وجوه سياسية ألمانية مسلمة...قوة للمهاجرين؟
من يحمل الجنسية الألمانية وسِنُّهُ 18 عاما على الأقل يحق له المشاركة في التصويت بالانتخابات البرلمانية في الـ 24 من أيلول/سبتمبر 2017 لاختيار من يحدد سياسة ألمانيا. علماً بأن واحداً من بين عشرة ممن يحق لهم الانتخاب له جذور أجنبية في هذا البلد الذي يعتبر من أبرز بلدان أوروبا.
بدأت الأحزاب ووسائل الإعلام الألمانية تلتفت إلى المجموعة الكبرى من الناخبين منذ أن بدأ حزب "البديل من أجل المانيا" الشعبوي يهتم بها أيضاً، حيث أن: 3.1 مليون من الألمان هم من المنحدرين من مناطق الاتحاد السوفييتي السابق. كما أن ثاني أكبر مجموعة هم الأشخاص من أصل تركي، ويقدِّر مكتب الاحصاءات الاتحادي أن نحو 730 ألف منهم لهم حق التصويت، وقد خاطبهم الرئيس التركي عندما حثهم على عدم التصويت لأحزاب بارزة، مثلاً: لا للحزب المسيحي الديمقراطي (حزب المستشارة ميركل) ولا للحزب الاشتراكي الديمقراطي (حزب الرئيس شتاينماير) ولا لحزب الخضر.
وردت أيدان أوزوغوز (وهي من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني ومن أصول تركية)، مفوضة الحكومة الألمانية للهجرة واللاجئين والاندماج بالقول: "لا تتركوا إردوغان يهمشكم داخل المجتمع". وحث العديدُ من السياسيين الألمان من أصل تركي على الذهاب في كل حال إلى صناديق الاقتراع. وقالت مندوبة كتلة الاتحاد المسيحي لشؤون الاندماج جميلة يوسف (من أصل تركي) إن: "الأمر يتعلق بحياتكم في ألمانيا. والسيد إردوغان لن يقدم أي حل للمشاكل التي يواجهها الناس هنا".
مشاركة انتخابية ضعيفة و"قانون تجنيس متحجر"
"كيف يتم التصويت في الحقيقة؟"، هذا السؤال تسمعه من حين لآخر أيدان أوزوغوز، مفوضة الحكومة لشؤون الهجرة واللاجئين والاندماج، وتقول إن مشاركة الأشخاص من أصول أجنبية تصل إلى 20 في المائة، وهي تدعم مشروعا يشجع الحاصلين الجدد على الجنسية الألمانية وأطفال المهاجرين على التوجه إلى صناديق الاقتراع. والدا أيدان أوزوغوز ينحدران من تركيا، وهي رأت نور الحياة في مدينة هامبورغ. واليوم تقوم نائبة زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي بحملة انتخابية مثل زميلتها جميلة يوسف. الاثنتان تنتميان لـ 37 عضوا في البرلمان الألماني لهم أصول أجنبية ـ من مجموع 631 عضوا برلمانيا.
ومقارنة مع ثمانية بلدان أوروبية فإن ألمانيا تحتل مكانة متوسطة في التمثيل السياسي. والمقام الأول تشغله بريطانيا ثم تأتي هولندا وفي آخر الذيل نجد إيطاليا وإسبانيا. وثمة إشكالية وهي أن نحو نصف مجموع الناس -الذين يعيشون منذ زمن طويل في ألمانيا ولهم أصول أجنبية- لا يحملون الجنسية الألمانية. ويقول خبير الشؤون السياسية لوكاس غيزه إن ذلك يعود لنموذج قانون التجنس المتحجر في ألمانيا في مقارنة دولية.
كراهية عنصرية ضد البرلمانيين والسياسيين من أصول مهاجرة مسلمة
في ألمانيا تم تحقيق الكثير، ومازال هناك عمل الكثير، كما تقول أيدان أوزوغوز:" كمهاجرة أشكل هدف هجوم محبب لليمينيين واليمينيين المتطرفين. والسياسي من حزب الخضر أوميد نوريبور المولود في إيران يتلقى رسائل مليئة بالشتائم المهينة التي تدعوه إلى العودة إلى تركيا. وزميله في الحزب أوزكان موتلو يتحدث عن "رسائل إلكترونية عنصرية كثيرة".
وعندما تحدث ألكسندر غاولاند من حزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي المناوئ للإسلام والمهاجرين عن ضرورة "التخلص من أيدان أوزوغوز إلى الأناضول" أي إعادة وزيرة الدولة أيدان أوزوغوز إلى الأناضول، مستخدماً كلمة ألمانية لا تُستَخدم عادةً إلا مع القاذورات، وصفت المستشارة أنغيلا ميركل ذلك بأنه تصريح "عنصري".
وتقول أيدان أوزوغوز إن السياسيين من أصول أجنبية لهم إحساس كبير بالأعمال العدائية ضد الأقليات:" فعندما يتم تجريد البنت الصغيرة في المدرسة الابتدائية من حجابها، فإن هذا ليس هو المجتمع الحر والمنفتح الذي نتمناه". وأوضحت أنه يجب أن يجلس نواب من أصول مختلفة وتوجهات دينية متعددة في البرلمان:" فعندما يجلس أشخاص معنيون، فإن النقاش يتغير". وربما حتى الإدراك: فالبرلماني كرامبا ديابي المنتخب في 2013 (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) المولود في السنغال لم تشأ العاملة في مطعم البرلمان التصديق بأنه عضو برلماني.
وتقول جميلة يوسف: "أتمنى أن لا يلعب الأصل الأجنبي يوما ما أي دور، لكن هذا ما يزال يشكل موضوعا هاما في ألمانيا التي هي بلاد هجرة".جميلة يوسف دخلت البرلمان الألماني في 2013 كأول برلمانية من أصل تركي تمثل الحزب المسيحي الديمقراطي. أما أحزاب الاشتراكي الديمقراطي والخضر واليسار فهي تضم منذ زمن برلمانيين لهم أصول أجنبية.
تفضيل المهاجرين للأحزاب اليسارية
ويقر أندرياس فوست، خبير العلوم السياسية بأن الناخبين ذوي الأصول الأجنبية يفضلون "أحزاب اليسار السياسي"، لأنها منفتحة على الأعضاء من أصول أجنبية وموضوعاتهم المطروحة. وتراهن أحزاب اليمين مثل حزب "البديل من أجل ألمانيا" على نيل أصوات الألمان من أصول روسية الذين قدموا بعد انهيار جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. وفي الانتخابات المحلية حقق حزب "البديل من أجل ألمانيا" نجاحا في المناطق التي يسكنها الروس من أصل ألماني.
كما أن حزبَيْ الاتحاد المسيحي انتبها إلى هذه الفئة من الناخبين واستقبلت المستشارة أنغيلا ميركل لأول مرة مجموعة من الروس من أصل ألماني في المستشارية. وحتى أثناء الحملة الانتخابية في ولاية شمال الراين وستفاليا خاطب مرشح الحزب المسيحي الديمقراطي هذه الفئة عبر صحيفة روسية. ويَعِدُ حزبا الاتحاد المسيحي هذه الفئة من الناخبين بالحصول على مستوى تقاعدي أعلى.
"منذ متى يحق لتركي أن يجلس هناك في الأعلى؟"، اشتكى أحد الهاتفين عام 1994 من جيم أوزديمير عضو حزب الخضر عندما كان المستشار هلموت كول يلقي كلمة. أوزدمير وسياسية أخرى من الحزب الاشتراكي كانا الشخصين الأولين في البرلمان الألماني، واليوم يجلس فيه 11 برلمانيا من أصول تركية.
ويشعر الناخبون من أصول تركية بأنهم مرتبطون تقليديا بالحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي دافع عن الجنسية المزدوجة وحقوق المهاجرين وبعدها جاء حزب الخضر واليسار. وفي الخلاف مع الرئيس التركي إردوغان تزداد نبرة الكلام حدة. وعملت المستشارة أنغيلا ميركل (من الحزب المسيحي الديمقراطي) ونائبها زيغمار غابرييل (من الحزب الاشتراكي الديمقراطي) على إثارة أجواء تفهم الألمان من أصول تركية.
الخبير في العلوم السياسية دنيس شبيس يعتبر أن "السلطة السياسية للمهاجرين محدودة. المجموعة تكبر، لكنها منقسمة جدا". فمن بين الأشخاص من أصول روسية ينحدر ربما الثلث من أوكرانيا ومجموعة صغيرة من كزاخستان والجزء الأكبر من روسيا. وعندما نسأل هؤلاء ما رؤيهم في بوتين؟ فإن 50 في المائة تقول "أحبه" والـ 50 المتبقية تقول "أكرهه". وهذا الانقسام ينطبق أيضا على إردوغان والأشخاص المنحدرين من تركيا. وعليه فإن الخبراء يقدرون أن فرص نشأة "أحزاب مهاجرين" محضة تظل ضعيفة.
أندريا غروناو
ترجمة: م.أ.م
حقوق النشر: دويتشه فيله 2017
[embed:render:embedded:node:28545]