"التزام صارم بالقانون الدولي"
في أعقاب هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شنت إسرائيل حربا في غزة تستمر حتى الآن منذ أكثر من تسعة أشهر. تبعد غزة الفلسطينية -الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967- عن أوروبا بُعد براغ عن برلين، والشيء نفسه ينطبق على إسرائيل والأراضي الفلسطينية في القدس الشرقية والضفة الغربية. ومع ذلك فإن الاتحاد الأوروبي شبه غائب عندما يتعلق الأمر بإجراء تغييرات واقعية في المنطقة.
إذا قارنا هذا الغياب باهتمام الاتحاد الأوروبي بقضايا أخرى من قضايا "الجوار الأوروبي"، مثلا فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا أو بالهجرة في منطقة البحر المتوسط، فسنرى هذا النقص بشكل أوضح، رغم أن إسرائيل وفلسطين جزء من ذلك الجوار.
اقتباس: "الاتحاد الأوربي شبه غائب عندما يتعلق الأمر بإجراء تغييرات واقعية في المنطقة."
وتنبثق عن ذلك أسئلة مهمة: هل يجب على الاتحاد الأوروبي أن يشارك مشاركة أكثر فعالية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟ وكيف يمكن أن يزيد من مشاركته؟ وما العوائق التي تقف في سبيل جهود كهذه؟
الجوار الأوروبي وسياسة الاتحاد الأوروبي
يعترف الاتحاد الأوروبي بالفعل بأن إسرائيل وفلسطين جزء من "الجوار الأوروبي" الأوسع. منذ عشرين عاماً ينتهج الاتحاد سياسة جوار أوروبية (ENP) تهدف إلى تعزيز "الاستقرار والأمن والرخاء في المناطق المجاورة للاتحاد الأوروبي، سواء كانت في الجنوب أو الشرق". ألا يبدو هذا مألوفاً؟ نعم، ولا عجب، فهو الوصف الذي أصدرته الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية بشأن سياسة الجوار الأوروبية.
ومن الممكن توجيه كثير من النقد إلى سياسة الجوار الأوروبية، وذلك على أساس ما أعلنته من مبادئ. ومن الأهداف المعلنة لتلك السياسة الالتزام بالاعتراف بشراكات "تقوم على أساس من القيم المشتركة، وتعزيز الديمقراطية، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان والتضامن الاجتماعي"؛ وهو التزام يمكن التشكيك فيه بسهولة عند النظر إلى السياسات التي انتهجها الاتحاد الأوروبي على مدى الأعوام العشرين الأخيرة.
ومع ذلك فإن تدخل الاتحاد الأوروبي في القضية الإسرائيلية-الفلسطينية له ما يبرره تماما، انطلاقا من العناصر الأساسية لسياسة الاتحاد الأوروبي. فالديمقراطية في إسرائيل تواجه تحديات كبيرة، ويرجع ذلك جزئياً إلى هجوم الحكومة الحالية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو على المؤسسات القانونية والقضائية الإسرائيلية، إذ إن هناك أسباب أشمل لم تنل الاهتمام الكافي حتى الآن، ألا وهي أن الطيف السياسي الإسرائيلي قد اتجه باستمرار نحو اليمين على مدار العشرين عاما الماضية. وقد أدى ذلك إلى أن القوميين المتطرفين مثل وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، يُنظر إليهم في السياق الأوروبي باعتبارهم من اليمين المتطرف، في حين أنهم يعتبَرون في السياسة الإسرائيلية من يمين الوسط. ومن المرجح أن تتزايد في السنوات المقبلة أهمية هؤلاء السياسيين، أو على الأقل آرائهم المتطرفة.
بالإضافة إلى ذلك يمثل النقص في الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، سواء في غزة قبل الحرب الأخيرة أو في الضفة الغربية، تحديا أمام استقرار أي دولة فلسطينية مستقبلية. فإذا وضعنا "سيادة القانون" أو "احترام حقوق الإنسان" في إسرائيل وفلسطين على خلفية الاحتلال الإسرائيلي، فسوف تطول على نحو ضخم قائمة المشاكل التي تحتاج إلى حل.
اقتباس: " يمثل النقص في الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، سواء في غزة قبل الحرب الأخيرة أو في الضفة الغربية، تحديا أمام استقرار أي دولة فلسطينية مستقبلية."
لكن الأمر هنا يدور حول قضية أعلى وأهم: ألا وهي قضية الأمن. حتى في ظل غياب سياسة الجوار الأوروبية، فمن الأفضل للاتحاد الأوروبي أن يستخدم نفوذه لحل القضية الإسرائيلية والفلسطينية. ولم يكن هذا الأمر أكثر وضوحا مما هو عليه في عام 2024، فالصراع في إسرائيل وفلسطين لا يهدد حياة الفلسطينيين والإسرائيليين فحسب، بل هو كفيل بزعزعة استقرار العالم العربي بأكمله، والشرق الأوسط بشكل عام.
منذ السابع من أكتوبر ارتفع خطر نشوب صراع إقليمي في عدة أماكن، مع احتمال حدوث تصعيد في كل يوم؛ وهو صراع من شأنه أن يؤثر تأثيرا خطيرا على أوروبا من نواحٍ شتى. وبكلمات أكثر بساطة يمكن القول إن الاستقرار في العالم العربي يصب في مصلحة أوروبا على المدى البعيد؛ والعكس يحدث إذا ساد الاضطراب العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط.
وعلى الاتحاد الأوروبي أيضا أن يأخذ بعين الاعتبار الخطوة التي اتخذها زعماء إسبانيا والنرويج. إذا كانت أوروبا تريد أن تحظى بمصداقية في المجتمع الدولي، فعليها التصرف بحسم عندما يتعلق الأمر بالإسرائيليين والفلسطينيين، وإلا -وبالنظر إلى دفاعها عن أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي- ستوجه لها اتهامات الكيل بمكيالين. إن التحرك الأوروبي بشأن إسرائيل وفلسطين يؤثر تأثيرا مباشرا على قدرة أوروبا على حشد الدعم الدولي من أجل مصالحها الأمنية الخاصة.
القانون هو أساس المقاربة الأوروبية
والسؤال المطروح إذن هو: كيف ولأي هدف يمكن إشراك الاتحاد الأوروبي مشاركة أكبر؟ وهنا أيضا الإجابة سهلة، ومع ذلك معقدة. إن الاتحاد الأوروبي يرتكز، في الأساس، على سيادة القانون؛ وقد ذكرت هذه العبارة في عديد من معاهدات الاتحاد الأوروبي، وكذلك في سياساتها الحالية.
إن تطور الاتحاد الأوروبي وتكامله اعتمد على هذه الفكرة الأساسية بقدر كبير، والموقف المعلَن للسياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي هو اعتماد الاتحاد اعتمادا أساسيا على "احترام القواعد الدولية". فضلا عن ذلك يسعى الاتحاد إلى "تطوير وترسيخ الديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية". ومن أهداف الاتحاد الأوروبي في بقية أنحاء العالم "الالتزام الصارم بالقانون الدولي"، كما هو مذكور في المادة الثالثة من معاهدة لشبونة.
اقتباس: " وعلى الاتحاد الأوروبي أيضا أن يأخذ بعين الاعتبار الخطوة التي اتخذها زعماء إسبانيا والنرويج. إذا كانت أوروبا تريد أن تحظى بمصداقية في المجتمع الدولي، فعليها التصرف بحسم عندما يتعلق الأمر بالإسرائيليين والفلسطينيين، وإلا -وبالنظر إلى دفاعها عن أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي- ستوجه لها اتهامات الكيل بمكيالين."
وبالنظر إلى هذا المبدأ الأساسي فإن التوجه الرئيسي للاتحاد الأوروبي لابد أن يكون هو الحفاظ على القانون الدولي. وعندما يتعلق الأمر بقضية إسرائيل وفلسطين فإن هذا ينبغي، ويجب أن يعني دعم إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وإقامة دولة فلسطينية في تلك الأراضي. إنه اقتراح واضح، ولكن التعقيدات تنشأ عند النظر في العقبة الرئيسية التي تحول دون فعل ذلك، ألا وهي رفض إسرائيل إنهاء احتلالها، ناهيك عن إقامة دولة فلسطينية.
لقد أدركت بعض دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك دول أوروبية ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي، أن الاحتلال لن ينتهي نتيجة خطوات طوعية تقوم بها الدولة الإسرائيلية، لذا تقدمت بخطة عكسية، على الرغم من أنها غير معلَنة. الاستراتيجية الواضحة هي: الاعتراف بدولة فلسطينية، الأمر الذي سيضغط على الإسرائيليين حتى يسمحوا بإقامة مثل هذه الدولة، ما يستلزم إنهاء الاحتلال.
اقتباس: "الاستراتيجية الواضحة هي: الاعتراف بدولة فلسطينية، الأمر الذي سيضغط على الإسرائيليين حتى يسمحوا بإقامة مثل هذه الدولة، ما يستلزم إنهاء الاحتلال."
بهذا الموقف تنضم تلك الدول إلى إجماع دولي: فمن بين 193 دولة عضو في الأمم المتحدة تعترف 144 دولة بفلسطين كدولة، بما في ذلك أغلبية الدول الأوروبية. وبتأمل الوضع على نحو أكثر دقة، نلاحظ أن في أوروبا 11 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي (وهي: السويد، وقبرص، وأيرلندا، وإسبانيا، وسلوفينيا، وجمهورية التشيك، وسلوفاكيا، والمجر، ورومانيا، وبلغاريا، وبولندا) تقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع دولة فلسطين وتعترف بها، وكذلك 11 دولة من خارج الاتحاد الأوروبي (وهي: النرويج، وأيسلندا، وصربيا، والبوسنة، وألبانيا، وأوكرانيا، وبيلاروسيا، والجبل الأسود، وتركيا، وجورجيا، ودولة الفاتيكان).
وصوتت 8 دول أخرى في الاتحاد الأوروبي (وهي: الدنمارك، وفرنسا، واليونان، وبلجيكا، والبرتغال، ولوكسمبورغ، ومالطا، وإستونيا) في مطلع هذا العام لصالح العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة، بالإضافة إلى دولة واحدة من خارج الاتحاد الأوروبي (ليختنشتاين). ومع اعتراف أغلبية الدول الأوروبية بدولة فلسطين، فليس من المستغرب أن يؤسس الاتحاد الأوروبي مكتبا تمثيليا في رام الله معتمد لدى السلطة الفلسطينية، وإن كان ليس لديه مكتب لدى دولة فلسطين، حيث لم تتخذ الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هذا القرار بعد.
عرقلة اتخاذ قرارات على مستوى الاتحاد الأوروبي بشأن إسرائيل
لكن الاتحاد الأوروبي يواجه عقبتين رئيسيتين إذا أراد تحقيق الأهداف الكاملة لهذه الاستراتيجية. أولا: ليس هناك موقف موحد للاتحاد الأوروبي بشأن مسألة الاعتراف بفلسطين؛ هناك العديد من دول الاتحاد الأوروبي التي تعتبر حليفة مقربة لإسرائيل، مثل جمهورية التشيك والمجر، وهذه الدول تعرقل اتخاذ قرارات على مستوى الاتحاد الأوروبي بشأن إسرائيل، خاصة خلال الأزمات. ثانيا: إن نفوذ الاتحاد الأوروبي على الإسرائيليين والفلسطينيين بشكل عام، والإسرائيليين بشكل خاص، لا يكفي لدفع المفاوضات إلى الأمام، أو لتغيير سلوكهما.
اقتباس: "إن نفوذ الاتحاد الأوروبي على الإسرائيليين والفلسطينيين بشكل عام، والإسرائيليين بشكل خاص، لا يكفي لدفع المفاوضات إلى الأمام، أو لتغيير سلوكهما."
فمن ناحية يواجه الاتحاد الأوروبي مشكلة بنيوية تسبب صعوبات هائلة منذ عقود من الزمن؛ ما يؤثر على خطواتها فيما يتعلق بإسرائيل وفلسطين، وتؤثر أيضا على عديد من القضايا الأخرى، مثل قضية أوكرانيا. ومن المعروف أن المجر كانت عائقا كبيرا في طريق اتخاذ موقف أوروبي متماسك وقوي بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا، نظرا لأن المجر ما زالت تتبنى داخل الاتحاد الأوروبي مواقف موسكو.
وعلى الرغم من هذا العائق نجح الاتحاد الأوروبي في تقديم دعم كبير لأوكرانيا، سواء بشكل جماعي أو على أساس ثنائي بين الدول الأعضاء وأوكرانيا. وإذا توفرت الإرادة السياسية الكافية، فسيجد رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي السبل الكفيلة بالتقليل من العقبات المماثلة إذا أرادوا اتخاذ موقف أوروبي بشأن فلسطين وإسرائيل.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الخلافات داخل الاتحاد الأوروبي بشأن فلسطين وإسرائيل أكثر وضوحا من تلك المتعلقة بأوكرانيا: برزت في بداية الحرب الأخيرة على غزة تباينات واضحة بين موقف أورزولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، وجوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية. وقد انتقد الأخير رئيسة المفوضية بسبب "موقفها المؤيد لإسرائيل تأييدا مطلقا"، وأعلن أن رحلتها إلى إسرائيل في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 "كان لها ثمن جيوسياسي غال بالنسبة لأوروبا". لكن الخلافات بين الاثنين ضاقت بشكل كبير بعد الأيام الأولى للحرب.
وبطبيعة الحال، فإن القرار بشأن شكل الخطوات القادمة هو قرار سياسي. وأوروبا هنا ليست استثناء، وسوف يقوم ساسة الاتحاد الأوروبي على مختلف المستويات بإجراء تقييماتهم وحساباتهم وفقا لذلك. لكن إذا كان الاتحاد الأوروبي يريد التصرف وفق قيمه الخاصة، فيجب أن ترتكز أي قرارات على أساس احترام القانون الدولي. وإذا لم يحدث ذلك، فلا جدوى من مناقشة "موقف الاتحاد الأوروبي" بشأن أي من هذه القضايا، وذلك نظراً لمركزية القانون الدولي في صياغة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وفقاً لمعاهدات الاتحاد الأوروبي.
إذا تم الحفاظ على مركزية القانون الدولي، وكانت الإرادة السياسية داخل الاتحاد الأوروبي قوية بالقدر الكافي للتغلب على العوائق البنيوية التي يواجهها، فلا بد من التعامل مع السؤال النهائي حول نفوذ الاتحاد الأوروبي. وفي هذا الصدد، هناك نوعان من وسائل التأثير يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يأخذهما بعين الاعتبار: وسائل مباشرة وأخرى غير مباشرة. ويعود ذلك، هنا أيضا، إلى الإرادة السياسية، وتصميم السياسيين الأوروبيين على وضع القانون الدولي في قلب سياساتهم، ليس فقط بموجب إلتزاماتهم تجاه القانون الدولي، ولكن أيضًا وفقًا لنص وروح المعاهدات التأسيسية للاتحاد الأوروبي.
أدوات ووسائل التأثير التي تملكها أوروبا
هناك إمكانات للتأثير المباشر على إسرائيليين والفلسطينيين، وهي تؤثر على الطرف الثاني تأثيرا أقوى بكثير من تأثيرها على الطرف الأول. تمثل وسائل التأثير عنصرا رئيسيا من عناصر صنع القرار الأوروبي. وكما أعلن بوريل نفسه، فإن على المجتمع الدولي أن يفرض حل الدولتين، حتى إذا لم تكن إسرائيل مستعدة لذلك. وبذلك يشير ضمنا إلى ضرورة استخدام النفوذ لإحداث تغيير في السلوك.
اقتباس: "ويعود ذلك، هنا أيضا، إلى الإرادة السياسية، وتصميم السياسيين الأوروبيين على وضع القانون الدولي في قلب سياساتهم".
وتعتبر الولايات المتحدة في هذا الصدد هي الشريك الأكثر أهمية، لأنها تمارس التأثير الأكبر على الإسرائيليين، وخاصة في الأمم المتحدة، حيث تستخدم حق النقض باستمرار لحماية الإسرائيليين من الانتقادات، وكذلك في توريد الأسلحة إلى إسرائيل التي بدونها ستصاب المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية بالشلل. وتلعب دول مختلفة من الاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا، دورا مهما في هذا السياق، لكنه لا يزال أقل بكثير من دور واشنطن.
ومع ذلك، لا تزال هناك أدوات أخرى تحت تصرف الاتحاد الأوروبي يمكن أخذها في الاعتبار:
تطبيق نظام العقوبات على الجماعات الفلسطينية المسلحة، وحركة الاستيطان الإسرائيلية الواسعة: لقد طبق المجلس الأوروبي نظام العقوبات على عدد صغير من الإسرائيليين والكيانات الإسرائيلية، وعلى أعداد أكبر من الفلسطينيين. وهناك بالفعل إجراءات تقييدية للغاية مُطبقة، على سبيل المثال على أولئك الذين يدعمون أو يسهّلون أو يسمحون بأعمال العنف التي تقوم بها حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني.
وفي مطلع هذا العام فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على حفنة من المستوطنين الإسرائيليين المسؤولين عن هجمات على بلدات فلسطينية في الأراضي المحتلة. لكن إذا كان الاتحاد الأوروبي يضع بالفعل القانون الدولي أساسا لسياسته الخارجية، فلابد من التفكير في فرض عقوبات أوسع نطاقا على الكتلة الواسعة من حركة المستوطنين، وهي حركة، بحكم تعريفها، تنتهك القانون الدولي بامتياز عن طريق استيطان أراضٍ محتلة.
اقتباس: " إذا كان الاتحاد الأوروبي يضع بالفعل القانون الدولي أساسا لسياسته الخارجية، فلابد من التفكير في فرض عقوبات أوسع نطاقا على الكتلة الواسعة من حركة المستوطنين، وهي حركة، بحكم تعريفها، تنتهك القانون الدولي بامتياز عن طريق استيطان أراضٍ محتلة."
ويشمل ذلك وزراء إسرائيليين، رغم أن ذلك قد يكون غير مستساغ في بعض الدوائر، وكذلك كل الواردات التي تأتي من الأراضي المحتلة، مثلما طالبت بلجيكا على سبيل المثال.
عواقب عن طريق الخطوات التي أعلنتها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية على مسؤولين وصانعي قرار إسرائيليين وفلسطينيين: ليست حركة الاستيطان وحدها هي التي ينبغي طرحها للمناقشة في هذا الصدد. وباعتبارها مجموعة تركز على دعم القانون الدولي، فإن تصرفات إسرائيل التي تتجاهل أحكام محكمة العدل الدولية أو ترفضها - حيث تقف إسرائيل حاليًا في قفص الاتهام بتهمة الإبادة الجماعية - يجب أن تكون أساسا لفرض عقوبات على مسؤولين وسياسيين إسرائيليين آخرين. وينبغي أن ينطبق الشيء نفسه على المحكمة الجنائية الدولية، إذا صدرت أوامر اعتقال بحق مسؤولي حماس ومسؤولين إسرائيليين؛ ولا ينبغي أن يكون هناك شك في أن كل هذه الأوامر يجب أن تلتزم بها جميع الدول الأوروبية.
مراجعة اتفاقية الشراكة: تتضمن اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل عدداً من الشروط المتعلقة بحقوق الإنسان، ويجب أن يكون انتهاكها على نحو موثق سببا كافيا لفرض عقوبات. إن مراجعة الاتفاقية، كما طلبت إسبانيا وأيرلندا في فبراير/شباط من هذا العام، ليست أمرا صائبا فحسب، بل ينبغي النظر في تعليق الاتفاقية نظرا للوضع الحالي، ما لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية خطوات حاسمة. ويتطلب ذلك إرادة سياسية قوية داخل الاتحاد الأوروبي نظرا لانقسام الدول الأعضاء حول هذا الموضوع.
إجراءات اقتصادية: ينبغي التفكير في إجراءات اقتصادية أخرى، مثل تعليق الاستثمارات في إسرائيل من جانب المؤسسات الحكومية، سواء من جانب الدول الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وغير الأعضاء على حد سواء. وليست الضغوط التي قد يمارسها الاتحاد الأوروبي على إسرائيل في هذا الصدد قليلة، خاصة فيما يتعلق بالتجارة، وعلينا أن نأخذ في الاعتبار أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، إذ يستقبل ما يقرب من ثلث صادراتها.
التأثير على الفلسطينيين: إن نفوذ الاتحاد الأوروبي على حماس ضئيل، لكن هناك نظام قائم بالفعل من القيود والعقوبات في هذا الصدد. وبالنظر إلى حزم المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي حاليا إلى الفلسطينيين، فإن الاتحاد الأوروبي يتمتع بتأثير كبير على السلطة الفلسطينية. وينبغي للاتحاد الأوروبي أن يركز هنا على مبدأ "المزيد مقابل المزيد"؛ وليس على التهديد بسحب المساعدات، وخاصة في وقت يتسم بالمعاناة الهائلة، وذلك من خلال اقتراح زيادة وصول التجارة الفلسطينية إلى الأسواق الأوروبية، في مقابل أن تقوم السلطات الفلسطينية بتحسين الأداء الحكومي.
الإغاثة الإنسانية: إن زيادة الدعم إلى وكالة الأمم المتحدة الرئيسية المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) سيكون ذا أهمية عظمى، لا سيما في الوقت الذي قطعت فيه الولايات المتحدة التمويل. وسيكون من المهم أيضا تقديم إغاثة إنسانية شاملة، وخصوصا في قطاع غزة الذي يواجه المجاعة ونقص المواد الغذائية نتيجة الحرب.
الاعتراف بدولة فلسطين: فضلا عن ذلك يجب على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المضي قدما في الاعتراف بدولة فلسطين. وسوف تستجيب بلجيكا والبرتغال في هذا الصدد إلى الرأي الشعبي المنتشر هناك، وستقوم مالطا بإضفاء الطابع الرسمي على علاقتها مع الفلسطينيين، وهي العلاقات التي وصفها أحد الدبلوماسيين بأنها وصلت بالفعل إلى 90%، مع التفكير في الاعتراف الفعلي بالدولة.
على الاتحاد الأوروبي أن يقاوم ضغوط واشنطن؛ فحسب ما تفيد التقارير مارست واشنطن بالفعل ضغوطا على مالطا حتى لا تصوت لصالح العضوية الفلسطينية في الأمم المتحدة. وهذا في حد ذاته يعد اختبارا للتضامن الأوروبي، إذا أخذنا في الاعتبار الدعم الواسع الذي يحظى به الاعتراف داخل أوروبا وخارجها.
اقتباس: "على الاتحاد الأوروبي أن يقاوم ضغوط واشنطن التي مورست بالفعل على مالطا حتى لا تصوت لصالح العضوية الفلسطينية في الأمم المتحدة."
وفي هذا الصدد، ينبغي أخذ اعتراف النرويج بالدولة الفلسطينية في الاعتبار؛ فبالرغم من مساهمتها في ولادة اتفاقية أوسلو، فإن النرويج "لم تعد تستطيع الانتظار حتى يتم حل الصراع" قبل الاعتراف بالدولة. وهذا هو الواقع على الأرض.
وسائل غير مباشرة: مع ذلك، وكما ذكرنا، فإن نفوذَ الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بإسرائيل -سواء كمجموعة أو من حيث العلاقات الثنائية لدول منفردة - محدودٌ مقارنة بنفوذ الولايات المتحدة، ما ينطبق على نفوذ الدول العربية أيضا فيما يتعلق بالفلسطينيين. ومع ذلك، فإن التأثير المباشر ليس سوى نوع واحد من وسائل النفوذ؛ هناك أيضا إمكانات التأثير غير المباشر.
وتشكل علاقات الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة، وكذلك مع الدول العربية (وخصوصا مصر والأردن وقطر في هذا السياق) أهمية كبيرة. وإذا استخدمت الولايات المتحدة نفوذها على إسرائيل، واستخدمت الدول العربية في الوقت نفسه نفوذها على الفلسطينيين، فإن احتمالات التوصل إلى تسوية سلمية حقيقية ودائمة في إسرائيل وفلسطين ستكون أفضل بكثير. ليس فقط فيما يتعلق بالصراع الحالي في غزة، بل يمكن عندئذ التوصل إلى حل أشمل للصراع المستمر منذ عقود عديدة.
لا يعني ذلك أن الاتحاد الأوروبي لا يملك القدرة على لعب دور مؤثر في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ المسألة هي أن الاتحاد الأوروبي لم يستخدم حتى الآن الإمكانات التي يمتلكها. هناك أدوات تحت تصرفه يمكن للاتحاد الأوروبي استخدامها لإحداث تغيير فعّال في جواره الأوروبي الأوسع، لصالح الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء. والسؤال المطروح هو: هل لديه الإرادة السياسية لفعل ذلك؟
© Qantara.de/ar 2024
هـ. أ. هِلير: متخصص في الجغرافيا السياسية والدراسات الأمنية والاقتصاد السياسي. يقدم الاستشارات للحكومات والمؤسسات، ويعمل باحثا ومحاضرا في الغرب والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. يعمل في الوقت الحالي باحثا في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي (الولايات المتحدة الأمريكية)، وزميلا مشاركا أول في دراسات الأمن الدولي في المعهد الملكي للخدمات المتحدة للدفاع والأمن (المملكة المتحدة).