البابا في مهد اليسوع...زيارة روحانية بنكهة سياسية
وصل قداسة البابا فرانسيس إلى مدينة بيت لحم عبر مروحية أردنية بعد أداء معمودية السيد المسيح في المغطس على نهر الأردن، لإحياء يوم الحج المسيحي، وسار يوم الأحد (25 مايو/ أيار 2014) بموكبه الروحاني إلى كنيسة المهد وسط آلاف الحجاج والمستقبلين الذين اصطفوا على أرصفة الطرقات، ومر والموكب بجوار قبة راحيل ليفاجأ البابا الجميع بترجله وأدائه الصلاة على الجدار الفصل الإسرائيلي الذي يعزل مدينة بيت لحم عن القدس، في رسالة اعتبرها الفلسطنييون رسالة تدعو العالم لتخليصهم من عذابات جدار الفصل الإسرائيلي.
تعانق الأديان
وأقام البابا فور وصوله الى ساحة كنيسة المهد التي احتشد فيها آلاف المؤمنين والحجاج من مختلف أنحاء العالم، قداسا ضخما دعا فيه إلى المحبة والسلام بين الشعوب، وفي مشهد فريد على التعايش وتعانق الأديان في الاراضي المقدسة تمازج صوت أذان الظهر الذي رفع من المسجد المقابل لكنيسة المهد مع تراتيل القداس الإلهي في مشهد أثار تصفيق وحماسة آلاف المؤمنين والحجاج الذي كانوا شاركوا بالقداس.
وقال البطريرك فؤاد طوال بطريرك كنيسة اللاتين في حديث مع موقع قنطرة إن اصطحاب البابا بحاخام وشيخ مسلم ضمن الوفد المسافر مع البابا لأول مرة "تأكيد على قناعته بإمكان تعايش كل الديانات السماوية"، مضيفا "أن حوار الديانات والتعايش يتحقق بلقاء البابا مع رؤساء الحكومات ومع رؤساء الأديان المسيحية على أنواعها والإسلام واليهود من أجل خدمة السلام وتحقيق تفاهم أكبر بين الشعوب" (والاثنان هما الحاخام إبراهام سكوركا وعمر عبود مدير معهد الحوار الديني في بوينس أيرس، صديقان للبابا منذ أن كان كردينال في وطنه الأرجنتين).
وقال المتحدث باسم الفاتيكان الأب فريديريكو لومباردي في بيان وزع على وسائل الإعلام إن وجودهما "إشارة قوية وصريحة للغاية" إلى أهمية الحوار بين الأديان في المنطقة. رسائل أمل وألم وأوضح البطريرك فؤاد طوال أن الزيارة حملت معاناة الفلسطينيين بلقاء البابا "عائلات فلسطينية تجسد المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني جراء الاحتلال، ورسائل دينية وسياسية نأمل من خلالها أن يعم السلام والمحبة في المنطقة".
وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في بداية مؤتمر صحافي عقده مع بابا الفاتيكان إن "زيارتكم تحمل معانيَ كمدافع عن الأرض والسلام"، مضيفا أن الأرض المقدسة هي وجهة مئات الملايين من المؤمنين، وهي تمثل نموذجا فريدا للتعايش، وتابع عباس: "لقائكم مع الأطفال اللاجئين يذكر العالم بمأساة فلسطين". وقال البابا في كلمة له في بيت لحم "أقول لكم من صميم القلب إنه حان الوقت لإنهاء هذا الوضع غير المقبول، من أجل خير الجميع، لتتضاعف الجهود، وحان الوقت للوصول إلى اتفاق سلام ليجلب معه السعادة والخير".
ودعا البابا في لقائه مع الرئيس الإسرئيلي شمعون بيريز إلى تناول مسار الحوار والمصالحة والسلام من جديد وبشكل دائم بشجاعة ولا كلل، لأنه ليس هناك ببساطة أي طريق آخر لتحقيق ذلك".
البرغوثي: زيارة البابا رسالة تضامن
ورأى المفكر وأمين عام المبادرة الفلسطينية مصطفى البرغوثي في حديث مع قنطرة أن "زيارة البابا رسالة تضامن مع الشعب الفلسطيني وضد الاحتلال ونظام الفصل العنصري، تجسَّدت بترجله من موكبه للسير أمام جدار الفصل، وأدائه الصلاة على الجدار مباشرة، وعلى البوابة التي تفصل بيت لحم عن القدس، معتبرا أن هذه رسالة واضحة وقاطعة بأنه يصلي من أجل إزالة الجدار وإزالة الحواجز التي منعته من العبور من بيت لحم الى القدس مباشرةً".
وأضاف: "صورة البابا وهو يصلي أمام جدار الفصل العنصري ستبقى مطبوعة في أذهان العالم بأسره، وستكون رافعة جديدة لإزالة وإسقاط الاحتلال ونظام الفصل العنصري".
مفتي القدس: زيارة البابا تعمق التسامح
ورأى المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين الذي استقبل البابا في المسجد الأقصى، في حديث مع قنطرة أن "زيارة البابا للمسجد تعمق التسامح والتعايش في المدينة". مضيفاً أن العيش المشترك بالقدس وتقاسم الآمال والآلام بين أهل هذه الديار من المسلمين والمسيحيين يصلح نموذجاً يحتذى به للأقطار التي يعيش فيها أتباع الديانات السماوية"، مضيفا أن زيارة البابا تعزز التلاقي والتعايش بين الأديان واحترام الآخر".
ودعا البابا فرنسيس المسلمين والمسيحيين واليهود من داخل المسجد الأقصى إلى "العمل معا من أجل العدالة والسلام". مضيفا أن الأديان السماوية الثلاث ترى في النبي إبراهيم "أباً في الإيمان" وقال البابا للمفتي: "لنحترم ونحب بعضنا بعضاً كأخوة وأخوات، لنتعلم أن نفهم ألم الآخر ولا يستغل أحد اسم الله لممارسة العنف، ولنعمل معا من أجل العدالة ومن أجل السلام".
كما شكلت الزيارة تقاربا تاريخيا بين الطوائف المسحية، حيت القتى البابا وبطريرك القسطنطينية الأرثوذكسي بارتولوميوس في كنيسة القيامة في القدس، في لقاء مسكوني لدعم الوحدة بين المسيحيين، دعا فيه "إلى المضي في التقارب بين الكنيستين بعد نحو عشرة قرون على الانشقاق الكبير عام 1054 ".
مهند حامد - بيت لحم
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2014