أساطير التغريب وأوهام أسلمة أوروبا...وقود للعنصرية الجديدة
السيد ساوندرس، سياسيون على غرار الألماني تيو ساراتسين والهولندي خِيرت فيلدرز يزعمون أن المسلمين سيزحفون على الغرب – على الأقل ديمغرافيا. هل تؤيد هذا الرأي؟
دوغ ساوندرس: لا. فالحقائق تتحدث عن واقع آخر. أنا شخصيا عشت في دول إسلامية كثيرة، مثل إيران وبنغلاديش، وقمت برفقة فريق من العلماء بأبحاث حول الظروف المعيشية للمهاجرين. وتوصلنا إلى أن نسبة الولادات في هذه الدول تضاهي أحيانا معدل الولادات في الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى أن المسلمين لا يمثلون أغلبية المهاجرين في أوروبا وفي أمريكا الشمالية. كما أن نسبة الولادات لديهم ليست أكبر مقارنة بالفئات الأخرى. ربما كان ذلك لدى الجيل الأول من المهاجرين، ولكن الأمر يختلف لدى الجيل الثاني والثالث، فنسبة الولادات لديهم تضاهي المعدل في المجتمع.
منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول ترسخت في رؤوس كثيرة صورة المسلم المستعد لاستخدام العنف بنزعة نحو التطرف...
دوغ ساوندرس: نعم، للأسف. وذلك على الرغم من أننا قمنا بمقارنة العديد من الدراسات ذات المصادر المختلفة، من الأمم المتحدة والإحصائيات الوطنية وتقارير المخابرات، وكلها وصلت إلى نفس النتيجة: وهي أنه ليس للمسلمين المتدينين قابلية للفكر المتطرف، وإنما العديد من المتطرفين يستخدمون الصورة الدينية لتحقيق أهدافهم السياسية دون أن يكونوا فعلا متدينين. بعد 11 من سبتمبر/ أيلول عام 2001 قامت الشرطة في نيويورك بمراقبة الجالية المسلمة – وخاصة المتدينين منهم. ولكنها لم تعثر على أي مؤشر يثير الشبهات، ذلك لأنها لم تكن تبحث في الجهة الصحيحة.
ماذا يعني ذلك؟
دوغ ساوندرس: يعني أن معظم الإرهابيين من المسلمين المعروفين ينحدرون من الطبقة الوسطى وليس من أحياء المهاجرين الفقيرة. كما أن المتطرفين يتشابهون – بغض النظر عن ألوانهم – في واقعهم وفي تفكيرهم. لنأخذ مثلا النرويجي أندرس بريفيك الذي قتل 77 شخصا، مبررا ذلك بأنه كان يريد وقف تسلل الإسلام وانتشاره في المجتمع النرويجي. وفي الوقت نفسه كان من كبار المعجبين بالإرهابي أسامة بن لادن. إذن نرى بأن القناعات الدينية لا تلعب أي دور في تحوُّل المرء إلى متطرف من عدمه.
إذن من أين أتت هذه المخاوف؟
دوغ ساوندرس: من أعماق داخلنا. إنها مخاوف من الآخرين الذين لا نعرفهم. حتى أنا لا يمكنني أن أحرر نفسي من هذه المخاوف. وهذا هو السبب الذي دفعني إلى الاهتمام بهذا الموضوع، ففي جواري في لندن لاحظت أن أحد المتطرفين المنتسبين إلى تنظيم القاعدة قد بدأوا بفرض فكرهم المتطرف في المسجد الكائن في الحي الذي أسكنه. وفي عام 2005 أصيب أحد أصدقائي بجروح بليغة في الهجوم الذي تعرض له مترو الأنفاق في لندن. عندها بدأت أسأل نفسي عما إذا كان عالمي الغربي الليبرالي مهدد بالفعل من الإسلام؟
ماهي العوامل التي تصعّب من عملية التخلص من الأفكار المسبقة؟
دوغ ساوندرس: نحن دائماً نتحدث عن المسلمين بصفة عامة. ولكن المسلمين ليسوا وحدة متجانسة، بل هناك اتجاهات عديدة ومختلفة، من ليبراليين على غرار العلويين إلى محافظين متشددين على غرار الوهابيين. فعائلة باكستانية هاجرت من قرية صغيرة إلى لندن تختلف عن عائلة إيرانية مهاجرة من الطبقة الوسطى.
هل هذا يعني أن الدين ليس العامل المحدد لنجاح الاندماج من عدمه وإنما الانتماء الاجتماعي؟
دوغ ساوندرس: نعم. ثمة دراسات كثيرة تظهر أن المهاجرين من نفس المنطقة يواجهون نفس المشاكل التي تزيد من صعوبة اندماجهم على الرغم من أنهم ينتمون لديانات مختلفة.
هل للمناطق التي تسكنها أغلبية تركية وعربية، على غرار تلك الموجودة في برلين، دلالة على وجود مجتمع مواز؟
دوغ ساوندرس: لا، هذا ليس صحيحا. لنأخذ نيويورك كمثال تاريخي، ففي الجانب الشرقي للمدينة كان يعيش ولعقود طويلة مهاجرون من دول مختلفة وبخلفيات عرقية ودينية مختلفة: يهود من أوروبا الشرقية وكاثوليك من جنوب أوروبا وأرثوذكس من اليونان – وكان لكل جالية حي خاص بها. وكان يُنظر آنذاك إلى هذه الجاليات بشكّ وريبة، واليوم هي من أكثر الجماعات المهاجرة نجاحا في الولايات المتحدة، على الرغم من أن كُلاً منها كان يعيش في حيه الخاص.
إذا قارنتَ سياسات الهجرة الأوروبية بعضها ببعض، فأين ترى الفوراق بينها؟
دوغ ساوندرس: الدول الاسكندنافية مثل السويد أو النرويج بدأت مبكرا بمنح المهاجرين الذي يعيشون فيها الجنسية وطورت برامج تعليم وتأهيل وفقا لمتطلباتهم. ألمانيا كانت للأسف بطيئة، فقد تمَّ في ألمانيا - ولمدة ثلاثين عاما - تجاهل حقيقة أنها دولة مستقبلة للمهاجرين. الجدير بالاهتمام أن المهاجرين المنحدرين من نفس القرية في الأناضول والذين هاجروا إلى بريطانيا اندمجوا بسرعة أكبر في المجتمع البريطاني، حيث قاموا بفتح محلات صغيرة واهتموا بتعليم أبنائهم، بشكل أبكر من أولئك الذي قدموا إلى ألمانيا.
إذن مفتاح الاندماج يكمن في التعليم والرفاهية؟
طبعا! عندما لا يتم قبول المهاجرين كمواطنين عاديين في المجتمع، وعندما توضع عراقيل تحول دون تسلقهم في سلم التحصيل العلمي أو الرقي الاقتصادي، عندها يصبح الوضع خطيرا. الإقصاء يَحُول دون الاندماج. وهذا الأمر ليس له أي علاقة بالدين.
آيغول تشزمغيولو
ترجمة: شمس العياري
تحرير: عبد الرحمن عثمان
حقوق النشر: دويتشه فيله
دوغ ساوندرس، من مواليد عام 1967، كاتب وصحفي كندي-بريطاني. وتثميناً لعمله الصحفي البحثي حصل أربع مرات على جائزة الصحيفة الوطنية الكندية (National Newspaper Award)، وهذه الجائزة نظيرة لجائزة بولتزر التي تمنحها جامعة كولومبيا الأمريكية في مجال الصحافة.