''الشعب يريد إنهاء اتفاق أوسلو''
في نهاية شهر يونيو وبداية يوليو قمعت قوات الأمن الفلسطينية مظاهرتين في رام الله بعنف مفرط، فيما مرت مسيرة احتجاجية بسلام. وقد اندلعت هذه المظاهرات بسبب إعلان رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، عن لقائه نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، شاؤول موفاز.
وبات الكثير من الفلسطينيين ينظر إلى عباس كسياسي لا يؤمن بحل عادل للصراع، وإنما بخطوات مؤقتة. لكن غالبية الفلسطينيين لم تعد تتفهم إصرار عباس على المفاوضات، في الوقت الذي تستمر فيه النشاطات الاستيطانية بمصادرة المزيد من أراضي الضفة الغربية. وإلى جانب ذلك، فإن المحادثات الأخيرة بين عباس ونتنياهو لم تعط سوى بارقة أمل في الخروج بنتائج عملية للمحادثات الثنائية. كما أن عباس اشترط منذ وقت طويل وقف إسرائيل بناء المستوطنات - وهو مطلب دولي أيضاً - من أجل العودة إلى طاولة الحوار.
ومطالب المتظاهرين في رام الله، الذين يغلب عليهم الشباب، لم تكن متطرفة للغاية، فهم طالبوا بوقف المفاوضات مع إسرائيل. وبعد أن قمعت الشرطة الفلسطينية بالعنف مظاهرتين، مما أسفر عن عشرات الجرحى، جرت المظاهرة الثالثة دون عنف، رغم حمل المتظاهرين للافتات تقول "الشعب يريد إنهاء (اتفاق) أوسلو" و"الشعب يريد تحرير فلسطين"، إضافة إلى "اسمع يا عباس، لن توقفنا أي قوة".
ويبقى من غير الواضح سبب استخدام السلطة الفلسطينية للعنف المفرط ضد المتظاهرين، فهذا لن يحفز المزيد من المواطنين للتظاهر وحسب، بل ويتم توثيقه بكل دقة أيضاً، خاصة في عصر الشبكات الاجتماعية والهواتف الذكية. لذلك يرى الكثير من المراقبين أن استخدام العنف بهذه الطريقة أمر محسوب.
قيادة فلسطينية دون شرعية
من الواضح أن الضغط الواقع على السلطة الفلسطينية، والتي تتصرف منذ وقت طويل دون شرعية من الناخبين، كبير لدرجة أن القيادة مستعدة للجوء إلى العنف ضد المواطنين من أجل تأمين نفسها. وهذا كله يجري في زمن الربيع العربي، وفي رام الله تحديداً، حيث يعمل الفلسطينيون والمؤسسات الدولية على نشر قيم الديمقراطية والحكم الرشيد.
وفي الاتحاد الأوروبي، الذي ينفق منذ سنوات الملايين على تأهيل الشرطة الفلسطينية، من خلال بعثة EUPOL COPS، "بعثة الشرطة الأوروبية التي تتولى مهام تدريب الشرطة الفلسطينية" التي يثني عليها كثيرون، لا بد أن تقرع نواقيس الخطر الآن. فعباس والقيادة الفلسطينية يواجهان ضغوطاً كبيرة، لاسيما من الجانب الأمريكي واللجنة الرباعية، كي لا يوقفا مفاوضات السلام.
لكن رغبة الغرب في إبقاء عملية أوسلو على قيد الحياة وإعادة إطلاق المفاوضات بناء عليها تعتبر في نظر الكثير من المراقبين وهماً. كما أن كثيراً من الفلسطينيين، الذين يعانون من الاحتلال الإسرائيلي وتقييد حرية الحركة والعنف اليومي من قبل الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، يرون في هذه الرغبة غطاء لانتزاع حقوقهم باستمرار. إن مطلبهم الرئيسي هو إنهاء الاحتلال.
المجتمع الدولي تخلى عن عباس
غير أن ربط السلطة الفلسطينية بالاحتلال حوّل محمود عباس إلى رجل رام الله المريض، الذي نزع منه الفلسطينيون الشرعية والاستراتيجية السياسية رغم إنجازاته السابقة. كما أن الأزمة المالية الحالية التي تعاني منها السلطة، والتي أدت إلى عدم قدرتها على دفع رواتب الموظفين عن شهر يونيو، زادت من حالة التذمر.
ومع كل ذلك، لم يقم المجتمع الدولي بأي شيء لتقوية عباس سياسياً، بل على العكس، فقد أضعفه، ذلك أن ورقة الضغط الوحيدة لديه، وهي السعي للحصول على اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينية، حوربت من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، إضافة إلى عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ومؤخراً تم الاعتراض على إدراج كنيسة المهد في بيت لحم على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، من أجل منع الفلسطينيين من استخدام ذلك سياسياً.
وهذا التحرك السياسي ليس ضرورياً فقط من أجل بناء دولة، بل من أجل المحافظة على الوضع القائم أيضاً. وهذا يضعف السلطة الفلسطينية ويضعها في مأزق، ما من شأنه أن يدفعها لاستخدام العنف ضد مواطنيها. أما الطرق، التي يحاول الشباب الفلسطيني من خلالها المطالبة بحقوقه، فتعتبرها السلطات عملاً عدوانياً، مثل الحركات الشعبية لمقاطعة إسرائيل، أو العصيان المدني ضد الاحتلال وعواقبه، كالمظاهرات الأسبوعية ضد الجدار الفاصل وفي القرى التي تتعرض لعنف المستوطنين.
الانفجار الوشيك
وكل هذا يجعل تحديد الاتجاه الذي سيتفجر فيه هذا الإحباط غير ممكن. فرغم أن الاحتلال الإسرائيلي هو الهدف الرئيسي للاحتجاجات، إلا أن تصرف القيادة الفلسطينية بمنأى عن نبض الشارع سيولد توترات داخلية. أما "الانتفاضة الثالثة"، التي يتنبأ بها بعض المحللين والصحافيين، فسيبقى توجهها وطريقة اندلاعها موضعاً للتخمينات، مثل "الربيع الفلسطيني"، الذي قد يطيح بالسلطة الفلسطينية.
ومن الواضح أن الفلسطينيين فقدوا كل ثقة في عملية أوسلو وتبعاتها. وإذا ما أراد المجتمع الدولي المساهمة في تخفيف حدة التوترات، فإن عليه الاعتراف بذلك وعدم ترك السلطة تتحول إلى دولة بوليسية، ومساعدة المجتمع المدني الفلسطيني في الحصول على حقوقه الديمقراطية والسعي إلى إنهاء الاحتلال بطرق سلمية.
رينيه فيلدانغل
ترجمة: ياسر أبو معيلق
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012
درس رينيه فيلدانغل تاريخ الشرق الأوسط، ويشغل منصب مدير فرع مؤسسة هاينريش بول الألمانية في رام الله.