تنحي أوزيل ومعضلة رفض التنوع الثقافي في ألمانيا
لم يكتفِ المنتخب الألماني بحسرة الخروج من الدور الأول خلال مونديال روسيا 2018، لأوّل مرة منذ 80 عاماً، بل جاء قرار مسعود أوزيل اعتزال اللعب دوليا ليزيد من الاحتقان. فأوزيل، وهو في ربيعه الـ29، برر اعتزاله بسبب ما اعتبرها عنصرية ضده إثر الجدل الذي رافق صورته مع الرئيس التركي إردوغان، والانتقادات التي وُجهت له من طرف رئاسة الاتحاد الألماني وشخصيات أخرى حول هذه الصورة.
"عندما نفوز نحن ألمان.. وعندما نخسر نحن مهاجرون" هكذا علّق اللاعب ذو الأصل التركي على الجدل المثار حوله، في واقعة تأتي بعد أيام قليلة على فوز منتخب جلّ عناصره من أصول مهاجرة بلقب كأس العالم وهو المنتخب الفرنسي الذي ضم 19 لاعباً من أصل أجنبي في قائمة 23 لاعباً. نجاح اللاعبين ذوي الأصول المهاجرة ليس حكراً على فرنسا، فالمنتخب البلجيكي الحائز على المركز الثالث بالبطولة ذاتها، يضم عددا منهم، وهناك تأكيد من الجهات الرسمية الفرنسية والبلجيكية على أن لاعبي المنتخبين ينتمون للبلدين، وأنهم يمثلون نجاحاً حقيقياً للاندماج ولتعدّد الثقافات.
أما في ألمانيا، التي فازت مع مسعود أوزيل وسامي خضيرة وجيروم بواتينغ وغيرهم من اللاعبين ذوي الأصول المهاجرة، بكأس العالم عام 2014، ووصلت بالأسماء ذاتها تقريباً إلى نصف نهائي مونديال 2010 ونصف نهائي يورو 2016، فاندماج اللاعبين يدخل اليوم تحدياً حقيقياً. إذ إن هناك تخوّفا من أن يؤثر اعتزال أوزيل سلباً على قرارات لاعبين ألمان من أصول أجنبية في الانضمام إلى المانشافت.
لماذا اختاروا بلدان المولد وليس الأصل؟
تميّزت تشكيلة المنتخب المغربي، الذي لعب في مونديال روسيا 2018، بكونها أكبر تشكيلة مُشاركة للاعبين مولودين خارج البلد الذي يمثلونه، إذ اقتربت النسبة من الثلثين. جلّ هؤلاء اللاعبين وُلدوا في فرنسا وترعرعوا بها، وبالتالي كان يمكن أن يلعبوا لها كما فعل عادل رامي، لكنهم اختاروا تمثيل بلدهم الأصل. الأمر ذاته يتكرّر، ولو بنسبة أقل في منتخب تونس، وكذا في منتخب الجزائر الذي لم يتأهل للمونديال.
كثير من هؤلاء اللاعبين يبرّرون مثل هذا القرار بكونهم يشعرون بالانتماء أكثر لمنتخبات الأصول رغم دعوتهم للعب لمنتخبات أوروبية، فيما يقول متتبعون إن بعض اللاعبين ربما اختاروا هذا المسار لأنه لم تتم دعوتهم أصلاً من المنتخبات الأوروبية التي يحملون جنسيتها، أو كانوا متأكدين من أن المنافسة شرسة جدا على المراكز الأساسية فيها.
وتبقى الاتحادات الكروية الأوروبية، وتحديداً في فرنسا وبلجيكا وبنسبة أقل ألمانيا وهولندا وإسبانيا وسويسرا، في تنافس دائم مع اتحادات الدول التي ينحدر منها اللاعبون ذوي الأصول المهاجرة، خاصة المغاربية، لأجل إقناع هؤلاء بحمل ألوان منتخباتها. وتحاول الاتحادات الأوروبية دعوة اللاعبين في سن مبكرة جدا لتمثيل منتخباتها الشبابية حتى تمهد الطريق أمامهم للانضمام إلى منتخبها الأول. وتعمد أحياناً إلى دعوة هؤلاء اللاعبين للمشاركة بضع دقائق في بعض مباريات المنتخب الأول، لقطع الطريق أماهم للعودة لمنتخبات أصولهم، وهو ما جرى مع اللاعب المغربي منير الحدادي.
وأخذت هذه الاتحادات دفعة قوية من النتائج القوية التي حققها المنتخبان الفرنسي والبلجيكي، والتي جعلت لاعبين من أصول أجنبية يحققون إنجازات دولية هم متأكدون أنها لن تتكرّر، ولو في المنظور القريب، مع منتخبات أصولهم. وتساهم مثل هذه النتائج في تقليل حجم الحيرة التي تنتاب اللاعبين مزدوجي الجنسية إبّان توقيت اتخاذ القرار الحاسم باللعب. وقد حرص الساسة في فرنسا وبلجيكا على توجيه رسائل تطمينية لآلاف اللاعبين المعنيين بهذا القرار مستقبلا، بما مفاده أنه مرّحب بهم، وأنهم جزء من بلد النشأة.
وبعد التتويج باللقب العالمي، يوجد اتجاه في فرنسا يرفض التركيز على مسألة أصول اللاعبين ويعتبرها فكرة انتهى زمنها، بحسب إيفان غاستو، الأستاذ الجامعي الفرنسي المتخصص في قضايا الهجرة. غاستو كتب في جريدة ليبراسيون، من أن كرة القدم "يمكن أن تساعدنا في ملاحظة أن مسألة الاندماج أضحت عتيقة، وأن إنجاز المنتخب الوطني لا يُنظر إليه بالأساس على أنه نجاح لتعدد الأصول، بل ينظر إليه كمنتخب لجميع الفرنسيين، المتساوين في كل شيء، والمتوحدين والمجتمعين لأجل تشريف هذا البلد".
بدأت مشاركة اللاعبين ذوي الأصول الأجنبية في المنتخب الفرنسي مبكراً لدرجة أنها باتت أمراً عادياً اليوم، لكن في الآن ذاته، تشهد فرنسا بدورها نقاشات حامية حول الهجرة، واتهامات لأطراف سياسية بنشر العنصرية بحق أصحاب الأصول الأجنبية. كما أن هناك من يقول إن تتويج المنتخب الفرنسي باللقب العالمي غطى على أيّ تأويل يخصّ أصول اللاعبين، في بلد شهد بدوره قبل سنوات نقاشاً كبيراً حول استمرار تقلّص مشاركة الفرنسيين الأصل في المنتخب الوطني.
هل تتخلّف ألمانيا عن جيرانها؟
من يتتبع تاريخ المنتخب الألماني يُدرك أن تطوّراً كبيراً حدث في مجال الاعتراف بالتعددية الثقافية للبلد، وأن المنتخب الذي لم يكن يدعو لاعبين من أصول أجنبية في السابق، غيّر نهجه. كما أنه أشرك لاعبا من أصل إفريقي، هو جيرالد أسامواه، في اللعب في صفوفه عام 2001، لدرجة أن ثلث لاعبي المنتخب الألماني تحت 21 عاماً حالياً هم من أصول أجنبية.
[embed:render:embedded:node:32091]
لكن واقعة أوزيل، التي استغلها اليمين الشعبوي في ألمانيا، لأجل التشكيك في انتماء اللاعب، وما رافق ذلك من تعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي، جنح بعضها إلى العنصرية، فضلاً عن التصريحات المثيرة للجدل لشخصيات أخرى انتقدت أوزيل دون غيره، والتركيز الشديد من وسائل إعلام ألمانية على التأويل السياسي لصورة أوزيل مع إردوغان، كلها أمور قد تعيد المنتخب الألماني إلى نقاش اعتُبر في وقت سابق منتهياً، وقد تؤثر على أداء الفريق الذي يرغب بنسيان سريع لكبوة مونديال روسيا 2018.
وإذا كان هناك شبه إجماع بين الإعلام الألماني والطبقة السياسية على أن صورة أوزيل مع إردوغان كانت سلوكاً خاطئاً بسبب الانتقادات الموّجهة للرئيس التركي في مجال حقوق الإنسان، فإنه في المقابل، هناك اعتراف بأن تداعيات القضية قد تصل لاعبين آخرين كما قال السياسي الألماني من أصل تركي المنتقد لإردوغان جيم أوزديمير الرئيس السابق لحزب الخضر المعارض: "سيتكوّن الآن عند الأتراك الألمان الشبان الانطباع بأنه لا مكان لهم في المنتخب الألماني"!
ويحيل الصحفي في مجلة دير شبيغل، دانييل رايكي، على ما يمكن أن تثيره أزمة أوزيل في مجال الكرة، إذ يكتب في مقال له أن اعتزال أوزيل يعني فشلاً للاتحاد الألماني لكرة القدم برئاسة راينهارد غريندل الذي لم يتعامل جيداً مع الموضوع، لافتاً أن أكثر من 30 في المئة من الشعب الألماني، تحت سن العشرين، هم من أصول مهاجرة، ومنهم عدد كبير يلعب الكرة.
ويتابع الصحفي أنه على رئيس الاتحاد أن يستحضر أنه مسؤول عن قرابة 7 مليون لاعب كرة في البلد، وكان بالتالي عليه يحمي المنتخب من الانتقادات غير المناسبة التي طاولت أوزيل، وأن يعمل أكثر على الاندماج الحقيقي الذي يعني أن جميع اللاعبين يربحون معا ويخسرون معا. ويحيل الكاتب على تصريحات أدلى بها غريندل عام 2004، حين كان نائبا في البرلمان الألماني، عندما قال إن "التعدد الثقافي في ألمانيا" كذبة كي يستدل الصحفي على أخطاء رئيس الاتحاد.
إسماعيل عزامحقوق النشر: دويتشه فيله 2018 ar.Qantara.de