الإسلاموفوبيا وصعود اليمين المتطرف في أوروبا: مقاربة سوسيوثقافية
عرفت السنوات الأخيرة، وبخاصة مع بداية التسعينيات، نجاحات لافتة وغير متوقعة لأحزاب أقصى اليمين ـ أو ما يطلق عليها أحياناً أحزاب اليمين المتطرف، الراديكالي أو الشعبوي ـ في أغلب دول أوروبا الغربية وخصوصاً في النمسا، النرويج، الدنمارك، هولندا، سويسرا وفرنسا، سواء في انتخابات المحافظات المحلية أو في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وحتى في انتخابات البرلمان الأوروبي. وبالرغم من تفاوت النتائج التي أحرزها أقصى اليمين هناك، بين الوصول إلى الحكم أو المشاركة في تشكيل الحكومات، أو على الأقل المنافسة الجدية والاقتراب من تحصيل السلطة، إلا أنها تمكنت بالفعل من أن تخلق نوعاً من الفوضى ضمن الأنظمة السياسية الأوروبية التي تميزت غالباً بالاستقرار، بحيث أصبح من الصعب على الأحزاب التقليدية ضمن اليمين أو اليسار أن تحقق أغلبية مستقرة كما كانت عليه العادة، وأصبحت مجبرة على التعاون مع الأحزاب اليمينية المتطرفة بعدما كان مجرد حصول حزب يميني على عدد محدود من المقاعد في البرلمان حدثاً يحرك القارة بأكملها، مثلما حدث مع الحزب النمساوي المتطرف (FPÖ) سنة 1999 ـ حين تمكن من دخول البرلمان النمساوي فكان رد الفعل الأوروبي المقاطعة الدبلوماسية للسويد ـ وهو ما جعل هذه الأحزاب تنتفض على ماضيها كمجرد أحزاب مناسبات، لتصبح فاعلاً مؤثراً ومنافساً ضمن الحياة السياسية الأوروبية، وترتقي لتكون أحد البدائل السياسية الجديرة بثقة الناخب الأوروبي عن القوى السياسية التقليدية ضمن اليمين واليسار.
اللافت في هذا الصعود أنه قد اقترن بظاهرة أخرى متزامنة، هي تصاعد الكراهية ضد المسلمين (Islamophobia)، أو ربما بتعبير غير لغوي، العداء للمسلمين، في أوروبا والمعبَّر عنها إعلامياً وأكاديمياً بظاهرة الإسلاموفوبيا. وهي ظاهرة فكرية بدأت تتقوى وتستشري في المجتمعات الأوروبية لتصبح أيديولوجية ترتبط بنظرة اختزالية وصورة نمطية للإسلام ومعتنقيه من المهاجرين في أوروبا، كمجموعة منغلقة على ذاتها ومحدودة، تؤمن بقيم رجعية تحض على العنف والاختزال والنظرة السلبية للآخر وترفض العقلانية والمنطق وحقوق الإنسان.
لا شك في أن هذا التزامن يؤشر إلى وجود علاقة بين الظاهرتين، ويبرر بالتالي طرح إشكالية ارتباط صعود اليمين المتطرف الأوروبي ـ وحظي بالقبول لدى الناخب الأوروبي ـ بالعداء للإسلام والمهاجرين المسلمين في برنامجه السياسي. فرغم تعدد المقاربات لظاهرة صعود اليمين المتطرف، إلا أن قليلاً منها ضمن الأدبيات الغربية استقصى هذه العلاقة.
https://caus.org.lb/ar/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%88…