"حتى الله تعالى يتحدث في القرآن حول الجنس"
في كتابك تكشف عن أنَّك قد أخذت توعيتك الجنسية عن الفقيه الإمام ابن كمال باشا، الذي عاش في القرن السادس عشر. فهل يجوز القول إنَّك ومن دون ريب قد اختلقت ذلك؟
علي غندور: لا، بل إنَّ هذا كان بالنسبة لي بمثابة تجربة صادمة (يضحك). عندما كنت صبيًا اكتشفت كتابًا له في مكتبة والدي، الذي كانت توجد لديه جميع أنواع الكتب. ولكن هذا الكتاب كان مخفيًا قليلاً. وفي هذا الكتاب توجد قصصٌ ربما من الممكن مقارنتها اليوم بـ(فيلم الإغراء الأمريكي) "خمسون ظلاً للرمادي".
وماذا يَكْتُب في هذا الكتاب؟
علي غندور: الكثير مما يمكن أن يصفه القارئ المعاصر بأنَّه منحرف وشاذ؛ وهنا يتعلق الأمر بقصص مثيرة جنسيًا، من الممكن أن تكون جيِّدة أيضًا لسيناريو فيلم إباحي. غير أنَّ هذا الكتاب أثار في وقت لاحق فضولي وجعلني أعالج هذا الموضوع من وجهة نظر علمية.
لماذا يهتم عالم دين مسلم معاصر بما فكَّر به فقيه مسلم حول الجنس قبل قرون من الزمن؟
علي غندور: هدفي هو إثارة الانتباه إلى تغيير بدأ في القرن التاسع عشر وقد وصل اليوم إلى ذروته: فقد أصبح موضوع الجنس موضوعًا مُحَرَّمًا إلى حدّ كبير لدى العائلات المسلمة وفي المساجد. ولذلك فأنا آمل أن يطرح القراء والمسلمون أيضًا هذا السؤال على أنفسهم: لماذا كان يتعامل العلماء في السابق مع هذا الموضوع بصورة أكثر مرونة؟
برأيك أين يكمن السبب؟
علي غندور: لا توجد إجابة بسيطة على هذا السؤال. الاستعمار هو أحد الأسباب. والسبب الآخر هو أنَّ الدين قد أخذ طابعًا إيديولوجيًا. ولم يعد يُمثِّل فلسفةً للحياة وأسلوبًا للحياة، بل لقد بات من المفترض أن يُقدِّم الدين إجابة واضحة على كلِّ شيء. ولكن هذه مجرَّد ظاهرة حديثة: إذ لم تعد الأمور الغامضة مرغوبة الآن. بينما كان يتم قبل بضعة قرون تبادل مختلف الآراء حول موضوع الجنس بكلِّ حرية وهدوء.
لقد ألف الإمام السيوطي قبل خمسمائة عام كتابًا حول "الحركات الجنسية". وهذا الكتاب يبدو مثل الكاماسوترا…
علي غندور: نعم، فقد كتب بالذات العديد من الأعمال حول موضوع الجنس. ومن بين هذه الأعمال كتابان يتناولان الوضعيات في الجنس - حتى بصورة أكثر إثارة للإعجاب مما يرد في الكاماسوترا. والإمام السيوطي تعامل أيضًا من الناحية اللغوية مع هذا الموضوع؛ ففي اللغة العربية يوجد نحو تسعمائة مصطلح للتعبير عن الممارسة الجنسية وحدها.
ما الذي يجب أن يتغيَّر في طريقة الحديث اليوم حول الحياة الجنسية؟
علي غندور: اليوم لم يعد يتم في الإسلام تناول هذا الموضوع إلاَّ على مستوًى معياري تقريبًا: يحدِّد متى يجوز لي مناقشة شيء ما ومع مَنْ - ومتى لا يجوز ذلك؟ وهذا التقييد يعتبر جديدًا. والأسوأ من ذلك: إذا كنت تريد اليوم أن تعرف شيئًا ما حول موضوع الجنس، فيجب عليك أن تقرأ النصوص القانونية القديمة. ولكن هذا يؤدِّي إلى مشكلات، وذلك لأنَّ المجتمع قبل عصر الصناعة لا يمكن مقارنته بمجتمعنا المعاصر. ففي تلك الأيَّام كان المرء يتزَّوج بعد فترة قصيرة من بلوغه سن النضج الجنسي، وببساطة لم يكن المجتمع يتصوَّر وجود آباء أو أمَّهات عازبات وأسر صغيرة. ولذلك لا يمكن تطبيق معايير تلك الفترة بشكل مباشر على مجتمعنا المعاصر.
في نظر الفقهاء وعلماء الدين المسلمين، الذين اقتبسْتَ آراءهم، يعتبر الجنس بمثابة عبادة أيضًا…
علي غندور: نعم هذا صحيح. والنبي بالذات كان ينظر إلى الجنس على أنَّه صَدَقةٌ - وعلى أنَّه شيءٌ يُطهِّر المرء. فمن خلال قيام المرء بشيء حسن للآخر، يفعل المرء أيضًا لنفسه شيئًا حسنًا. وكلُّ ما يفعله المرء بنية التقرُّب إلى الله وفعل الخير للناس، يعتبر عبادة. وحتى الجنس.
وعلى سبيل المثال يفترض العلامة ابن عربي أنَّ أعلى درجات معرفة الله تكون ممكنة في لحظة الجماع. وعند الصوفيين المسلمين كثيرًا ما ترد مثل هذه الروايات. وحول هذا الموضوع من المُخطط إصدار كتاب آخر ضمن سلسلة "الشهوة والنعمة".
من غير المألوف أن يكتب عالم دين مسلم كتابًا حول الجنس. فهل واجهت انتقادات؟
علي غندور: من المثير للاهتمام أنَّ جميع ردود الفعل تقريبًا كانت إيجابية - وخاصة من قبل الشباب دون سن الثلاثين عامًا. وهذا يدل على أنَّ هناك رغبة لمعالجة هذا الموضوع. ولكن بالتأكيد لا يجد الجميع هذا الأمر جيدًا. ومع ذلك فإنَّ هؤلاء الناقدين لم يتحدَّثوا حول ذلك بعد...
منذ الاعتداءات والتحرُّشات الجنسية في ليلة رأس السنة الجديدة في مدينة كولونيا الألمانية بات يدور الحديث كثيرًا حول العنف الجنسي في الدول العربية. فهل ترى أنَّ هناك صلة بهذا الموضع مع أبحاثك؟
علي غندور: من وجهة النظر الفقهية توجد هنا إجابة واضحة: يجب علينا أن نستنكر وندين ما حدث في ليلة رأس السنة الجديدة في مدينة كولونيا. غير أنَّ هذه الأحداث تُظهِر أيضًا أنَّ تحريم موضوع الجنس في المجتمعات الإسلامية أمرٌ غير جيِّد. وأنا لا أقول مطلقًا إنَّ هذا هو السبب الوحيد لهذا العنف. ولكن إنهاء هذا التحريم سيأتي في صالح المسلمين. فهذا التحريم ليس ضروريًا أيضًا: فحتى الله تعالى يتحدَّث في القرآن حول الجنس.
حاوره: لوكاس فيزِنهوتَر
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة ar.qantara.de 2016
ولد علي غندور في عام 1983 في مدينة الدار البيضاء المغربية. ودرس في جامعة لايبتسيغ الألمانية الدراسات العربية والعلوم السياسية مع التركيز على مادة الدراسات الإسلامية. ومنذ صيف عام 2012 يقوم بالتحضير للدكتوراه ضمن إطار برنامج معهد الدراسات العليا الخاص بالفقه الإسلامي في جامعة مونستر الألمانية. وفي أطروحته يبحث في نظرية المعرفة لمحي الدين ابن عربي.