الجديد في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي 2021

إسرائيل – صواريخ من غزة اعترضتها القبة الحديدية الإسرائيلية في عسقلان.
إسرائيل – صواريخ من غزة اعترضتها القبة الحديدية الإسرائيلية في عسقلان.

نهض جيل شاب سئم من السياسات القديمة متجاوزا الأرض وحل الدولتين إلى المطالبة بحقوق مدنية متساوية داخل دولة إسرائيلية. كريم الجوهري يرى في تعليقه لموقع قنطرة ألاَّ حل لهذا الصراع إلا بربط أمن إسرائيل باحتلالها للضفة وحال غزة الكارثي وتمييزها ضد فلسطينيي الداخل وتهجيرها التدريجي لفلسطينيي القدس الشرقية.

الكاتبة ، الكاتب: كريم الجوهري

كاد أن يُنسى في السنوات الأخيرة: صراع الشرق الأوسط. بدا من الخارج أنَّ لا شيء قد تغيَّر، بالرغم من أنَّ وضع الفلسطينيين يزداد سوءًا بحلول كلّ عام. ولكن هذه الأحداث بعيدة عن العناوين الرئيسية. وحتى عندما احتفل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر العام الماضي 2020 بمبادرتهما لتطبيع علاقات إسرائيل مع دولتي الإمارات والبحرين كمبادرة سلام جديدة كبرى لم يكن للفلسطينيين حضور في هذا السيناريو حتى ولو كَـ"كُومبَرس" [في الخلفية].

وها هو المجتمع الدولي قد أدرك في الأيَّام الماضية [مايو/أيار 2021] أنَّ الأمر لا يتعلق بنوع العلاقات التي تقيمها إسرائيل مع بعض الدول الخليجية، بل إنَّ جوهر المشكلة يبقى هو الصراع مع الفلسطينيين، الذين يعبِّرون عن استيائهم وإحباطهم من الوضع الراهن من خلال ما شهدناه خلال الأيَّام والساعات الماضية [مايو/أيار 2021].

ربَّما يقول البعض إنَّ الوضع هو نفسه دائمًا وأبدًا. ولكن الاضطرابات الأخيرة  [مايو/أيار 2021] تعتبر جديدة في نوعيتها. فحتى هذا الوقت كان الأمر يتعلق دائمًا بقطاع غزة المعزول عن بقية العالم وبحقوق الفلسطينيين في القدس الشرقية أو بالفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية. أمَّا الآن فجميع الفلسطينيين -بمن فيهم الذين يعيشون داخل إسرائيل- ينزلون للاحتجاج سويةً وبقوة غير مسبوقة.

انتفاضة أهالي 1948

اتَّضح من خلال مشاهد القتل الميداني والمطاردات المتبادلة التي شهدناها في الأيَّام الماضية مدى هذا الانفجار الكامن في هؤلاء الوافدين الجدد إلى الانتفاضة، في احتجاجات من يطلق عليهم اسم عرب 1948، أي الفلسطينيين الذين يعيشون داخل حدود دولة إسرائيل ويشكِّلون على أية حال خُمسَ مواطنيها.

تتلاشى في هذه الأيَّام الحدود بين الأراضي المحتلة من قِبَل إسرائيل وبين دولة إسرائيل. وللمرة الأولى بات يدور الحديث حول سيناريو حرب أهلية محتملة. قد تكون هذه مبالغة، غبر أنَّ الصراع مع الفلسطينيين دخل منذ هذا الأسبوع إلى بيوت جميع الإسرائيليين. ومع دخول فلسطينيي 1948 في هذا الصراع، تتغيَّر أيضًا وجهة النظر الفلسطينية. فهنا لا يتعلق الأمر بحلِّ الدولتين أو الأرض، بل يتعلق بمساواة الفلسطينيين في الحقوق كمواطنين في دولة إسرائيل. وهذا شيء جديد أيضًا.

والجديد أيضًا أنَّ الاحتجاجات في القدس الشرقية لم تعد مرتبطة بالفصائل الفلسطينية القديمة مثل فتح وحماس. يمثِّل الشباب الذين نزلوا إلى الشوارع في القدس الشرقية جيلًا جديدًا تمامًا لم يطفح به الكيل فقط من التمييز اليومي من جانب إسرائيل، بل خاب أمله تمامًا من قيادته السياسية - بصرف النظر عما إن كان اسم هذه القيادات حماس أو محمود عباس.

 

مدينة غزة - فلسطينيون يبحثون عن مأوى من الضربات الجوية في مدرسة. Foto; Ibraheem Abu Mustafa/Reuters
Gaza-City - Palästinenser suchen in einer Schule Schutz vor Luftangriffen; Foto; Ibraheem Abu Mustafa/Reuters

 

الصواريخ الأغلى في العالم

وهذا لا يعني هنا تجاهلنا صواريخ حماس. فعندما قامت الشرطة الإسرائيلية باقتحام المسجد الأقصى بالغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية ونقلت للعالم صورًا مدمرة انطبعت خلال الأيَّام الأخيرة في الذاكرة العربية الجماعية، وجدت حماس فرصتها للقفز على حركة الاحتجاجات الفلسطينية الجديدة، وأطلقت أكثر من ألف صاروخ باتجاه إسرائيل، حيث أرهبت السكَّان وأوقعت ضحايا مدنيين أبرياء.

وصواريخ حماس هذه لها تأثير مزدوج. فقد منحت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الفرصة لنقل الصراع إلى مستوى عسكري يمتلك فيه دائمًا التفوُّق في القوة. وحوَّلت الاهتمام الدولي عن عمليات الإخلاء القسرية في القدس الشرقية واستحضرت من جديد حقَّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

قال شخص في غزة ذات مرة إنَّ "حماس لديها الصواريخ الأغلى في العالم". وبعدما سأله المحاور مستغربًا عما يعنيه بذلك، أجاب: "كلُّ صاروخ تطلقه حماس يتبعه تدميرٌ لبنيتنا التحتية وحياتنا، ولهذا السبب لدينا الصواريخ الأغلى". والأيَّام الماضية في غزة تثبت أكثر أنَّه محقٌ فيما قال. ففي قطاع غزة المعرَّض لقصف متواصل من قِبَل إسرائيل يجري فيلم رعب لا يجد فيه الأهالي مهربًا ولا ملجأ.

ومع ذلك فقد اتَّبع المجتمع الدولي منطق حماس من جديد. فعندما تم إجلاء الفلسطينيين قسرًا من منازلهم في القدس الشرقية وتعرَّضوا لإرهاب المستوطنين، كان المجتمع الدولي يراقب فقط من دون اكتراث، وجاء أول انزعاج له عندما انطلقت أولى صواريخ حماس من غزة إلى إسرائيل. وعلى الأرجح أنَّ هذا هو أكثر شيء محزن في هذا الصراع: إذ لا تتم ملاحظة الفلسطينيين دوليًا إلَّا عندما يتجاوزون عتبة العنف.

تضامن جديد بين الفلسطينيين

ولكن على الأرجح أن ينتهي إطلاق الصواريخ والقصف الإسرائيلي بعد عدة أيَّام من الوساطة الأمريكية والمصرية، مثلما شهدنا ذلك كثيرًا من قبل. وما يبقى هو التحدي الأكبر بالنسبة لإسرائيل من خلال مواجهة احتجاجات الفلسطينيين داخل البلاد حيث لا توجد أية وساطة. وهذا هو العصب الأكثر غضاضة في صراع الشرق الأوسط.

ومع ذلك فقد تغيَّر شيء آخر أيضًا. فنحن نشهد تحوُّلًا في الخطاب الفلسطيني وجيلًا جديدًا من الفلسطينيين يخلقون لأنفسهم بلباقة مكانًا في النظرة الدولية للصراع. وهو خطاب يبتعد عن مسألتي الأرض وحلّ الدولتين ليذهب إلى المطالبة بحقوق متساوية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وهنا أيضًا تتلاشى الخطوط القديمة بين الفلسطينيين سواء كانوا يعيشون تحت الاحتلال في الضفة الغربية أو في القدس الشرقية بوضعها غير المحسوم ويكافحون ضدَّ الإخلاء القسري، أو كانوا في قطاع غزة المعزول أو مواطنين من الدرجة الثانية داخل إسرائيل.

 

 

يمكن تلخيص النداء الفلسطيني المشترك بهذه العبارة الموجزة: "نحن الفلسطينيون لدينا حقوق أيضًا". يقارن الفلسطينيون أنفسهم بحركة الحقوق المدنية في الولايات المتَّحدة الأمريكية. وكذلك يحدِّدون أوجه التشابه مع حركة "حياة السود مهمة" ويحوِّلونها إلى حركة "حياة الفسطينيين مهمة". وبدلًا من استخدام كلمة "احتلال" أصبحت كلمة "فصل عنصري" تنتشر الآن وعلى نحو متزايد بين الفلسطينيين وحتى بين منظمات حقوق الإنسان الدولية مثل منظمة هيومن رايتس ووتش. وهذا حدث جديد.

وفي المقابل الرد الدولي على أحداث الأيَّام الأخيرة معروف، ومفاده: نحن نسمع الخطاب القديم المجرَّد من أي محتوى، والذي لا علاقة له في الحقيقة بحلِّ الصراع. وقبل ذلك يجب على أية حال أوَّلًا التوصُّل إلى إجماع حول الوضع على أرض الواقع، الذي لا يمكن من دونه أن يكون هناك حلٌّ حقيقي.

لن يحل هذا الصراعَ لا الانحيازُ إلى أحد الطرفين ولا الحديثُ باستمرار حول حلّ الدولتين. وفقط عندما يتم ربط مسألة أمن إسرائيل بالاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وبالوضع الكارثي في ​​قطاع غزة وبالتمييز ضدَّ الفلسطينيين داخل دولة إسرائيل وبالتهجير التدريجي للفلسطينيين من القدس الشرقية، -حينها فقط- بإمكاننا البدء في الحديث عن حلّ حقيقي.

يمكننا أن ندفن رؤوسنا في رمال الشرق الأوسط وقد نجح ذلك جيِّدًا في السنوات الأخيرة أيضًا، لأنَّ الوضع ظلّ هادئًا على الأقل عند رؤيته من الخارج. ولكن لم يكن الوضع في الواقع هادئًا بشكل مستدام قطّ. ومع ذلك لا يهم بتاتًا إن كان المرء يُعرِّف نفسه كمؤيِّد للإسرائيلين أو كمؤيِّد للفلسطينيين. لقد أظهرت الأيَّام الأخيرة للجميع وبكلِّ وضوح أنَّ الوضع الراهن ليس الحلّ - بل المشكلة.

 

 

كريم الجوهري

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2021

ar.Qantara.de

 

 

[embed:render:embedded:node:44254]