نجم مصر الساخر باسم يوسف و''ثورة السراويل الداخلية''
باسم يوسف، المقدّم التلفزيوني الساخر الذي كان يعمل جرّاحاً للقلب، هو بلا شك أحد الذين خرجوا رابحين من الثورة المصرية. فبعد بدايتها بفترة قصيرة استطاع يوسف أن يغزو قلوب المصريين ببرنامجه التلفزيوني الساخر الذي يستلهم العرض الكوميدي الذي يقدمه الأمريكي جون ستيوارت.
في البداية كان باسم يوسف يضع فقرات برنامجه على اليوتيوب في شبكة الإنترنت، ولكنه سرعان ما انتقل ببرنامجه إلى شاشة التلفزيون، إلى قناة "أون تي في" ON TV الخاصة، قبل أن ينتقل في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 إلى القناة المنافسة "سي بي سي" CBC. على برنامجه أطلق يوسف ببساطة اسم: "البرنامج".
الظهور بلحية مستعارة
لا يخشى النجم التلفزيوني البالغ من العمر 38 عاماً الاقتراب من شيء أو أحد عندما يقدم برنامجه في مساء كل يوم جمعة، عارضاً فيه مشاهد من الأخبار التلفزيونية السياسية بعد أن يضيف إليها توابله الساخرة. ولا ينجو أحد من سهام سخريته النقدية اللاذعة والمرحة، سواء من الإسلاميين أو من خصومهم العلمانيين. وهكذا راح باسم يوسف عشية الانتخابات البرلمانية والرئاسية يقلد على نحو ساخر عديداً من المرشحين للانتخابات، ولتقديم هذه الفقرة أو تلك قام بلصق لحية مستعارة على وجهه.
أثار يوسف السخط في الفترة الأخيرة لدى كل من المعسكر العلماني والديني على حد سواء، وذلك عندما سدد سهام نقده إلى الجماعات السياسية المنقسمة على ذاتها، عارضاً مطالبها المتباينة كل التباين والمضحكة في بعض الأحيان.
أما التصريح الذي أدلى به أحد السياسيين العلمانيين أمام الكاميرات في ميدان التحرير بأنه يجب توفير عدد كاف من دورات المياه العمومية لكي يستخدمها المتظاهرون، وأيضاً توفير عدة مئات من السراويل الداخلية النظيفة لهم، فقد ألهم يوسف لكي يقدم فقرة ساخرة أصبحت شهيرة للغاية، انتقد فيها هذا العدد الضئيل من السراويل المجانية التي يتم توفيرها لمتظاهرين يشاركون في تظاهرة مليونية.
الثورة المصرية "ثورة كيلوتات"
في إحدى الفقرات الساخرة سخرية مريرة حوّل المذيع الساخر قطعة الملابس هذه إلى قضية سياسية، والثورة المصرية إلى "ثورة كيلوتات". وبينما كان الجمهور الحاضر في الاستديو لا يكاد يستطيع أن يتماسك من الضحك، فإن باسم يوسف كان قد أعد اقتراحات للشعارات المحتجة، ثم قام بعرض نماذج مختلفة لأكثر "الكيلوتات" ثوريةً.
أما التصفيق الأكثر حدة فقد حصده نموذج لسروال داخلي كان يلبسه عارض علقَ عليه لافتة كُتب عليها "الحرية". وعند الحاجة، هكذا نصح باسم يوسف مشاهديه، يمكن استخدام الملابس الداخلية لأغراض أخرى –كلافتة دعاية أو كعلم، مثلاً.
بعد ذلك حان دور الإسلاميين، إذ راح يوسف يتهكم على أسلوبهم في تضخيم مظاهراتهم وأعداد المشاركين فيها تضخيماً كبيراً، وتفاخرهم بأعداد المشاركين التي تتجاوز عدة ملايين. في مشهد تلفزيوني عُرض على الشاشة كان المذيع في الاستوديو يسأل موظفاً ذا درجة رفيعة في الدولة كان متواجداً في مكان الحدث عما إذا كان قد شارك في المظاهرة بالفعل عشرة ملايين مثلما أُعلن.
لا، كانت الإجابة الهادئة، إنهم يبلغون 50 ألفاً على أقصى تقدير: والمقصود بهذا العدد، هو عدد الأشخاص في كل متر مربع، بحسب تعليق يوسف المتهكم.
غُصّة في حلق المتعصبين
يهوى الساخر باسم يوسف تعرية التصريحات السياسية الحماسية لبعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين وإظهار مدى الخواء والتناقض والتشوش الذي تحتويه. ولهذا يوجهون السباب للنجم التلفزيوني ومشاهديه باعتبارهم "شواذاً وكفرة"، مثلما فعل الخطيب التلفزيوني السلفي الشيخ خالد عبد الله، وهو ما استخدمه يوسف بكل ترحاب مادةً للتقليد الساخر في إحدى حلقاته الأخيرة.
أما نقده لاستخدام السلفيين للدين قبل الاستفتاء على الدستور فقد أثار غضباً أعظم في دوائرهم. وهكذا نجد أن الشيخ أبو إسلام عبد الله يريد منع "الإهانات" التي ينشرها يوسف، ولذلك يحرض ضده في القناة التلفزيونية السلفية "الأمة"، علماً بأن الشيخ أبو إسلام عبد الله هو الذي اشتهر في العالم كله بعد أن قام بحرق الإنجيل أمام السفارة الأمريكية في القاهرة قبل عدة شهور.
منع إذاعة برنامج يوسف الساخر كان أيضاً مطلباً توجهت به إحدى الجماعات المتعصبة إلى لجنة الفتاوى في الأزهر الشريف، غير أن علماء اللجنة رفضوا ذلك مشيرين إلى حرية الرأي التي يفرض الإسلام أيضاً احترامها.
حتى الآن أخفقت كل محاولات الإسلاميين لتكميم فم باسم يوسف، ولذلك فإن أحد المحامين من المعسكر المضاد يأمل في أن ينجح في إخراس النجم التلفزيوني المشاغب. رمضان عبد الحميد الأقصري – الذي ينتمي لقيادة المعارضة التي يقودها محمد البرادعي تحت مسمى "جبهة الإنقاذ الوطنية"، والمعروف بحبه الجم لرفع القضايا – قدم مؤخراً بلاغاً ضد المذيع الساخر يتهمه فيه بإهانة الرئيس.
الرئيس مرسي هدفاً دائماً للسخرية السياسية
وبالفعل فإن باسم يوسف يتخذ من الرئيس محمد مرسي هدفاً للسخرية الدائمة في عرضه. وفي الشهور الأخيرة لم يهاجم يوسف الخطاب البلاغي للرئيس الساعي للمصالحة فحسب، بل أيضاً محاولاته في تصوير نفسه على أنه الأب المحبوب لدى الأمة المصرية. "مرسي ديكتاتور؟"، تساءل الساخر متشككاً، ثم عرض على المشاهدين صوراً للطغاة "الحقيقيين"، مثل ستالين وموسوليني وهتلر.
وفجأة رفع يوسف وسادة حمراء عليها صورة مرسي، أي أن الساخر يوسف يعتبره رئيساً صالحاً للاحتضان والتقبيل، بل وله تأثير المهدئات بشكل فعال ومضمون: "بمجرد أن تضع ابنتي الصغيرة رأسها على هذه الوسادة، تنام على الفور".
"الوسادة الرئاسية" التي امتدحها الساخر هي بالنسبة للمحامي الأقصري دليل كافٍ على ارتكاب يوسف جريمة إهانة الرئيس، وهي جريمة يمكن إثباتها بكل سهولة عليه. وقد أعلنت النيابة العامة المصرية مؤخراً أنها بدأت التحقيق في القضية المرفوعة على باسم يوسف، الأمر الذي، على ما يبدو، ألهم أعداءه الإسلاميين، إذ إنهم قدموا أيضاً بلاغاً ضده، يتهمون يوسف فيه بارتكاب سلسلة كاملة من الإهانات الموجهة للدين الإسلامي.
ليس هذا فحسب بل إنهم يتهمونه أيضاً بتهديد السلم الاجتماعي في مصر، هذه التهمة هي صياغة أخرى للاتهام الشائع الذي يوجهه خصوم يوسف السلفيون، وهو أنه بفقراته الساخرة يثير "الفتنة" بين المسلمين.
وقد انضم أيضاً محمد حسن أبو العينين، الممثل القانوني للإخوان المسلمين، إلى فريق رافعي القضايا على يوسف، إذ أنه أسرع وقدم بلاغاً مؤخراً بتهمة إهانة الرئيس، وهذا البلاغ لم يكن ضد باسم يوسف فحسب، بل شمل أيضاً مدير محطة سي بي سي، والمشرفين على القمر الاصطناعي "نايل سات" الذي يقوم ببث برامج يوسف.
غير أن المحكمة رفضت طلب أبو العينين بوقف بث حلقات البرنامج الساخر على الفور. ولكن هذه القضية لن تكون الأخيرة من نوعها بكل تأكيد.
يوزف كرواترو
ترجمة: صفية مسعود
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013