إمام وحاخام لتعزيز حوار مدارس برلين حول نزاع الشرق الأوسط
إندر تشِتين وإلياس دراي، يزوران المدارس في برلين بشكل منتظم منذ حوالي سبع سنوات. أحدهما إمام مسلم والآخر حاخام يهودي. كلاهما يفعلان ذلك بشكل منتظم ودائما معا. وهما جزء من برنامج "لقاء من أجل الاحترام meet2respect".
ولكن منذ هجوم حركة حماس الدامي -الذي سقط فيه أيضاً مدنيون إسرائيليون قتلى قبل أكثر من شهر والعملية العسكرية الإسرائيلية التي عقبته في قطاع غزة- تغير كل شيء. يقول تشِتين في مقابلة مع دي دبليو: "الآن تتم دعوتنا باستمرار لإطفاء الحرائق في المدارس، وكأننا مركز إطفاء تقريبا". ويضيف دراي بأنه كل عشر دقائق تقريبا يتصل شخص ما للاستفسار عن إمكانية حضورهما للمدرسة.
هذا الأسبوع يقومان يومياً بزيارة مدارس في برلين. وفي يوم الأربعاء تمت دعوتهما من جانب الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير لحضور "طاولة مستديرة" نُظمت على عجل، تناقش موضوع "الحرب في الشرق الأوسط: كيف يمكن أن يسير التعايش السلمي في ألمانيا".
زيارات للمدارس وأهميتها للأطفال
تأسس المشروع في عام 2013 من قبل جمعية غير ربحية في برلين. وقبل ذلك بعام، فقد تعرض حاخام في برلين للإهانة والضرب والإصابة في الشارع، في وضح النهار، وذلك أمام عيني ابنته البالغة من العمر سبع سنوات. والآن يزور عدد من رجال الدين المدارس. وهناك بين الحين والآخر نشاطات أخرى يقومون بها بشكل جماعي. ففي عام 2018 ركب الحاخامات والأئمة -إلى جانب رجال دين آخرين- الدراجات في وسط مدينة برلين، وظهروا جميعا بمزاج جيد. والآن غدا دراي وتشِتين صديقين، كما يقولان. أن يقوم رجال الدين بزيارات مدرسية مشتركة هذا أمر نادر وخاصة في برلين، التي لا يوجد فيها -على عكس بقية الولايات الفيدرالية الأخرى- تعليم ديني في المدرسة، ويتم إهمال موضوع التعليم الديني.
لكن الأوقات الآن صعبة جدا، ولم يعد ركوب الدراجات بشكل جماعي أمرا كافيا لشرح أهمية التعايش السلمي في المجتمع. يشرح شتيفان دول، رئيس نقابة المعلمين الألمان، في حديث لـ دويتشه فيله كيف يشكل الإرهاب والحرب القاسية في الشرق الأوسط تحديا للمعلمين، ليس فقط في برلين ولكن في جميع أنحاء ألمانيا. وبطبيعة الحال فإن هذا الموضوع -ككل الأحداث الكبرى في العالم- يمتد تأثيره حتى إلى "المدارس لأن هناك حاجة للنقاش".
ووفقا لشتيفان دول، فإن الحرب في الشرق الأوسط، وحق دولة إسرائيل في الوجود، والقضية الفلسطينية، وعلى نطاق أوسع مسائل معاداة اليهودية أو معاداة السامية هي موضوعات هامة حتى بين التلاميذ الأصغر سنا. فمثلا "تلميذ في الصف الخامس لم يسمع الكثير بعد عن المحرقة (الهولوكوست). وهذا يعني أن الشباب يفتقرون إلى معرفة أساسية معينة ليتمكنوا من مناقشة الأمور على نفس السوية مثل الأكبر سنا. وهذا ما يصعّب مهمة المعلمين".
والتلاميذ من أصول غير ألمانية لم يسبق لهم أن ناقشوا "أشياء معينة" ضمن عائلاتهم. ويؤكد رئيس نقابة المعلمين أن "هؤلاء الأطفال لا ذنب لهم في ذلك". ويضيف: "إن الأطفال المسلمين -بطبيعة الحال-!يميلون إلى أن يقال لهم في العالم الذي يعيشون فيه إن ما تفعله دولة إسرائيل ليس صحيحاً، وإن وجودها بحد ذاته يجب أن يكون موضع تساؤل".
ويشير شتيفان دول إلى دعوة لجمع التبرعات نظمتها جمعية المساجد التركية ديتيب لصالح الفلسطينيين في قطاع غزة، والتي استخدمت خريطة "لا تظهر عليها دولة إسرائيل على الإطلاق". وهذا يتناسب مع التصور العام. فمن الصعب بدء مناقشة تنتقد الذات.
ويقول المسؤول التربوي: "كلما كان الشباب أصغر سنا كان الأمر أكثر صعوبة. وكلما كبروا أصبح من الأسهل التأثير عليهم، وبشكل خاص في الفصل الدراسي". ومن ثم بدءا من الصف التاسع تقريبا، يتم تغطية الموضوعات ذات الصلة في المواد الدراسية.
الدهشة في الفصل الدراسي
هذا هو العالم الذي يذهب إليه دراي (46 عاما) وتشِتين (47 عاما). يقول كلاهما إنهما لم يتعرضا قَطُّ للإهانة الشخصية أو للانتقاد الشديد خلال اللقاءات في المدرسة. ويقول دراي: "نلتقي أيضا بتلاميذ لم يسبق لهم أن رأوا حاخاما أو حتى شخصا يهوديا". ويتحدث تشِتين عن "الدهشة" التي يمكن للمرء أن يسجلها "بالتأكيد" إذا حضر رجلا الدين معا إلى الفصول الدراسية. و"بالنسبة للشباب، يعتبر الإمام دائما مرجعا يحظى بالاحترام".
ومن المهم أيضا لكليهما أن نشاطهما لا يقتصر على مناقشة معاداة السامية في أوساط المسلمين. فهما حتى عندما يحضران إلى الفصول المدرسية بدون أطفال مهاجرين، فإن هناك حوارات صعبة. يقول الإمام: "الموضوع الآخر هو العنصرية ضد المسلمين". ويتحدث الحاخام أيضا عن ضرورة مكافحة هذه العنصرية ضد المسلمين من أجل بناء مجتمع منفتح.
المسلمون لم يهتفوا بـ "موت اليهود"...حان الوقت لاعتذار الإعلام الالماني
نشرت صحف ألمانية تقارير عن مظاهرات للمسلمين معادية للسامية في برلين بعد قرار واشنطن حول القدس. لكنها أخبار كاذبة وآن أوان الاعتذار عن شيطنة المسلمين وتخويف اليهود بلا ضرورة، كما يرى الكاتب اليهودي آرمين لانغَر في تعليقه التالي.
حجم التحديات التي يواجهها قطاع التعليم الألماني، بعد شهر من هجوم حماس القاتل يظهر في الأرقام التي نشرتها الوكالة الاتحادية للتعليم السياسي. فالعديد من المعلمين يبحثون دائما عن المواد التعليمية المناسبة التي أعدتها هذه المؤسسة الاتحادية. ولقد وافتنا الوكالة بجواب على سؤال دي دبليو حول كيف تطور الطلب على المنتجات المطبوعة، المتعلقة بموضوع الشرق الأوسط، خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول.
فبالمقارنة مع الأشهر التسعة الأولى من عام 2023 ازداد الطلب بأربعة أمثاله على منشورات مثل: "معاداة السامية الجديدة؟ استمرار النقاش العالمي"، أو "معاداة السامية - أوراق تناقش الموضوع خاصة للفصول الدراسية" أو "الحديث عن إسرائيل. مناظرة ألمانية"، مقارنة بالأشهر السابقة من هذا العام.
زيادة الطلب على المواد التعليمية
كما سجّلت الوكالة الاتحادية للتعليم السياسي "زيادة حادة في الزيارات على موقعها الإلكتروني، فيما يتعلق بمواضيع خاصة بإسرائيل، على خلفية هجوم حماس الإرهابي".
وسجلت الملفات الموجودة على الإنترنت حول إسرائيل والصراع في الشرق الأوسط بشكل عام -والتي كانت متاحة قبل 7 أكتوبر- زيادة في أعداد الوصول اليومية بنحو 1500 بالمئة.
وهذا يتوافق مع "صورة مركز الإطفاء" التي تحدث عنها الإمام تشِتين. فعندما يصل طلب إلى رجلي الدين غالبا ما يكون الأمر بسبب صراعات في ساحة المدرسة، أو خلافات حول الصور والحظر الذي يتم فرضه.
فهل الدروس المدرسية الفردية كافية؟ يقول تشِتين: "إنه أمر مهم". ويضيف: "عندما يأتي الإمام والحاخام وهما أصلا متفاهمان بشكل جيد". ويلتقيان في بعض الأحيان بتلاميذ التقيا بهم سابقا في الفصل قبل ثلاث سنوات أو أكثر، "بعد ذلك نحصل دائما على ردود فعل جيدة"، يقول دراي مضيفا: بفضل ذلك ربما تكون هناك مناقشات "تساعد على ضمان عدم انفجار الوضع في ظل المزاج العام السائد" حاليا.
كريستوف شتراك
ترجمة: ف.ي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2023