تركيا وأوروبا في أمس الحاجة لبعضهما بشأن اللاجئين
لا بدّ من الإشارة أوَّلًا وقبل كلِّ شيء إلى أنَّ كلًا من تركيا واليونان ودول الاتِّحاد الأوروبي قد فشلت فشلًا ذريعًا من الناحية الإنسانية في طريقة معالجتها لمشكلة اللاجئين خلال الأشهر الماضية. فمن جانبها حاولت تركيا تهريب المهاجرين القادمين من مختلف الدول إلى اليونان، من أجل الحصول على تنازلات من الاِّتحاد الأوروبي. بينما صدَّت اليونان المهاجرين بأساليب غير مقبولة بتاتًا من منظور حقوق الإنسان.
وفي الواقع أيَّد الاتِّحاد الأوروبي الانتهاك اليوناني لحقوق الإنسان والقيم الأوروبية من خلال تقديمه الدعم غير المشروط لليونان - على الرغم من الإجراءات التي اتَّخذتها قوَّات الأمن اليونانية على الحدود البرية مع تركيا وفي بحر إيجه.
يجب على الاتِّحاد الأوروبي وتركيا السعي إلى تجديد تعاونهما. ومن أجل ذلك تعتبر الاتفاقية الأوروبية التركية بشأن اللاجئين المبرمة في عام 2016 مُنطلقًا جيّدًا، حتى وإن كانت غير كاملة. استندت خطة الاتّفاقية في ذلك الوقت إلى آلية متعدِّدة الأجزاء تتَّخذ من خلالها تركيا كلَّ التدابير اللازمة لمنع الهجرة غير النظامية إلى أوروبا: جميع المهاجرين غير النظاميين القادمين من تركيا إلى الجزر اليونانية تتم إعادتهم مباشرة إلى تركيا. وتتم إعادة توطين لاجئ سوري آخر من تركيا في الاتّحاد الأوروبي مقابل كلّ لاجئ سوري تمت إعادته من الجزر اليونانية إلى تركيا.
آلية فعَّالة
أثبتت هذه الآلية أنَّها فعَّالة فعالية قصوى بعد فترة قصيرة من الاتِّفاق على خطة العمل واعتمادها. وبحسب مفوَّضية الاتِّحاد الأوروبي فقد "ظلّ عدد الوافدين غير النظاميين بعد ثلاثة أعوام أقل بنسبة 97 في المائة مما كان عليه في الفترة التي سبقت بدء تطبيق الإعلان، بينما انخفض في الوقت نفسه بشكل كبير عددُ اللاجئين الذين يموتون في البحر".
ولكن ما لم ينجح هو هيكل الحوافز المخصَّصة لتركيا. في البداية قام الاتِّحاد الأوروبي بتحويل ثلاثة مليارات يورو لتركيا من أجل رعاية اللاجئين على أراضيها في عام 2016 وتعهَّد بمنحها ثلاثة مليارات يورو أخرى حتى نهاية عام 2018. لقد تم الإيفاء بذلك إلى حدّ كبير، ولكن بشكل غير كامل بسبب عدم التزام تركيا بمعايير [أوروبية أخرى] معيَّنة. وطالما ظلّ الأمر كذلك، فلن يُقدِّم الاتِّحاد الأوروبي أية أموال جديدة غير التي تعهَّد بتقديمها حتى عام 2018.
لقد تعهَّد في تلك الاتِّفاقية الاتِّحاد الأوروبي وتركيا أيضًا بتحسين الأوضاع الإنسانية في داخل سوريا. ولكن لم يحدث أي شيء في هذا الصدد. وبدوره انتقد الاتِّحاد الأوروبي ولا يزال ينتقد بشدة التوغُّلات العسكرية التركية في سوريا، من دون قيامه بشيء أكثر من الانتقاد.
ينبغي زيادة الحوافز لتركيا
ربما يمكن القول إن من السهل تسوية المسائل المالية. تتضمن الاتِّفاقية أيضًا حوافز لتركيا فيما يتعلق بعملية انضمامها إلى الاتِّحاد الأوروبي ومشاريع اندماج أخرى لا علاقة لها بأزمة اللاجئين. وتشمل هذه الحوافز، على سبيل المثال، الإسراع في إقرار السماح بسفر الأتراك إلى الاتِّحاد الأوروبي من دون تأشيرة ورفع مستوى الاتِّحاد الجمركي القائم. بيد أنَّ هذه الوعود كانت غير واقعية منذ البداية، وذلك نظرًا إلى العجز الكبير في الديمقراطية وحقوق الإنسان لدى تركيا والرأي العام داخل الاتِّحاد الأوروبي حول حكومة إردوغان.
ترى تركيا أنَّها التزمت بنصيبها من هذه الاتِّفاقية وأنَّ الاتِّحاد الأوروبي قد فشل في القيام بالشيء نفسه. ولذلك هدَّد إردوغان مرارًا وتكرارًا بإيقاف تنفيذ الاتِّفاقية وخطة العمل. وفي المقابل لم يلقَ هذا استحسان الدول الأعضاء في الاتِّحاد الأوروبي. ولكن بدلًا من الجدال وتبادل الانتقادات، من الأفضل أن يتَّفق الأوروبيون والأتراك على خطة عمل جديدة - خطة تُبنَى على اتِّفاقية عام 2016 وتُعيد النظر في الحوافز المقدَّمة لتركيا على نحو منصف يأخذ بعين الاعتبار العبء الذي تتحمله تركيا.
ينبغي عدم تكرار الأخطاء القديمة
يجب أن تفصل الخطة الجديدة على أية حال التعاون بين تركيا والاتِّحاد الأوروبي في أزمة اللاجئين عن عملية انضمام تركيا إلى الاتِّحاد - فكلتا القضيَّتين لهما ديناميكيات مختلفة تمام الاختلاف. وبدلًا من ذلك، يجب أن تتعاون تركيا والاتِّحاد الأوروبي من أجل التخفيف بشكل استباقي من الأزمات في الجوار قبل أن تؤدِّي إلى هجرة جماعية جديدة إلى تركيا وأوروبا. سيتوافق هذا أيضًا مع طموح رئيسة المفوَّضية الأوروبية، السيِّدة أورسولا فون دير لاين، لقيادة مفوَّضية الاتِّحاد الأوروبي بصورة جيوسياسية.
تزايد النزعة القوموية والشعبوية داخل أوروبا يجعل التعاون الدولي أمرًا في غاية الصعوبة ويُقيِّد حرِّية عمل الحكومات. لقد باتت تركيا حاليًا غير محبوبة في الاتِّحاد الأوروبي، كذلك بات يشعر المواطنون الأتراك بإحباط شديد من اتِّحاد الدول الأوروبية. أمَّا اللاجئون فهم غير مُرحَّب بهم في أي مكان - لا في أوروبا ولا حتى في تركيا.
ومع ذلك فإنَّ الاتِّحاد الأوروبي لا يستطيع النأي بنفسه عن مشكلة اللاجئين، وذلك لأنَّه بذلك سيخون قيمه الذاتية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا تستطيع تركيا أن تعالج بمفردها أزمة اللاجئين حتى وإن كانت ترغب في معالجتها. ولذلك يبقى الاتِّحاد الأوروبي وتركيا محتاجين بعضهما إلى بعض في هذه القضية، سواء أشاءَ الأتراك والأوروبيون ذلك أم لم يشاؤوا.
أوزغور أونلوهيسارجيكلي
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: دوتشه فيله / موقع قنطرة 2020
يرأس أوزغور يونلوهيساركلي مكتب "صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة" في أنقرة.