ضرورة تحري ألمانيا الدقة في موضوع فلسطين وإسرائيل

مدينة فرانكفورت أم ماين الألمانية في الخامس عشر من أيَّار/مايو 2021: مظاهرة ومظاهرة مضادة في ذكرى النكبة. Frankfurt am Main, am 15. Mai 2021: Demonstration und Gegendemonstration zum Nakba-Gedenktag
مدينة فرانكفورت أم ماين الألمانية، في الخامس عشر من أيَّار/مايو 2021: مظاهرة ومظاهرة مضادة في ذكرى النكبة. (Foto: Hannelore Foerster/imago-images)

على ألمانيا -من أجل أن يشعر اليهود فيها بالأمان- أن تتعامل مع المهاجرين فيها كحلفاء في مكافحة عِداء السامية وتتمتع بِبُعد نظر تحقق به مصلحة وطنية أكثر دقةً وثقافة تذكير بالمحرقة أكثر شمولاً. استشراف المحللة السياسية الألمانية كريستين هيلبيرغ.

الكاتب، الكاتبة : كريستين هيلبيرغ

تشهد ألمانيا حالة انقسام. فبينما يدعو الآلاف في ألمانيا إلى وقف إطلاق النار في غزة ويتضامنون مع معاناة الفلسطينيين تقف النخبة السياسية متحدة بإصرار خلف إسرائيل داعمةً لها وللحرب التي تخوضها.

تردَّد بصوت واحد في ألمانيا أن -بعد هجمات حماس الإرهابية المروعة في السابع من تشرين الأوَّل/أكتوبر 2023- من حقّ إسرائيل ومن واجبها الدفاع عن نفسها، وأنَّ مكان ألمانيا في هذه اللحظة العصيبة التي تُختبر فيها الولاءات هو الوقوف بقوة إلى جانب إسرائيل. أمَّا انتقاد أفعال الجيش الإسرائيلي فيتم رفضه رفضًا صارمًا في ألمانيا بحجة أنَّ إسرائيل دولة دستورية ديمقراطية.

ولكن بعد قتل أكثر من عشرة آلاف شخص في غزة -ثلثاهم من النساء والأطفال- فإنَّ كلمات المستشار الألماني عن "المبادئ الإنسانية للغاية" التي تسترشد بها دولة إسرائيل الديمقراطية باتت تبدو مثيرة للسخرية بالنسبة للأشخاص الذين يوجد لديهم أقارب في قطاع غزة. لقد حان الوقت من أجل متابعة مسار هذا الصراع ببوصلة الإنسانية.

وهذه البوصلة تساعدنا في الشعور التضامني مع جميع الضحايا وإدانة العنف ضدَّ المدنيين على كلا الطرفين – بصرف النظر عن حقيقة أنَّ حماس هي التي أشعلت شرارة الحرب الحالية، وبعيدًا عن أية تساؤلات حول تناسُب الردّ الإسرائيلي.

يرغب الكثير من الناس في ألمانيا -اليساريين والمحافظين والمسلمين والمسيحيين واليهود والملحدين والمهاجرين والألمان الأصليين- في رؤية المزيد من التمايز الدقيق والتعاطف والتوازن في هذا الصراع المشحون جدًا عاطفيًا.

امرأتان فلسطينيتان تخبزان الخبز في رفح بقطاع غزة. (Foto: Hatem Ali/AP Photo/picture alliance) wei palästinensische Frauen backen Brot in Rafah im Gazastreifen.
امرأتان فلسطينيتان تخبزان الخبز في رفح بقطاع غزة. (Foto: Hatem Ali/AP Photo/picture alliance)

التركيز على الناس

"أمن إسرائيل هو مصلحة وطنية ألمانية" ـ تدور نقاشات كثيرة حول ما تعنيه بالتحديد هذه العِبارة [التي أكَّد عليها السياسيون الألمان]. فهل تعني إنه يجب على الجنود الألمان الدفاع عن إسرائيل في حالة الطوارئ؟ وهل تعني أنه يتعيَّن على السياسيين الألمان أن يقفوا من دون قيد أو شرط إلى جانب حكومة إسرائيلية بعض أعضائها عنصريون ومتطرِّفون دينيًا؟ لذلك فإنَّ الصيغة الأكثر وضوحًا ينبغي أن تكون بالأحرى الصيغة التي لا تتوجَّه إلى الدولة بل إلى الناس: أمن الناس في إسرائيل هو مصلحة وطنية ألمانية.

وبالتالي: إذا كانت الحكومة الإسرائيلية لا تفعل ما يكفي لتوفير الأمن من وجهة نظر قسم كبير من مواطنيها -وذلك لأنَّها مشغولة بالبقاء في السلطة من خلال إصلاح قضائي مشكوك فيه ومشغولة بحماية المستوطنين المتطرِّفين داخل الضفة الغربية- فإنَّ تضامننا يجب أن يكون مع الناس في إسرائيل وليس مع قيادتها السياسية. وعندئذ لا يكون النقد [الموجَّه إلى الحكومة الإسرائيلية] مسموحًا به فقط بل وحتى ضروريًا من أجل المصلحة الوطنية الألمانية.

ومن المفيد أيضًا فيما يتعلق بموضوع معاداة السامية أن يكون التركيز على الناس. لقد شدَّد رئيس ألمانيا الاتحادي فرانك فالتر شتاينمايَر على أنَّ حماية الحياة اليهودية تعتبر من مهمة الدولة الألمانية، مضيفًا: "لكنها أيضًا واجب مدني" على المواطنين. ودعا المستشار الألماني أولاف شولتس الناس في ألمانيا إلى "التحلي بالشجاعة المدنية من أجل حماية اليهوديات واليهود".

وبذلك يُطلَب من جميع الناس في ألمانيا -وحتى من المهاجرين- أن يشعروا بأنَّهم ملزمون بحماية اليهوديات واليهود. وبالتالي فإنَّ السؤال الحاسم هو كيف يمكن أن يصبح الفلسطينون والفلسطينيات المقيمون هنا في ألمانيا حلفاء في مكافحة معاداة السامية.

توحيد صفوف الشرفاء

تكمن الخطوة الأولى في التمييز بشكل أفضل بين صراع سياسي قائم بين شعبين في الشرق الأوسط وبين كراهية بعباءة دينية، بين الغضب المبرَّر تجاه إسرائيل وبين التهجم العامّ على اليهود. إنَّ مطالبة أحفاد اللاجئين الفلسطينيين بالتضامن مع إسرائيل -الدولة المسؤولة عن معاناة أسرهم وأهاليهم- هي مسألة منفصلة عن الواقع.

كيف يمكن فعل ذلك بشكل خاص في الوقت الذي تستحضر فيه حكومة إسرائيل رؤية الدولة اليهودية التي لا مكان فيها للفلسطينيين وينظر بالتالي بعضُ ممثِّليها إلى الاستمرار في قمع السكَّان الفلسطينيين وتشريدهم من ديارهم كوسيلة مُجَرَّبة فعَّالة.

كَلَّا، بل يجب أن يكون تركيزنا على التعايش في ألمانيا. فبدلًا من رفع الالتزام بأمن إسرائيل إلى مستوى اختبار نوايا وشرط للحصول على الجنسية الألمانية وجعل شعار "فلسطين حُرَّة" سببًا للترحيل عن ألمانيا يتعيَّن علينا العمل بوسائل دولة القانون الدستورية ضدَّ التحريض على العنف.

ويجب أيضًا تشجيع اليهود والمسلمين والمسيحيين وكذلك جميع أتباع الديانات الآخرى وغير المؤمنين على الاتحاد للدفاع عن أنفسهم ضدَّ الهجمات المتطرِّفة - بصرف النظر عن إنْ كان مصدر هذه الهجمات إسلامويين متطرفين أو يساريين متطرِّفين أو كارهين لإسرائيل أو لألمانيا أو للإسلام أو متعاطفين من اليمين المتطرِّف مع حزب "البديل من أجل ألمانيا" أو حتى جهاديين دعاة خلافة.

ويجب أن يكون الهدف هو توحيد صفوف الأشخاص الشرفاء لمواجهة الجماعات والأحزاب التي تريد تدمير التعايش السلمي في المجتمع التعدُّدي.

آلاف المتظاهرين في مظاهرة مؤيِّدة للفلسطينيين في برلين - ألمانيا. Foto: Jörg Carstensen/dpa/picture alliance Tausende versammeln sich zu einer pro-palästinensischen Demonstration in Berlin.
آلاف المتظاهرين في مظاهرة مؤيِّدة للفلسطينيين في برلين. ترى كريستين هيلبيرغ أنَّ "الفلسطينيين الألمان يشعرون بالعجز وبعدم النظر إليهم. وعندما يتحوَّل غضبهم إلى عدوان معادٍ لليهود، يصبح الأمر خطيرًا - ليس فقط بالنسبة للأشخاص اليهود بل حتى لغيرهم، وذلك لأنَّ المتطرِّفين ودعاة الكراهية يستغلون هذه المشاعر والحالة العاطفية من أجل تحقيق أجندتهم المعادية للديمقراطية". (Foto: Jörg Carstensen/dpa/picture alliance).

انتقاد إسرائيل يوصف بسرعة كمعاداة للسامية

وهذا التمييز يجب أن ينعكس أيضًا في ثقافة النقاش لدينا في ألمانيا؛ حيث يتم وصف انتقاد السياسة الإسرائيلية بسرعة كبيرة للغاية على أنَّه معاداة للسامية مرتبطة بإسرائيل.

صمتت في ألمانيا النقاشات حول التمييز المؤسسَّاتي ضدَّ الفلسطينيين والدعوات إلى المقاطعة كمقاومة مدنية وحول بناء المستوطنات - وهي قضايا تناقشها بحماس العديد من الأصوات في إسرائيل نفسها وفي بلدان أوروبية أخرى وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية.

ونتيجة لذلك فإنَّ الفلسطينيين الألمان يشعرون بالعجز وبعدم النظر إليهم. وعندما يتحوَّل غضبهم إلى عدوان معادٍ لليهود، يصبح الأمر خطيرًا - ليس فقط بالنسبة للأشخاص اليهود بل حتى لغيرهم، وذلك لأنَّ المتطرِّفين ودعاة الكراهية يستغلون هذه المشاعر والحالة العاطفية من أجل تحقيق أجندتهم المعادية للديمقراطية.

يرِد -وعن حقّ- في موقع وزارة الخارجية الألمانية على الإنترنت أنَّ: "رؤيتنا معاناة الفلسطينيين هي عنصر أساسي في أمن إسرائيل". ولكن وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك -التي تشير دائمًا إلى مصير النساء والأطفال في النزاعات كجزء من سياستها الخارجية النسوية- صوَّتت ضدَّ وقف إطلاق النار في غزة.

دعونا نُحدِّد الخط الأحمر بشكل أوضح: معاداة السامية المرتبطة بإسرائيل تبدأ هنا حيث يتم التشكيك في حقّ دولة إسرائيل في الوجود، وأي شيء آخر عدا ذلك يمكن ويجب مناقشته. أمَّا التذكير بالمحرقة وإحياء ذكراها فيبقى جزءًا من محاولة ألمانيا التصالح مع ماضيها.

وعلى خلفية مشاعر الألمان المكبوتة وغير المعالجة فإنَّ التماهي مع الدولة اليهودية يمثِّل "عنصرًا أساسيًا في خلاص الألمان"، مثلما كتبت الكاتبة الألمانية شارلوته فيدمان في كتابها "فهم آلام الآخرين".

الاعتراف بصدمات الآخرين

ومع ذلك فإنَّ الذاكرة ليست منتَجًا نهائيًا قائمًا بذاته، بل هي عملية في تغيُّر مستمر، كما تكتب شارلوته فيدمان. وهذا يعني أنَّ المهاجرين في ألمانيا يجلبون معهم تجاربهم الخاصة مع الحكم المستبد أو الأجنبي والاضطهاد والحرب واللجوء؛ وأنَّ "صدماتهم تضاف إلى الذاكرة الجماعية لمجتمع ما بعد الهجرة"، كما تشدِّد الكاتبة شارلوته فيدمان.

وهي تعتقد أنَّ الاعتراف بهذه الصدمات يمثِّل الخطوة الأولى في اتجاه الحوار حول الإبادة الجماعية التي تعرَّض لها اليهود على أيدي النازيين. تقول شارلوته فيدمان إنَّ ذلك كما في كلِّ أزمة زوجية: فقط عندما يتم الاعتراف بألمي الخاص أستطيع الانفتاح على ألم الطرف الآخر.

تتم منذ سنين عديدة دراسة كيف أنَّ المهاجرين في ألمانيا يغيِّرون التذكير بالمحرقة وإحياء ذكراها - حيث قدَّم المؤلف مالتِه ليمِنْغ نظرة عامة على هذا الجدل في مقال له صدر عام 2018 في صحيفة "تاغيسْشبيغل" الألمانية. ومع ذلك لم يتغيَّر سوى القليل في ثقافة التذكير الألمانية.

وعلى الرغم من أنَّ يوم السابع والعشرين من كانون الثاني/يناير -أي ذكرى تحرير معسكر الاعتقال النازي أوشفيتز-بيركيناو- قد تم تحديده كيوم عالمي لإحياء ذكرى المحرقة من قِبَل الأمم المتحدة في عام 2005، وعلى الرغم من أنَّ الباحثين في مجال الهجرة يدْعون منذ فترة طويلة إلى عدم فهم المحرقة على أنَّها تاريخ ألماني بحت، إلَّا أنَّنا ما نزال ننتظر من المهاجرين في ألمانيا أن يندمجوا معنا في إجماعنا على الذكرى. إذ يُتَوَقَّع مِنْ مَنْ يعيش هنا في ألمانيا أن يتبنَّى أوَّلًا وقبل كلِّ شيء الشعور الألماني بالذنب.

ولكن المحرقة لا يمكن دمجها في مجتمع الهجرة باعتبارها مجرَّد اعتراف بالذنب. لماذا يجب على شخص من فيتنام أو تشيلي أو تركيا يعيش هنا في ألمانيا أن يشعر بالمسؤولية عن الإبادة الجماعية الألمانية لستة ملايين يهودي؟

ولماذا يجب على مهاجر سوري ما تزال أرضه في مرتفعات الجولان محتلة حتى يومنا هذا من قِبَل إسرائيل أو على مهاجر فلسطيني تم تشريد أجداده من ديارهم نتيجة تأسيس دولة إسرائيل أن يعمل من أجل أمن هذه الدولة بالذات؟

حجارة تذكارية في الرصيف تذكِّر بضحايا النازيين Foto: Harrison Mwilima/DW Stolpersteine erinnern an die Opfer der Nazis. Das Kunstprojekt von Gunter Demnig zählt inzwischen 100.000 solcher Steine.
حجارة تذكارية في الرصيف تذكِّر بضحايا النازيين. ناشطة سورية في مجال حقوق المرأة مقيمة في برلين منذ عام 2015 - تتوقَّف عند كلِّ حجر تذكاري في الرصيف لتقرأ الأسماء المحفورة عليه لأشخاص تم ترحيلهم خلال الحكم النازي يُذكِّرونها بمن اختفوا في سوريا. (Foto: Harrison Mwilima/DW).

فهم المحرقة

ولكن جميع هؤلاء الناس -الذين يشكِّلون ربع المجتمع الألماني- يتعين عليهم الإقرار بضرورة قيام دولة يهودية مستقلة نتيجة للمحرقة. فهل يمكن أن ينجح ذلك؟ بالتأكيد يمكن. فمن أجل فهم المحرقة لا حاجة إلى الانحدار من أصل ألماني.

ما يحتاجه ذلك هو ثقافة تذكير ذات وجهات نظر متعدِّدة، ولا تنظر إلى المحرقة من وجهة النظر الألمانية فقط بل تسمح أيضًا بالنظر إليها من الخارج. وبذلك من الممكن أن تصبح المحرقة جريمةً ضدَّ الإنسانية ويمكن للمهاجرين الذين ليست لديهم أية صلة في سيرهم الذاتية بالنازية أن يستخلصوا من المحرقة الدروس نفسها التي تعلمها الألمان من أسلافهم النازيين.

كثيرًا ما كان يتماهى المهاجرون والمسلمون الشباب مع الضحايا اليهود عند زيارتهم نصب المحرقة التذكارية، كما قالت الباحثة في علم الاجتماع إسراء أوزيوريك في مقابلة مع صحيفة "تسايت أونلاين" الألمانية. وهذا أمر واضح كونهم أفرادًا من أقلية يعانون من الإقصاء والتمييز، بحسب تعبير إسراء أوزيوريك.

وبالنسبة للباحثة إسراء أوزيوريك ليس مهمًا إنْ كان الوصول الشخصي للموضوع من وجهة نظر الجاني أو الضحية أو مراقب غير مشارك. والمهم في النهاية -بحسب تعبيرها- هو المعرفة المشتركة.

ويجب على الجميع أن يفهموا كيف يعمل المجتمع الفاشي وكيف يتيح التهميش المنهجي المجال للعنف وأنَّ أي شخص يمكن أن يصبح مجرمًا، كما ترى إسراء أوزيوريك.

تُظهر المأساة في إسرائيل وغزة من جديد أنَّ المحرقة -التي تعتبر جريمة كبرى في تاريخ العالم- ما يزال لها تأثير محسوس حتى يومنا هذا. ولهذا السبب بالذات فإنَّ إحياء الذكرى يجب أن يلتقط الخيوط التاريخية ويستمر في نسجها.

فماذا نتج عن ذلك في ألمانيا؟ وفي فلسطين؟ وكيف يمكننا البدء في حوار حول الأحداث التي وقعت بعد عام 1948، والتي تُقيَّم وتُروى بشكل مختلف في العالم العربي عن تقييمها وروايتها في إسرائيل وألمانيا - وهذا الحوار يبدأ في الحالة المثالية في ساحات المدارس والفصول الدراسية؟

Here you can access external content. Click to view.

التضامن مع المهمشين

يَعرِف التربويون الأذكياء -مثل توبياس نولته وغيرهارد هانلوزَر، وهما معلمان في منطقة نويكولن ببرلين- كيف يمكن القيام بذلك: من خلال العمل على بناء العلاقات والتفكير النقدي ونقد الذات والاعتراف بالشباب الناشئين واحترامهم. وهما على علم بتجارب طلابهما مع التمييز ويعرفان العنصرية ومعاداة السامية ويعلمان أنَّ هناك طرفين في هذا الصراع لهما مواقف مشروعة يجب الاستماع إليها.

ويمثِّل تشابك سير طلابهما الذاتية مع هذا الموضوع تحدِّيًا وفرصةً في الوقت نفسه، وذلك لأنَّ الاهتمام بصراع الشرق الأوسط يهز القناعات الخاصة بالهوية من ناحية ويتيح لهم من ناحية أخرى الوصول بأنفسهم إلى الموضوع.

وتوجد بالفعل مشاريع عمل مميِّزة تشمل القيام برحلات دراسية إلى الشرق الأوسط وزيارات ضمن الفصول الدراسية لأشخاص من الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي يعملون من أجل السلام وكذلك أفكار للتخفيف من حدة التصعيد على المدى القصير. وبدلًا من حظر الأعلام الفلسطينية في ألمانيا يمكننا أن نعرض العلمين الإسرائيلي والفلسطيني في درس التاريخ أو السياسة والنقاش حول المشاعر التي يثيرها كلٌّ منهما.

وهكذا يمكن للشباب -الذين توجد لديهم أو لا توجد لديهم أصول مهاجرة- الحديث عن روابط سيرهم الذاتية بإسرائيل وفلسطين، وماذا أخبرهم آباؤهم وأمهاتهم أو أجدادهم حول الحرب العالمية الثانية؟ وما هي عواقب المحرقة أو النكبة على تاريخ عائلاتهم؟ ومن الممكن أن يساعد التبادل المعتدل حول التجارب والتصوُّرات -من دون إلقاء اللوم المباشر- في إلغاء تحريم هذه القضية وفي التعامل معها بموضوعية.

ومن شأن الاستماع أن يؤدِّي في أفضل الأحوال إلى الفهم، وأن يؤدِّي الفهم إلى التضامن. إنَّ مَنْ يفكِّر بعقلية معادية للسامية يتصرَّف أيضًا بعنصرية - وبهذه الرؤية يمكن أن ينشأ من الغضب والألم والخوف تضامن بين المهمَّشين.

وعندئذ لن ينظر المسلمون الألمان والمسيحيون العرب والمهاجرون المنحدرون من جذور شرق أوسطية إلى اليهود الذين يعيشون هنا في ألمانيا كجناة أو أعداء بل كأشخاص لديهم تجارب مماثلة مع التهميش والعنف. مثل الناشطة السورية في مجال حقوق المرأة المقيمة في برلين منذ عام 2015 - التي تتوقَّف عند كلِّ حجر تذكاري في الرصيف لتقرأ الأسماء المحفورة عليه لأشخاص تم ترحيلهم خلال الحكم النازي يُذكِّرونها بمن اختفوا في سوريا.

"سنجتاز هذا معًا" شعارٌ رفعه إسرائيليون يهود وعرب في مؤتمر تضامن وطني في صورة مثيرة للإعجاب. وإذا كان يتضامن تحت تأثير الإرهاب والحرب في إسرائيل مسلمون مع اليهود وإسرائيليون مع الفلسطينيين فيجب أن يكون هذا التضامن ممكنًا في ألمانيا أيضًا.

 

كريستين هيلبيرغ
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2023
‏‪Qantara.de/ar‬

تم نشر هذا المقال أوَّل مرة في صحيفة "تاغيسْشبيغل" الألمانية.