلك قال الحملاوي إن الوضع "يكشف مدى ضعف الأنظمة العربية بما فيها مصر وفشلها في التأثير في مجريات الأحداث في غزة خاصة حماية الفلسطينيين أو التوصل إلى وقف لإطلاق النار". وأضاف: "هذا الأمر يثير استياءً شعبياً واسع النطاق وهو ما يمكن رصده جلياً في منصات التواصل الاجتماعي حيث يشارك كثيرون بحماسة آخر مستجدات الصراع، لكنهم ينشرون أيضاً صوراً ورسوماً كاريكاتورية ونكات ساخرة من السيسي وغيره من الحكام العرب".
لكن الحملاوي أشار إلى أن الأمر لا يعني بالضرورة أن تفضي الاحتجاجات الحالية المؤيدة للفلسطينيين إلى موجة احتجاجية جديدة مؤيدة للديمقراطية على الأقل بشكل مباشر، مضيفاً: "لسنا على وشك رؤية موجة احتجاجية على غرار مظاهرات ثورة يناير، ويعود ذلك إلى الفرق الكبير بين المعارضين في الوقت الراهن من جهة وبين معارضي عام 2011 من جهة أخرى".
وعزا الأمر كذلك إلى قيام السيسي بقمع كافة الأصوات المعارضة تقريباً رغم وجود مؤشرات ضئيلة يشير إلى وجود معارضة، قائلاً: "لذا يمكن القول إنه كلما طال أمد الحرب [في غزة] زاد احتمال حدوث شيء ما".
وبحسب مراقبين يتزامن هذا مع مساعي دول الشرق الأوسط -التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل أو الأخرى التي هي في طور التطبيع- إلى تحقيق توازن بين التصريحات العلنية الغاضبة إزاء الأحداث في غزة وبين السياسة الواقعية التي تدور خلف الكواليس والأبواب المغلقة.
وذكرت مجلة إيكونوميست في تقرير أنه "في محادثات غير رسمية تحدث بعض المسؤولين العرب عن حماس وغزة بنبرة يُتوقع أن تصدر من اليمين الإسرائيلي". وأضاف التقرير "إنهم لا يتعاطفون مع جماعة إسلامية تدعمها إيران. لكنهم لا يجرؤون على التصريح بذلك علناً".x^x
هل انتصرت الثورات العربية المضادّة؟
ما نشهده اليوم من دعوات للتطبيع مع نظام إجرامي مثل نظام بشار الأسد، الذي قتل وشرد وهجّر الملايين من أبناء الشعب السوري، عنوان لمرحلة جديدة من انتصار الثورات المضادة وإعلان لعودة النظام العربي القديم، لكنه سيكون أكثر صلابة وأشدّ قمعاً للشعوب. تعليق علي أنوزلا
قمة عربية-إسلامية
ورفضت قمة مشتركة لقادة الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في الرياض توصيف حرب إسرائيل في غزة بأنها تأتي "دفاعاً عن النفس"، واصفين تلك الحرب بأنها "انتقامية". كما طالبوا مجلس الأمن الدوليّ بقرار "حاسم ملزم يفرض وقف"، ما وصفوه بـ"العدوان" الإسرائيلي في غزة.
وجاء في الإعلان النهائي أيضاً: "مطالبة جميع الدول بوقف تصدير الأسلحة والذخائر" إلى إسرائيل. كما دعوا إلى "كسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري".
ومن شأن القادة العرب طرد السفراء أو قطع النفط ليعكس ذلك الغضب الشعبي الكبير في العالمين العربي والإسلامي تجاه استمرار الحرب الدامية، لكن مخرجات القمة لم تخيِّب ما كان قد توقعه مراقبون قبل انعقادها من أن القرارات لن تلبي التوقعات الشعبية.
وعن ذلك قال غوست هلترمان -مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "مجموعة الأزمات الدولية"- إن "الانظمة (العربية والإسلامية) ترغب في بعث رسالة مفادها أنها تفعل شيئاً ما، حتى لو لم تفعل الكثير". وأضاف أن حكومات الشرق الأوسط ربما تحاول الضغط على الولايات المتحدة لكبح جماح إسرائيل أو ربما التلويح بسحب السفراء، أو حتى سحبهم بالفعل.
وأكدت القمة صدق توقع الخبير: "لن يتم قطع العلاقات مع إسرائيل لأن تلك العلاقات تصب في صالح الأنظمة. والأمر برمته لا يتعدى التشدق بالقضية الفلسطينية على غرار ما تفعله تلك الحكومات منذ عقود".
ويتفق في هذا الرأي حسام الحملاوي -الناشط المصري المتخصص في العلوم السياسية والمقيم في ألمانيا- قائلاً: "تلك القمم نوع من حملات العلاقات العامة. ولن تخرج بأي شيء جوهري، ناهيك عن إعلان أي طرف الحرب (على إسرائيل)".
كاثرين شير
ترجمة: م.ع
حقوق النشر: دويتشه فيله 2023
المزيد من مقالات قنطرة التحليلية:
قطيعة بين الغرب والعالم الإسلامي بسبب حرب غزة؟
اختلال توازن الخطاب الألماني حول حرب غزة
ما بعد الجحيم - خمسة سيناريوهات لمستقبل غزة
موقف ألمانيا من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: حاجة إلى تعاطف غير منقوص مع كل الضحايا