السعودية من عملاق نفطي إلى مُصدِّر للطاقة المتجددة؟
تتمثّلُ الميزةُ الأساسيةُ للهيدروجين الأخضر في أنه يوفّرُ القدرةَ على توليدِ طاقةٍ هائلةٍ مع انعدام الانبعاثاتِ [الغازيَّة الضارة] تماماً. ومن ناحيةٍ أخرى، فالهيدروجين الأخضر مادة كيميائية قابلة للانفجارِ، كما أنّ تكاليف إنتاجه تجعله أكثر كلفة من الهيدروكربونات التقليدية.
وعلى الرغمِ من هذا، تقدّرُ شركةُ ستراتيجي آند للاستشارات الاستراتيجية أنّ الطلب على الهيدروجين الأخضر سيتزايدُ بسرعةٍ في المستقبلِ، ليصلَ إلى 530 مليون طن ويُحتملُ أن يحلَّ محلَ 10.4 مليار برميل من النفطِ تقريباً بحلولِ عام 2050.
ويتشكّلُ الهيدروجين الأخضر من خلال استخدام الطاقة المتجدِّدة لتحريضِ التحليلِ الكهربائي الذي يقسمُ جزيئات الماء إلى العنصرين المشكّلين له: الهيدروجين والأوكسجين. وقد مكّنت التطورات التكنولوجية مصحوبة بانخفاِض أسعار الطاقة المتجدّدةِ من الإنتاجِ الضخمِ للهيدروجين الأخضر، الأكثر استدامة بيئياً.
ويُعتقدُ أنّ أفضلَ طرقِ نقل الهيدروجين الأخضر تتمثّلُ في استخدام الطاقةِ المتجدّدةِ لإنتاجِ الهيدروجين الأخضر وتحويله إلى أمونيا خضراء. ويُعتبر مثل هذا الهيدروجين أحد عوامل تغيير الوضعِ الحالي فيما يتعلقُ بإزالةِ الكربون، ولا سيما في القطاعات الصناعيةِ التي واجهت صعوبة في إزالةِ الكربون فيها وحيث يتطلّبُ الإنتاجُ درجات حرارة عالية.
وستُشكِّلُ منشأة هيدروجين أخضر ضخمة جزءاً أساسياً من مشروع (نيوم "المدينة الذكية") في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ، وهو مشروع مدينة تعتمدُ على التقنية العاليةِ، ومركز أعمالٍ مبتكرٍ ومركز عالمي للطاقةِ المتجدّدةِ والهيدروجين الأخضر.
مشروع فريد ورائد، وتكاليف ضخمة
والمنشأةُ هي عبارة عن مشروعٍ بقيمةِ 5 مليارات دولار وهو مشروع مشترك بين ثلاثة أطراف ومملوك بالتساوي من قبل شركة أير بروداكتس الأميركية وشركة أكوا باوَر السعودية وشركة نيوم. وقالت جوان هيلز، رئيسة الاتصالات لمنطقة الشرق الأوسط والهند في شركة أير بروداكتس (ومقرها في ولاية بنسلفانيا-الولايات المتحدة الأميركية)، لموقع قنطرة إنّ المشروع "عبارة عن مشروع رائد والاستثمار الأول من نوعه على نطاقٍ كبير".
ووفقاً لفرانك ووترز، مدير شبكةِ الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي للطاقة النظيفة، فإنّ مشروعَ نيوم السعودي فريدٌ من نوعه من حيث أنّه يجمعُ بين مزيج ملائمٍ للغايةِ من الطاقةِ الشمسيةِ وطاقةِ الرياحِ والذي يتيحُ إنتاجَ الأمونيا الخضراء والهيدروجين الأخضر التنافسيين للغايةِ. كما أنّ موقعه يسمحُ أيضاً بالتصديرِ المحتملِ إلى أوروبا وشرقِ آسيا.
إضافة إلى ذلك، وبالنظرِ إلى الأهداف الطموحةِ لاتفاقيةِ باريس للمناخ التي تسعى إلى إزالةِ الكربون، يعتقدُ أكسيل ميشائيلوفا، الشريك المؤسس الأول لشركة بيرسبيكتيف الاستشارية والباحث في جامعةِ زيورخ، أنّه سيكون على المملكةِ العربيةِ السعوديةِ الانتقال من تصديرِ النفطِ إلى تصديرِ الطاقةِ المتجدّدةِ. ويظنُّ أنّ أحداث الأشهرِ الأخيرة -من الانتخابات الرئاسية الأميركية إلى إعلان الصين عن هدفها بتحقيق صافي انبعاثات صفرية لعام 2060- تُظهِّرُ أنّ السياسة الدولية للمناخ ستتصاعدُ في السنواتِ القادمةِ وأنّه سيكون لدى المملكة العربية السعودية بالتالي الفرصة لتكون الرائدة في هذا المجال. يضيف ميشائيلوفا "إنْ تردّدت، فقد تخسر ميزتها التنافسيةَ إلى الأبد".
المحطةُ -التي تعملُ بـ 4 غيغا واطات من طاقةِ الرياحِ والطاقةِ الشمسيةِ، مما يجعلها المشروع الأكبر من نوعه في العالم- تُعتَبرُ تحدياً حقيقياً. كما يشكّلُ التمويلُ مشكلةً أيضاً إذ أنّ المشروع يتطلّبُ، وفقاً لبعض التقديرات، 9 مليارات دولار أميركي على الأقل. وقد قال متحدثون باسم شركة أير برودكتس لموقع قنطرة أنّ المشروعَ قد يتطلّبُ استثمارات إضافية بقيمةِ مِليارَيْ دولار أميركي كاستثمار من قبل شركة أير برودكتس من أجل مرحلةِ التوزيعِ، ليصل إجمالي استثمار شركة أير برودكتس إلى 3.7 مليار دولار. ومع ذلك، تتوقع أير برودكتس أن تتجاوز حد عائداتها الأدنى.
وبالنظرِ إلى المخاوف التي أُعرِب عنها حول الافتقارِ إلى الشفافيةِ في شركةِ أكوا فقد يتساءلُ البعض إن كان هذا المشروع واقعياً في ظلِّ التحديات المالية والهندسية التي يتضمنها المشروعُ. إضافة إلى ذلك، وبالنظرِ إلى الحجمِ الهائلِ للمشروع، يخشى البعضُ أنه من دون عملياتِ الكشفِ الموسعة والبيانات المدقّقة المنشورة فلن تجد أكوا باوَر أو صندوق الاستثمارات العامة السعودي أنه من الممكن الحصول على مبالغ كبيرة من الأسواق المالية العالمية.
منارةٌ من شأنها إطلاق سوق الهيدروجين العالمي
يبدو أنّ لدى أير برودكتس ثقةً كبيرةً في المشروعِ. فقد قال المتحدث باسمها إنّ مشروع نيوم يستندُ على تكنولوجيا عالية الجودة مجرّبة ويتضمن تكاملاً مبتكراً لأكثر من 4 غيغا واطات من الطاقةِ المتجدّدةِ من الطاقةِ الشمسيةِ وطاقة الرياح والتخزين، ومن المقرّرُ أن يبدأ تشغيله في عام 2025. تمتلك شركة أير برودكتس موارد مالية كبيرة وستواصلُ الاستثمار في مشاريع عالية الجودة (مثل مشروع نيوم) في جميع أنحاء العالم.
وقد قال دولف غيلين، مدير مركز الابتكار والتكنولوجيا التابع للوكالةِ الدوليةِ للطاقةِ المتجددة (إيرينا IRENA) في مدينة بون الألمانية: "في حين أن رأس مال المشروع كثيف بالفعل، إلا أنّ معظم نفقات رأس المال مرتبطة بمكون توليد الطاقةِ". وبما أنّ جميع المشاركين يملكون خبرة واسعة في مجالات عملهم، فإنه يَعتبر المشروعَ واقعياً. إضافة إلى ذلك، ستنتِجُ المنشأة الأمونيا التي يمكنها أن تُباعَ في سوقِ الأسمدةِ أو كوقود للشحن البحري أو يمكن شحنها إلى وجهة التصدير وتكسيرها هناك لإطلاقِ الهيدروجين لسوقِ النقلِ، كما أضاف.
ووفقاً لووترز، فإنّ جزءاً كبيراً من حقوق الملكية سيكون من خارج المملكةِ العربيةِ السعوديةِ. "مع ذلك، سيأتي النصيبُ الأكبرُ من التمويل من مقرضين موّلوا وقدموا رأس المال لمشاريع سعودية من قبل وسيواصلون ذلك في المستقبلِ". وبما أنّ مدينة نيوم المستقبلية كانت من العناصر الرئيسيةِ في رؤية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لعام 2030، فمن المنطقي أن نفترض أنّ دوره سيكون هاماً في "إقناعِ" مقرضين محليين. كما يمكن لولي العهد السعودي، وهو أيضاً رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة، أن "يعتمد ببساطةٍ على احتياطيات النقد الأجنبي لمؤسسةِ النقدِ العربي السعودي".
ومع ذلك فإنّ المملكة العربية السعودية قادرة تماماً على أن تصبح لاعباً هاماً في سوق الهيدروجين الأخضر وإمدادات الموادِ الخام الخضراء. يعتقد ميشائيلوفا أنّ مشروع الهيدرجين الأخضر التابع لنيوم، إن نُفِّذَ كما خُطّطَ له، فسيمثِّلُ منارةً تسرِّعُ وتيرة نمو سوق الهيدروجين العالمي. وهو يعتقدُ أنّ على المملكةِ العربيةِ السعوديةِ أن تدخل المشروع في آلياتِ السوق لاتفاقية باريس للمناخ، وبالتالي زيادة الإيرادات من بيع أرصدةِ الانبعاثاتِ. وهذا قد يغيّرُ من صورةِ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ -المنظور إليها حتى هذا الوقت بوصفها معرقلاً لسياسة المناخ الدولية- ويجعلها رائدة في توليدِ الطاقةِ الخضراءِ.
ستاسا سالاكانين
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2021
[embed:render:embedded:node:41709]