مدوّنة الأسرة الجديدة تواجه عقبات عديدة

قانون الأسرة المغربي الذي تم التصديق عليه في الأول فبراير/شباط 2004 من أحدث القوانين في العالم العربي. إلا أن المنظمات النسائية المغربية ترى أن هذه المدونة تواجه عقبات كثيرة في التطبيق. بقلم بيآت شتاوفر

لقد مضي أكثر من ثلاث سنوات على كلمة الملك محمد السادس التي ألقاها أمام البرلمان التي أمر فيها باتخاذ تعديلات على القانون الخاص بالأسرة والمرأة. بهذه التعديلات نال المغرب سمعة عالمية طيبة. إلا أن الأوساط الناقدة ترى أن هذه التعديلات ليست إيجابية إلى هذا الحد.

فعلى حد تعبير صحيفة "لو جورنال إيبدومادير" يعتبر العالم المغرب قدوة حسنة في المنطقة العربية فيما يخص حقوق المرأة، إلا أن السلطات لا تتخذ ما يكفي لشرح المدونة الجديدة للمواطنين والمواطنات وحتى يتمكنوا من تطبيقها بطريقة جدية".

التطبيق لا يكاد يوحي بتغيير

وبالمثل قامت الجمعيات المستقلة للمرأة في المغرب بتوجيه النقد للوضع الحالي بخصوص هذا القانون. فعلى سبيل المثال ترى السيدة مينا تفنوت العضو في مجلس إدارة الجميعة الديمقراطية لنساء المغرب (ADFM) أن القانون يعتبر بلا شك تقدما كبيرا، إلا أن تطبيقه لم يثبت بعد تغييرا كبيرا.

ولا تزال النساء تعانين من التمييز والعنف في بيت الزوجية والوصاية الأبوية، كما أن السلوكيات القديمة مثل تعدد الزوجات وتزويج البنات القاصرات لا تزال مألوفة عند الكثير.

وترى مينا تفنوت أن المشكلة الرئيسية تكمن في تطبيق قانون الأسرة الجديد، فبعض بنود هذا القانون قد صيغت بطريقة غامضة وأن القضاة لم يتمرنوا بعد على العمل طبقا للمدوّنة الجديدة. ولهذا فإن كثيرا من الحالات يتوقف الحكم فيها على شخصية القاضي ونظرته إلى الحياة.

وترى الجميعة الديمقراطية لنساء المغرب (ADFM)أيضا أن الشعب المغربي ليس على دراية صحيحة بما هو جديد في المدوّنة على الرغم من أن تلفاز الحكومة المغربية بث إعلانات حول هذا الموضوع بين الحين والآخر قبل عامين. ولكن الإعلانات كانت بالعربية الفصحى وكانت على مستوى عال من التقنية لدرجة أنها لم تصل إلى جمهور النساء اللاتي على قدر غير كاف من التعليم وفي أغلب الأحيان أميّات.

لهذا فإن السيدة مينا تفنوت لا تتعجب من عدم إعجاب الكثير من الرجال بقانون الأسرة الجديد وبعضهم يرفضونه رفضا كليا. وتعبر عن ذلك قائلة: "لديّ انطباع أن كثيرا من الرجال يشعرون بالتهديد من المدوّنة الجديدة ويخشون ضياع دورهم التقليدي كرؤساء للأسرة والمزايا المرتبطة بذلك".

إن جميعة الديمقراطية لنساء المغرب (ADFM) تلقت العديد من المخابرات التلفونية والرسائل التهديدية من الرجال الغاضبين. ومع ذلك فإن السيدة تفنوت، المعنية بحقوق المرأة، لا تزال متفائلة في تغيّر هذه العقلية الراسخة مع مرور الوقت. وترى أن هذا التغيير يحتاج إلى توعية كبيرة في المدارس والمساجد ووسائل الإعلام أيضا.

وعلى هذا النحو جاء حكم العصبة الديموقراطية لحقوق المرأة (LDDF) التي تعد ثاني أكبر منظمة نسائية مستقلة في المغرب. فقد قامت المنظمة باستعراض الموقف في ربيع 2006 وقدمت إحصائية من بينها حول الموافقة على زواج البنات القاصرات وتعدد الزوجات، وقالت أن غالبية الموافقات الخاصة تخالف البنود المذكورة في المدوّنة الجديدة - التي تجعل الزواج خاضعا لشروط خاصة - مخالفة صريحة.

سوء الظن بالأصوليات

هناك شكوك كبيرة فيما يتعلق بالتعاون بين هاتين المنظمتين والأصوليات من النساء والمنظمات التي تضمهن. فهاتان المنظمتان تتهمان حزب العدالة والتنمية (PJD) الحزب الأصولي في البرلمان بعدم وضوح موقفه وتناقضه بخصوص قانون الأسرة الجديد. فعلى الرغم من أن جميع أعضاء حزب العدالة والتنمية البرلمانيين وافقوا على هذا القانون إلا أن هناك مقالات تنشر في صحافة الأصوليين تنتقد وترفض هذا القانون.

كما تنتقد مينا تفنوت دور السيدة نادية ياسين بعدم الوضوح، حيث تقوم من ناحية بدور المتحدث الرسمي عن "العدالة والتنمية" - وهي كبرى الحركات الأصولية في البلاد والتي ظلت ترفض تعديل قانون الأسرة بكل صراحة - ومن ناحية أخرى تروج لـ"حركة النسوية في الإسلام".

​​هناك منظمات نسوية أصولية وأخرى علمانية للغاية، ويبدو أن هناك هوّة كبيرة تفصل بين هذه المنظمات، وهذه لا يمكن سدها إلا في نقاط محددة. فكثير ممن يدعون إلى قانون أسرة عصري حر يشكّون في دوافع الأصوليات ويرون أن تعاونهن مع المنظمات واللجان النسوية ما هو إلا استراتيجية للتسلل للاستيلاء على السلطة. ومما يؤكد هذا الشك عمليات الإعتداء بالألفاظ وبالأيدي المتكررة من جانب الأصوليين.

وكانت السيدة عائشة الشنا، أشهر المعنيات بحقوق المرأة في المغرب، هدفا متكررا لهجمات الأصوليين. إلا أن تلك الهجمات لم تثن هذه السيدة التي أسست جمعية "التضامن النسوي" التي تناضل منذ ما يزيد على عشرين عاما من أجل حقوق الأمهات العازبات. فقامت بكل صبر بتدوين حالات التمييز التي لا تزال موجودة في قانون الأسرة الجديد، وأعربت في نفس الوقت عن تفهمها للتحرك بحذر إذاء هذا الموضوع قائلة:

"لو طالبت المدوّنة الجديدة بأكثر من ذلك لقُوبلت بالتأكيد بالرفض من قبل الدوائر الأصولية". وتعقد السيدة عائشة الشنا أملها على الإقناع بدلا من المواجهة، وتنادي بإصرار بصيغة جديدة للتربية الجنسية حتى يمكن معالجة العوائق الراسخة ضد المساواة بين الرجل والمرأة.

كفاح صعب

وعلى العكس من هاتين المنظمتين ترى المنظمة المسيحية السويسرية لخدمة السلام cfd - التي تساند "برامج مساعدة" النساء والأطفال المظلومين في المغرب – أن نتائج هذا القانون فيها شيء من الإيجابية. فتعتقد السيدة سيفرينا إيغنشبيلر، منسقة البرنامج في المغرب أنه من السهولة بمكان أن تحصل المغربيات اليوم على الطلاق.

وتشير في نفس الوقت إلى مشاكل تطبيق القانون الجديد وإلى مجموعة من العيوب وكذلك أيضا إلى وضع الأمهات العازبات الذي لا يكاد يطرأ علية تحسن. وبسبب تحريم العلاقة الجنسية قبل الزواج وخارج حدود الزوجية فلا يستطيع أحد في المغرب القيام بأي نشاط سياسي لمساندة هؤلاء الناس.

وتتفق المنظمات النسوية الثلاثة في المغرب في مطالبها من أجل المستقبل. أولاهما التحريم القطعي للزواج بأكثر من امرأة لأن هذا يعني نقص من قيمة المرأة على حد قول مينا تفنوت. وثانيهما تعديل قانون الميراث الإسلامي. وأخيرا تعديل قانون حضانة الأطفال الذي يظلم المرأة. وتضيف السيدة مينا تفنوت بإصرار: "هذا ما سوف نكافح من أجله في المستقبل"، وتشير في ذلك إلى صعوبة هذا الكفاح لأن أنصار الشريعة لهم أيضا في المغرب تأثير أقوى.

بقلم بيات شتاوفر
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2006

بيآت شتاوفر صحفي سويسري مختص بشؤون شمال إفريقيا

قنطرة

مدونة الأسرة الجديدة في المغرب
هناك إجماع شبه كامل بين القوى الاجتماعية والسياسية المختلفة في البلاد على أن الإصلاحات القانونية التي تخص حقوق المرأة المغربية ضرورية وتدعم دمقرطة المغرب.

التضامن النسائي في المغرب
فازت السيدة المغربية عائشة شينة بجائزة اليزابيت نورغال تقديرا لشجاعتها الفائقة في الدفاع عن النساء ضد اللأحكام الإجتماعية القاسية، ولجهودها الإنسانية في تأسيس جمعية التضامن النسوي، التي ترعى النساء وأطفالهن غير الشرعيين.

لا يمكن فرض الشريعة بالقوة على المجتمع
تعتبر نادية ياسين شخصية بارزة في حركة "العدل والإحسان" الإسلامية المغربية التي تطالب بإجراء تغييرات جذرية في دستور النظام الملكي في المغرب. في هذه المقابلة تنفي وجود صراع حضارات، مؤكدة على أن الصراع الحقيقي يدور بين الفقر والغني

فاطمة صديقي، أستاذة جامعية ومديرة مركز بحوث المرأة في فاس
أدى مزيج فريد من التحركات الفعالة النشطة من قِـبَل نساء علمانيات ومتدينات، والتحركات المحسوبة على الأحزاب السياسية في المغرب، والدور الضخم الذي لعبه الملك، إلى إحراز تقدم حقيقي