لمياء قدور: الجهاد حركة احتجاج شبابية على العائلة والمجتمع
السيِّدة قدُّور، خمسة من تلاميذك السابقين توجَّهوا إلى الجهاد في سوريا. فكيف كان وقع هذا الخبر عليك عندما علمت به؟
لمياء قدور: لقد كان هذا مخيفًا، لأنَّني تمكَّنت من مرافقة هؤلاء الصبية اليافعين لفترة طويلة أثناء فترة وجودهم في المدرسة. هذا شكل غريب من الشعور بالصدمة.
كان هؤلاء التلاميذ يحضرون دروس التربية الدينية لديك...
قدور: نعم، لقد كانوا تلاميذي، قمت بتعليمهم طيلة أعوام وبعد فترة وجودهم في المدرسة أصبحوا متطرِّفين.
هل كان يوجد فيما بعد أي مؤشر على تطرُّفهم اللاحق؟
قدور: لا، لم تكن هناك على الإطلاق أية مؤشرات تشير إلى ذلك، إلاَّ إذا كنا سنُقيِّم لديهم قابلية معيَّنة باعتبارها مؤشرًا. ومن هذه الناحية القابلية موجودة، لأنَّ هؤلاء الشباب يواجهون صعوبات في الحياة لكونهم من أصول مهاجرة، يتعرَّضون بسببها أيضًا للتمييز لأنَّهم ينحدرون من أسر تعيش ظروفًا اجتماعية صعبة. وبالتالي تتوفَّر لديهم بعض الأسباب ليصبحوا متطرِّفين.
ما هي طبيعة العيِّنات التي تكمن خلف حالات التطرُّف؟
قدور: هناك سبب أساسي لتطرُّفهم يكمن في كونهم يشعرون بأنَّهم ضائعين في هذا المجتمع. وجميع هؤلاء الجهاديين الشباب يتوفَّر لديهم هذا الاضطراب العاطفي. شعور بالضياع وبالرفض يُوحِّدهم جميعهم. نعم، لقد أخفقت الأسر ولا بدَّ من قول ذلك بكلِّ وضوح. وهنا توجد حالات عجز اجتماعية وعاطفية واسعة النطاق، وهذا ما ألاحظه أيضًا لدى بعض تلاميذي - ولكن مع ذلك فهم لا يصبحون جميعهم سلفيين.
هل ينطبق هذا أيضًا على معتنقي الإسلام المنحدرين من أسر ألمانية الأصل؟
قدور: توجد لدى معتنقي الإسلام الأسباب النفسية الاجتماعية نفسها مثلما هي الحال بالمناسبة أيضًا لدى الشباب الذين يختارون في وقت لاحق اليمين المتطرِّف. وجميعهم يشعرون بعدم الاعتراف بهم وبأنَّهم غير مشمولين بالرعاية. وهم يبحثون عن الدعم والتوجيه، وربما أيضًا عن الحب - عن كلِّ ما لم تمنحهم إيَّاه الأسرة.
لا بد بطبيعة الحال من أن يكون هناك سبب لعدم تمكُّن أي أحد من ملاحظة ذلك. والأسرة أيضًا لم تنجح على ما يبدو في تحقيق تطلعات هؤلاء الشباب ورغباتهم. وفيما بعد يبحثون إذًا عن ذلك في مكان آخر. ليس من باب المصادفة بالضرورة أن يبحث بعض المسلمين الشباب في الجهاد عن الإعلاء من قيمة اعتزازهم بأنفسهم. اليسار المتطرِّف لم يعد يلعب اليوم دورًا كبيرًا إلى ذلك الحدّ واليمين المتطرِّف غير وارد بالنسبة لهم.
منذ أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر يتم إضفاء الطابع الديني الفقهي على النقاش. وهنا يتم البحث أكثر عن الأسباب في الإسلام ...
قدور: هذا في بعض الحالات ليس سوى معاداة للإسلام تشفي غليلها هنا من دون قيود. لا يوجد دين اضطر في الأعوام الأخيرة للاستماع إلى هذا القدر من الانتقادات مثل الإسلام. وكذلك سوف تزداد الأمور سوءًا. اُنظري إلى تقارير وسائل الإعلام، لقد قامت الآن مجلة فوكوس Focus(الألمانية) وللمرة الثالثة على التوالي خلال فترة قصيرة بنشر موضوع غلاف حول مدى سوء الإسلام مثلما تزعم. ولكن يجب علينا أن نُوَجِّه نظرنا بشكل أقوى بكثير إلى الأسباب السياسية والاجتماعية التي تكمن خلف الجهادية.
أنت تفهمين الجهادية في جوهرها كحركة احتجاج شبابية. على ماذا إذًا يتمرَّد هؤلاء الشباب؟
قدور: هم يتمرَّدون على الأسرة، على دولتنا، وعلى هذا النظام الذي يقوم - على أية حال من وجهة نظرهم - بإقصائهم وبالتمييز ضدَّهم. فهم لا يتمتَّعون بالفرص التعليمية نفسها. وهذا أيضًا شكل من أشكال الإقصاء، وعلى هذا الواقع أيضًا يريدون التمرُّد.
هل يتمرَّدون حتى على آبائهم وأمَّهاتهم؟
قدور: إنَّ ما يرد بشكل مفصَّل، من الممكن أن يكون من دون ريب مختلفًا. على سبيل المثال احتجاج على نظرة الآباء والأمَّهات إلى الحياة في الأسر التقليدية للغاية. وهذا يختلف من حالة إلى أخرى. وأنا أنطر إلى هذه الجهادية الشبابية أيضًا على إنَّها تمرُّد من قبل الشباب على أسرهم الخاصة. إذ إنَّ الأسر كثيرًا ما أخفقت.
لكن كيف تفسِّرين زيادة الإعجاب بالعنف بالمقارنة مع حركات الاحتجاج الأخرى؟
قدور: خلف ذلك تكمن إيديولوجيا مُعَمِّمة، تريد سويةً مع ادِّعاء الحقيقة الحفاظ على ذاتها - وإذا دعت الضرورة باستخدام القوة. هم يُشرِّعون بالعنف ادِّعاءهم الحقيقة، التي يزعمون أنَّ الله كلفهم من أجلها.
الجمعيات والروابط الإسلامية تنأى بنفسها عن العنف باسم الإسلام. بيد أنَّك على الرغم من ذلك تكتبين أنَّ هذه الجمعيات والروابط أخطأت في تقييم موضوع السلفية. فلماذا يعتبر هذا التمييز صعبًا إلى هذا الحدّ؟
قدور: ربما من ناحية لأنَّ هناك شرائح من قاعدة أعضاء هذه الجمعيات والروابط الإسلامية مقرَّبون من تيَّارات أصولية أكثر مما يُحبه في الحقيقة المسؤولون في هذه الجمعيات والروابط. ومن ناحية ثانية لأنَّهم نظروا إلى ظاهرة السلفية ومشكلتها بكلِّ بساطة على أنَّها ثانوية.
هل يعود السبب إذًا إلى الخوف من الإساءة إلى بعض أتباعهم؟
قدور: هم لا يستطيعيون تخييب آمال شرائح من قاعدة أعضاء جمعياتهم. وربما تفتقر هذه الجمعيات أيضًا إلى المعرفة، إلى وجود مشاريع وإلى أشخاص يقومون بإعداد هذه المشاريع. وأنا أنظر إلى ذلك على أنَّه أمر جوهري. فالكثيرون يفتقرون إلى الاختصاص والخبرة في هذا المجال. غير أنَّ هذه هي مقاربات تفسيري لهذا الواقع.
لكن توجد أيضًا مشكلات في الوصول إلى الشباب. وغالبًا لا توجد في جمعيات المساجد نشاطات شبابية جذَّابة ...
قدور: هذا بالطبع جزء من المشكلة. يوجد القليل جدًا من الأخصائيين الاجتماعيين المسلمين، الذين يمكن أيضًا أن تُدفع لهم أجورٌ مناسبة، ومن ثم هذا يتعلق أيضًا بتوفر المال. وحتى الآن اعتمدت أجزاء كبيرة من العمل على العمل التطوعي. فأي أخصائي اجتماعي مسلم ستكون لديه أيضًا الرغبة للقيام بكلِّ هذا العمل بالإضافة إلى عمله في وظيفته؟ إنَّ مثل هذا الأخصائي الاجتماعي سوف يكون بودِّه أن يُدفع له أجرٌ مناسبٌ لقاء ذلك، وهذا بطبيعة الحال أيضًا أمر بديهي. ولكن الأموال غير متوفِّرة أو يتم استثمارها في أشياء أخرى غير تقديم الرعاية الاجتماعية للشباب.
من بين تلامذتك السابقين الخمسة، الذين ذهبوا إلى القتال في سوريا، عاد حتى الآن أربعة إلى ألمانيا. فهل يتم فعل ما يكفي من أجل العائدين؟
قدور: لا، لا يتم على الإطلاق فعل ما يكفي من أجل هؤلاء العائدين. فيما يتعلق باليمين المتطرِّف توجد الكثير من برامج الوقاية، ولكن فيما يتعلق بالوقاية من تطرُّف المسلمين الشباب، لا يوجد أي شيء تقريبًا - على سبيل المثال لا تكاد توجد رعاية اجتماعية في المدارس، وحتى في الجامعات لا يزال حضور هذا الموضوع قليلاً للغاية. من بين المبادرات القليلة لهذا الغرض توجد مبادرة انطلقت من معهد التعليم العالي في مدينة مونستر. لقد سألني هذا المعهد إن كنت أريد أن أقدِّم حلقات دراسية في قسم "العمل الاجتماعي" حول حياة المسلمين. لا يزال يوجد الكثير من أجل القيام به.
يعتبر الحوار الإسلامي الداخلي مهمًا من أجل التعامل بثبات واتساق مع السلفيين. باعتقادك هل يوجد اليوم استعداد أكبر لتقبُّل التيارات المُتنوِّعة؟
قدور: نعم يوجد ولا يوجد. في هذه الأثناء بات يتم بالأحرى الاعتراف بأنَّ هناك أيضًا مسلمين ليبراليين، على الأقل. فقبل ذلك لم يكن يتم إلاّ الاستهزاء بهم وإنكار صفة الإيمان عنهم. أما الآن فقد تم بلوغ حدَّ القول: نعم، نحن نعترف بأنَّ هناك مسلمين ليبرالين يُفكِّرون بشكل مختلف عنا، رغم أنَّنا لا نحبُّ ذلك بصفة خاصة. وبرأيي من الممكن للمرء أن يقول ذلك بالفعل، ولكن ليس أكثر من ذلك.
وحتى يومنا هذا لا يوجد تعاون ملموس على أرض الواقع بين الجمعيات والروابط الإسلامية وبين "الاتِّحاد الإسلامي الليبرالي". للأسف. وهذا التعاون لم يتعثَّر بسبب المسلمين الليبراليين. ولذلك فأنا أدعو الجمعيات والروابط الإسلامية إلى إبداء المزيد من الاستعداد للتعاون. وأطلب منهم العمل معنا بشكل مشترك، حتى وإن كنا غير متَّفقين دائمًا.
تكتبين أنَّ "أسلمة المسلمين" - أي خوض الفرد المسلم تجربة تُعرِّضه للرفض بسبب انتمائه إلى مجموعة معيَّنة - تؤدِّي إلى أنَّ الفرد عندئذ فقط يشعر حقًا بالانتماء إلى المجموعة. فما الذي يستطيع المسلمون فعله من أجل الخروج من ذلك؟
في نهاية كتابك تطلبين من كلِّ فرد مسلم أن ينأى بنفسه ويبتعد عن المتزمِّتين المتطرِّفين. فما الذي يستطيع الفرد فعله؟
قدور: أنا لا أطالب المسلمين بأن ينأوا بأنفسهم ويبتعدوا، بل أطالبهم بأن يحدِّدوا موقفهم. وهذا فرق أعلِّق عليه الكثير من الأهمية. إذ إنَّ الابتعاد يفترض وجود قرب. ولكن لا يوجد أي قرب من أية هجمات في العالم أو صلة تربطني بها لمجرَّد أنَّني مسلمة. وهذه وقاحة عندما يتَّهمُني شخصٌ ما بشيء كهذا. أنا أستطيع في أحسن الأحوال أن أطالب بتحديد الموقف، ولكن بالتأكيد ليس النأي والابتعاد.
حاورتها: كلاوديا مينده
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2015 ar.qantara.de
كتاب لمياء قدور: "مستعدُّون للقتل - لماذا يذهب الشباب الألمان إلى الجهاد". صدر عن دار نشر بيبر Piper، عام 2015، في 256 صفحة، تحت رقم الإيداع:
ISBN: 978-3-492-05703-5