مبدأ ولاية الفقيه بين المفاهيم الشيعية والتجربة الخمينية
ما هو مبدأ ولاية الفقيه، وما هي الاختلافات بين تفاصيله بين المرجعيات الدينية الشيعية؟
إياد جمال الدين: هو مبدأ مستورد من الفقه السني، وليس له جذر شيعي أبدا، وأول من نصّ على أن للفقهاء ولاية على الناس وأنهم خلفاء الرسول هو الفقيه الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية، وهو فقيه سني، وبعد نحو 300 إلى 400 عام، استورد أحد فقهاء الشيعة واسمه "علي ابن عبد العال الكركي" هذه الفكرة.
الكركي درس في الأزهر الشريف بمصر، ومن هناك اقتبس فكرة الماوردي وأدخلها إلى الفقه الشيعي وحاول أن يستدل عليها شيعيا، ولكن موروث أحاديث أئمة أهل البيت لا يدعم هذه النظرية الفقهية السنية، ولكن الكركي زجّ بها، وقال" أنا نائب الإمام المعصوم"، بمعنى أنّ خلفاء النبي هم الأئمة الإثني عشر، وأنا (ولي الفقيه) خليفة الأئمة، وبالتالي فأنا خليفة الرسول، وبما أني خليفة الرسول فإني أعين الشاه الصفوي ملكا على إيران، وهكذا قامت الدولة الصفوية في إيران على أساس نظرية ولاية الفقيه.
نسمع عن مراجع الشيعة، والمرجعية، والمرجع الأعلى، وهنا نسأل: من هي المرجعية؟ وهل يوجد مرجع نهائي يعود إليه كل شيعة العالم دون خلاف؟
إياد جمال الدين: المرجع هو كل فقيه طبع ونشر رسالة عملية (والرسالة هي كتاب فقهي يجمع فيه الفقيه آراءه وفتاواه الفقهية)، ويرجع إليه بعض الناس في الأحكام والتقليد، لذا يدعى مرجعا. وتختلف سعة مرجعية المرجع بعدد أتباعه، ولا توجد إحصائية دقيقة تبيّن كم عدد أتباع ومقلدي هذا المرجع أو ذاك، والمشهورون اليوم في النجف هم 4 مراجع، وهناك غيرهم، وهناك مراجع في مدينة قُم بإيران.
على قياس عدد الأتباع، السيد علي خامنئي في إيران هو مرجع يتبعه ملايين ويقلدونه، فهل هو المرجع الأعلى للشيعة؟
إياد جمال الدين: أجبت على هذا السؤال ضمنا، ليس هناك إحصائية دقيقة تبيّن بدقة عدد مقلدي وأتباع كل مرجع، المشهور اليوم أنّ السيد السيستاني هو المرجع الأعلى لعموم الشيعة في العالم، ولكن ليس لدينا إحصائية دقيقة تبيّن عدد الذين يقلدون السيد السيستاني وعدد من يقلدون السيد خامنئي أو السيد بشير النجفي أو السيد محمد سعيد الحكيم، وفي النهاية هم كلهم مراجع للشيعة يرجع إليهم مقلدوهم وأتباعهم.
يحاول البعض الإيحاء بوجود تنافس بين مرجعيات النجف ومرجعيات قم ومشهد، هل يوجد فعلا تنافس؟
إياد جمال الدين: التنافس موجود، ولكن ليس على أساس المناطق، في سؤالك شقان، الشق الأول هل يوجد تنافس؟ وجوابه نعم التنافس موجود.
أما الشق الثاني فهو: هل تتنافس النجف وقم ومشهد؟ وجوابه : أنا لا أتصور أنّ للجغرافية مدخلية في هذا الأمر، التنافس ناتج عن أن المرجعية في حقيقتها هي حالة اجتماعية دينية.
نسمع بشكل عام أن إيران بعد ثورة 1979 التي حولتها إلى جمهورية إسلامية حاولت أن تسحب المرجعية من النجف، ما تعليقك على ذلك؟
إياد جمال الدين: نعم إيران الخمينية هاجسها دائما الحوزة والمرجعية، لأن النظام الإيراني الحالي يقوم على أساس فتوى ولاية الفقيه، والخطر الاستراتيجي الداهم الذي يحف بالنظام الإيراني هو أن يظهر مجتهد شيعي وله مقلدون وأتباع ويقول " إن ولاية الفقيه بدعة" ، ولذلك تسعى إيران للسيطرة على حوزتي النجف وقم وكل حوزة أخرى في العالم.
تقول بعض المصادر الشيعية إن "ولاية الفقيه في الفكر الشيعي تقتصر على توزيع الخمس والزكاة ولا تمتد إلى السياسة، لكن الإمام الخميني غيّر ذلك"، ما تعليقك على ذلك؟
إياد جمال الدين: في ولاية الفقيه رؤيتان، التصور الأول الذي يسير عليه السيد السيستاني وفحواه أنّ للفقيه ولاية على المجتمع وعلى الدولة، فيما يرى الخميني أنّ للفقيه ولاية على الفرد وعلى المجتمع وعلى الدولة، وبذلك فإن المفهوم عند الخميني أوسع، وعمليا لا يوجد فرق سياسي بين الرؤيتين.
هناك انطباع سائد مفاده أن ولاية الفقيه مفهوم سيء تروج له الجمهورية الإسلامية في إيران، ما تعليقك على هذا؟
إياد جمال الدين: ولاية الفقيه لم يروج لها النظام الإيراني الحالي فقط، بل تروج لها إيران منذ عهد الصفويين إلى اليوم، وما نظام الخميني إلا ثمرة ونتيجة لذلك الترويج، والسبب هو كما ذكرنا بداية الحوار هو علي ابن عبد العال الكركي الذي أدخل هذه الفكرة إلى الفقه الشيعي، وأحد ثمار تلك الفكرة هو نظام الخميني الحاكم في إيران، مع بعض التطوير، حيث أن نظرية ولاية الفقيه التي تبناها الخميني مطوّرة وتفرق عن ولاية الفقيه التي يتبناها السيستاني والتي تنصّ على أن الفقيه ليس له سيطرة على الفقه، إنما هو مفسّر له ومحلل للموقف الشرعي.
أما ولاية الفقيه الخمينية فتفيد أنّ للفقيه ولاية على الفقه ذاته، بمعنى أنه يستطيع أن يغيّر نصوص الشريعة وينسفها ويكتب مكانها شرعا جديدا. هذه خلاصة ولاية الفقيه الخمينية.
هناك من يقول إن تجربة الجمهورية الإسلامية في إيران هي التي أنضجت الجانب السياسي في ولاية الفقيه، لكن باقي مراجع الشيعة في النجف لا يبدون راضين عن ذلك، ما تعليقك على ذلك؟
إياد جمال الدين: التاريخ الإيراني منذ عصر الصفويين فــالقاجاريين فــالبهلويين قائم بمجمله على أساس ولاية الفقيه منذ 500 سنة، الخميني طوّر هذا المفهوم، فولاية الفقيه في تلك العصور قامت على "الاثنينية" (الشاه والشيخ)، تماما مثل الأزهر والحكومة في مصر، وكما كانت أوروبا في العصور الوسطى، الملك والبابا، في العهد الصفوي صارت السلطة بين الشاه وبين المرجع الديني، أحدهما يبارك الآخر، حتى جاء الخميني فركل الشاه وقال" أنا الشيخ وأنا الشاه"، وهذا يلخص التجربة الخمينية.
أما باقي مراجع الشيعة فتعودوا على مدى 500 سنة على الانسجام مع الشاه، ولذا كانت الحوزتان في النجف وقم، مع الشاه ضد الخميني حين كان الأخير في النجف، ولكن الخميني انتصر.
بعد 35 عاما على انتصار دولة ولاية الفقيه، كيف ترى مرجعيات النجف هذه الولاية؟
إياد جمال الدين: هم لا يستطيعون معارضتها، وكان صدام حسين هو الحافظ لهم من تغوّل إيران ، ليس حبا في مرجعيات النجف، ولكن هكذا كان الواقع. كُسِرَ هذا السور المسمى" صدام" وأصبحت النجف مكشوفة عارية وكالثمرة الناضجة بين يدي النظام الإيراني، ولذا لا أتصور أنّ مرجعا غير مسلح مثل السيستاني يستطيع أن يواجه مرجعا مسلحا كخامنئي.
هناك قيادات شيعية مناطقية، مثل مقتدى الصدر في العراق، وموسى الصدر وحسن نصر الله في لبنان هي ليست مراجع، لماذا إذاً تحدد مثل هذه القيادات المسار السياسي لشيعة لبنان؟
إياد جمال الدين: هؤلاء يقودون تحت ظل مرجع من المراجع، فالسيد موسى الصدر كان تابعا لمرجعية الخميني، والسيد مقتدى الصدر تابع لمرجعية السيد كاظم الحائري، والسيد حسن نصر الله يعلن أنه يتبع السيد خامنئي، فهو لا يتصرف لحاله بل يخضع لسلطة مرجع ما، كما أن لهذه الشخصيات حضورا وكارزما شعبية، كما هو الحال مع كثير من الناس، فلدينا المرحوم الشيخ الوائلي وهو خطيب مشهور له ملايين المتابعين والمحبين، لكنه لم يكن زعيما اجتماعيا أو سياسيا، والفكرة هنا، أنه ليس هناك تعارض بين وجود المرجع وبين وجود قيادات سياسية واجتماعية دينية.
حاوره: ملهم الملائكة
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2014
وُلِدَ إياد جمال الدين سنة 1961 ونشأ في بيت متدين بمدينة النجف بالعراق وينتسب إلى الإمام موسى بن جعفر. واختار مسار السياسة إلى جانب الدين، وعرف بانفتاحه وليبراليته، حتى أن بعض الشيعة يشتمونه ويتهمونه بالخروج على الإجماع الشيعي. درس الفقه في النجف وفي قم بإيران. نشر كتابا بعنوان (فصل الدين عن السياسة)، فأثار ضجة كبيرة. اُنتخب نائبا للبرلمان العراقي في عام 2010 ونجا من أربع محاولات اغتيال وهو يدعم السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ويعارض إنشاء دولة ذات نظام ديني على غرار دولة ولاية الفقيه في إيران ويدعو إلى إقامة دولة علمانية بعيدة عن تدخل المرجعيات وتضمن حرية الأقليات.