مرشدة اجتماعية تكافح التطرف في الشوارع الألمانية
"سنرى من يكسب في النهاية. لن يستحوذوا ببساطة على شباني". والمعني هنا هم السلفيون المسلمون المتزمتون الذين يبحثون عن أنصار، وهذا ما تريد المرشدة الاجتماعية سلوى محمد منعه، وهو : تجنيد شباب لصالح هؤلاء. هذه العاملة في المجال الاجتماعي تكافح من أجل كل واحد "من أطفالها". سلوى محمد تنحدر من عائلة مغربية ليبرالية تناقش قضايا الدين والتسامح، ما منحها تجميع الحجج وحماية ذاتية، وهذا ما تحتاجه في عملها اليومي.
وسلوى امرأة في منتصف الثلاثينات ذات شخصية قوية، وعندما تتحدث تكون يداها في حركة مستمرة على غرار شخصيتها في الحياة اليومية. وإلى جانب عملها كموظفة اجتماعية لدى الاتحاد الخيري لمدينة بون، فإنها ملتزمة منذ سنوات كمرشدة اجتماعية متطوعة. وتُعد مدينة بون قلعة للحركة السلفية في الولاية الأكبر من حيث عدد السكان. والخطباء السلفيون المعروفون مثل الملاكم السابق الذي اعتنق الإسلام بيير فوغل يظهرون من حين لآخر إلى العلن.
لا أحد يرغب في وجود صحفيين
سلوى محمد تعمل بالأخص مع شباب احتكوا مع الوسط السلفي، وتتحدث مع آباء يائسين، وتتردد على مدارس أو تبحث عن عائلات معنية. نلتقي بسلوى محمد في أحد مقاهي مدينة بون خارج فترة عملها، وهي في الحقيقة مستعدة لمرافقة صحفيين أثناء العمل، إلا أن "أطفال همومها" لا يرغبون في ذلك، بدون استثناء، وتقول سلوى محمد إن الموضوع ببساطة حساس جدا.
حصلت سلوى بفضل التزامها الاجتماعي عام 2013 على جائزة الاندماج التي تمنحها مدينة بون. وإلى جانب المديح العلني يوجد أيضا قسط من الانتقاد وشتائم شخصية: "في منظور اليمينيين المتطرفين (الألمان) أنا أبقى تلك الإرهابية التي من شأنها وضع حزام ناسف حول بطنها والانفجار في الهواء". والسلفيون من الجانب الآخر يصفونها كخائنة، فهي منفتحة جداً وتُعتبر في منظورهم "فقط مسلمة أوروبية".
عندما يصبح الطفل غريبا عن عائلته
عندما يتطرف شباب، فإن ذلك يضع العائلة في الغالب أمام محنة، تقول سلوى محمد. "ردود الفعل مختلفة جدا، إذ يوجد آباء عندما يذهب طفلهم إلى سوريا يتنصلون منه كليا". والبعض الآخر يكافحون في يأس من أجل استعادة أبنائهم. "فيقولون: "أنا أعرف ابني. ما كان له أن تكون له رغبة في القيام بهذا الشيء، لم أُرَبِّه على هذا النحو. أكيد أنه مجبر".
تشهد المرشدة الاجتماعية المسلمة الكثير من اليأس أثناء عملها: آباء يُصابون في الغالب بالمرض بسبب القلق على أبنائهم وبناتهم المختفين من ناحية. ومن ناحية أخرى يتعرضون لسوء المعاملة بسبب ضلال أبنائهم ويتم تفاديهم. "يحصل أن يبتعد الجيران أو الأصدقاء وتبقى العائلة فجأة لوحدها"، كما تقول الناشطة.
الإصغاء، دوما الإصغاء
وكيفما كانت الحالة التي تلتقي فيها سلوى بالشباب، فإنها تعير اهتماما بالإشارة إلى نقطة هامة: وهي أن كل شيء يدور في عملها حول الثقة وحول المساعدة والاحترام وليس من أجل التقييم وإصدار الأحكام. "الشباب يلاحظون بسرعة فائقة ما إذا كانوا يُعامَلون بجدية. أقول لهم دوما: لا يجب أن أكون متفقة مع ما تقول. لكنني أصغي إليك. ثم نتحدث عن ذلك وننظر ما إذا كنا سنلتقي في الوسط لإيجاد حل".
ولكن يبدو أن للسلفيين أيضا أساليبهم في التواصل بسرعة مع الشباب، إذ يتحدثون معهم عن أمور مثل التهميش أو الشعور بعدم الانتماء إلى ألمانيا، أي مشاكل يعرفها الشباب من أصول أجنبية في الغالب من تجربة ذاتية. "السلفيون يعملون نوعا ما بشكل استراتيجي عندما يحاولون مثلا الإمعان فيمن ينحدر من عائلات مختلة ومن يكون مستعداً لأن يصبح من الأنصار ومن له الطموح كي يلعب دوراً قيادياً".
التطرف أمام الشاشة
قبل بضع سنوات كان خطباء السلفية يقومون بالتبشير علنا في بون. وحاولوا حتى أمام المدارس كسب الناشئين. واليوم يتطرف الكثيرون داخل غرف بيوتهم: أمام الكمبيوتر. وغالبا ما تتم أول تواصل مع الوسط السلفي عبر فيسبوك أو مواقع الدردشة مثل " Muslim-Mark أو Islam House" حيث يتم الكشف بالنسبة إلى كل عنصر جديد عن قناعاته وجديته.
وتفيد سلوى محمد بأن "قنوات التواصل تطورت، لأن الضغط على البنى السلفية بات أكبر". وفي الخطوة التالية يتم إضافة أشخاص مهتمين في مجموعات واتس آب مغلقة. وهنا يحصلون على معلومات حول فعاليات مرتقبة وندوات أو -في حال النساء- ما يسمى "بلقاءات الأخوات".
عمل يائس لإنقاذ العائلة من التفكك
حالة لا يمكن لسلوى أن تنساها إلى يومنا هذا. إنها حالة بنت شابة جدا تعرفت عليها أثناء عملها في مدارس بون. "في أحد الأيام تلقيت مكالمة هاتفية من صديقاتها اللواتي قلن لي: "سلوى، لقد اختفت الصديقة. لا نعرف أين هي". وقبلها بقليل اكتشفت الصديقات أن البنت ربطت علاقة عبر فيسبوك مع رجل أكبر منها سنا من الوسط السلفي ونسجت معه مخططات زواج".
وفي عملية مستعجلة بين عشية وضحاها ذهبت البنت إلى الرجل، ولحسن الحظ وبمساعدة الأبوين والشرطة تم العثور عليها بعد ساعات وإعادتها مجددا. وتقول سلوى بأنها أجرت محادثات طويلة مع البنت. "وتبين بأنها فعلت ذلك كله بغية إعادة اللحمة بين أبويها اللذين خططا للطلاق. فذلك كان خطوة يائسة بحتة"، أضافت سلوى.
العودة من جحيم داعش
ومن حين لآخر تعاملت المرشدة الاجتماعية مع شابات عائدات رحلن بسبب قناعاتهن الدينية المتطرفة إلى سوريا والعراق للعيش هناك في الحلم المفترض داخل خلافة "داعش". والنساء اللواتي رجعن الآن من هناك يمثلن بالنسبة إلى سلوى محمد أشخاصا مصدومين، وتضيف الخبيرة: "العائدات يتحدثن بشكل جزئي عن جحيم حقيقي عايشنه. جابهن تجارب العنف وبشكل جزئي تغيير مكان الإقامة والشعور بعدم الأمان في أي مكان". وبالنسبة إلى بعض تلك النساء كانت التجارب صادمة إلى حد أنهن يحاولن النسيان والأفضل عدم الحديث عن ذلك. وفي بعض الحالات يكون السكوت علامة على أن النساء لم يتخلين عن إيدلوجية "داعش"، كما تعتبر سلوى محمد.
وهذا يتوافق مع تقديرات جهاز الاستخبارات الذي يفيد بأن الكثير من النساء العائدات متطرفات ومستعدات لممارسة العنف. وتشكل النساء 12 في المائة من بين 3000 من أنصار الوسط السلفي في ولاية شمال الراين وستفاليا، كما ورد في تقرير هيئة حماية الدستور الأخير الذي صدر في صيف عام 2018. وفي المقابل تصل نسبة المغادرات من النساء من ولاية شمال الراين وستفاليا إلى ما يُسمى منطقة "الخلافة" إلى 28 في المائة من مجمل المغادرين إلى المنطقة.
حاجة إلى كثير من المساعدة
سلوى محمد مجبرة كموظفة اجتماعية على تقديم المساعدة في كثير من الأمور للعائدات، مثلا في مجال التعامل مع البيروقراطية، عندما تنقص مثلا شهادات الولادة أو وثائق الهوية للأطفال المولودين في منطقة "داعش". "لأن الموظفين يقولون: آسف إذا لم يتوفر ذلك، فلا يمكننا فعل أي شيء. وهذا يتسبب من ناحية في الإحباط ومن ناحية أخرى ينتاب البعض الاعتراف المر بأن هذا هو النتيجة الحتمية للقرار الوخيم العواقب"، تقول سلوى.
وتؤمن سلوى محمد بأنه لا يجب التخلي في كل الأحوال عن النساء العائدات كيفما كان حالهن، لأن ذلك سيعرضهن للتأثيرات المتطرفة بحكم الشعور باليأس وخيبة الأمل والشعور بعدم تلقي المساعدة من أجل انطلاقة جديدة في ألمانيا.
إيستر فيلدن / ماتياس فون هاين
ترجمة: م.أ.م
حقوق النشر: دويتشه فيله 2018