الشعب يريد إسقاط الطائفية وإصلاح النظام
في سابقة نادرة، مرّر مجلس النواب العراقي في جلسة عامة علنية بالإجماع حزمة الإصلاحات، التي كان رئيس الحكومة حيدر العبادي قد أعلن عنها قبل أسبوع والتي تشمل إعفاء 6 من كبار المسئولين من مناصبهم ومنهم نوري المالكي وإياد علاوي. وسريعاً ما قام مجلس النواب بتمرير ورقة إصلاح برلمانية أخرى بالإجماع لتكون حزمة مكملة لورقة الإصلاح الحكومية.
الخبير القانوني والقاضي السابق زهير كاظم عبود اعتبر في حديثه إلينا أنّ الشعب العراقي ينتظر إصلاحات جذرية عميقة ويأمل في أن يتمكن العبادي من تحقيقها مؤكدا أنّ "تطبيق الإصلاحات مرهون جدا بالتطبيق القانوني والدستوري الدقيق، وهي فرصة للبرلمان لتصحيح مساره، وللعبادي الذي التزم الآن بجزء من مطالب الشعب، وهذه الحزمة التي أقرت الآن هي ليست كل مطالب الجماهير".
وفي نفس الاتجاه، أشار رئيس مجلس النواب سليم الجبوري في كلمته أمام المجلس إلى "أنّ الإصلاحات سوف تضبط على إيقاع الدستور" ، وهذا ما يعتبره كثيرون عبارة عن قيد، قد يحدد تطبيق الإصلاحات ولكن قد يعيقها.
"سيتمكن العبادي من تنفيذ الإصلاحات إذا سلخ نفسه من شرنقة حزب الدعوة"
بعض متابعي الشأن العراقي عزوا هذه التطورات غير المنتظرة والمتسارعة من السلطة التنفيذية والتشريعية إلى وجود مخاوف من تزايد الضغط الشعبي، معتبرين أن الإجراءات التي أقرّت لا تكفي، وأن الجميع بانتظار إجراءات أهم وأكثر مساسا بمصالح الناس.
وفي هذا الاتجاه ذهب الخبير في الشأن العراقي باسم العوادي ليؤكد "أن قبول الشخصيات التي جرى تنحيتها وأيضا كتلها لهذا القرار أمر جيد ولكنه يدعو إلى الاستغراب. لكن المهم في المقام الأول هو أنّ الشارع العراقي ما زال منتفضاً، وما زالت التظاهرات حاشدة، ومن خلال متابعتي لاحظت أن الرأي العام العراقي متنبه جداً إلى أنّ هذه الإجراءات لا تكفي وحدها ولابد من الاستمرار في الإصلاح".
من جانبه، اعتبر الخبير القانوني زهير كاظم عبود أنّ "الجماهير العراقي الآن تطلب إصلاحا حقيقيا، وتطالب بالعودة للحياة المدنية، إنعاش وضع العراق المالي والسياسي والاجتماعي، وهو ما يحتاج إلى حزمة إصلاحات جذرية. وسيتمكن العبادي من تنفيذها إذا سلخ نفسه من شرنقة حزبه، حزب الدعوة الذي فشل في إدارة العراق".
"المرجعية الشيعية أكدت أنها ستوفر الحماية للعبادي في حال تنفيذه للإصلاحات"
ولا يفوت مراقب الشأن العراقي أن يلاحظ أنّ العبادي بحزمة إصلاحاته سيكون قد دخل في مواجهة مع الأحزاب الدينية الشيعية ومن بينها حزب الدعوة الذي ينتمي إليه.
وعزا كثيرون قدرة العبادي على التصدي لمطالب الأحزاب الشيعية باستناده إلى الدعم المعلن من المرجعية الدينية الشيعية في العراق لخطة إصلاح حقيقية، وهو دعم لا يرتبط بالضرورة بالأحزاب الشيعية، وهو ما أكده الخبير باسم العوادي، الذي أشار إلى أنّ "المرجعية أكدت أنها ستوفر الحماية للعبادي في حال تنفيذه للإصلاحات، وهذا الدعم جاء منسجماً مع التظاهرات، كما أنّ ما يجري في الشارع العراقي من حراك هو أخطر من مجرد مظاهرات، فهناك استعداد جماهيري شعبي لما يشبه الإنتفاضة".
لكن القوة الحاسمة التي وجّهت بوصلة السيد العبادي، وهي المرجعية الشيعية، حسب رأي البعض، لا تملك تأثيراً على الكتل غير الشيعية لإجبارها على تنفيذ الإصلاحات، حيث يقف السنة والكرد خارج مظلتها.
وفي هذا السياق أشار العوادي إلى أن "المرجعية مُلزِمة للتحالف الوطني العراقي وهو كتلة الأحزاب والقوى الشيعية. ورغم أن مكونات الكتلة السنية والكردية تكن للمرجعية الاحترام والتقدير، فقد صرح أعضاء من الكتلتين أنهم ملتزمون مع الحكومة ليس وفقا لرأي المرجعية، بل بموجب وثيقة الاتفاق السياسي التي تم التوقيع عليها مع الحكومة، وبموجب الاتفاق مع العبادي وزعوا المناصب.
وأضاف الخبير العوادي، الذي عمل فترة مستشارا إعلاميا لرئيس المجلس الأعلى الإسلامي ( الشيعي) في العراق: "كان هذا واضحاً فيما قاله النجيفي بعد اجتماعه بكتلة تحالف القوى الوطنية التي يرأسها، معلنا أنّ إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء يعد خرقا للدستور". ويشار هنا إلى أنّ الدستور العراقي ينصّ على أنّ لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء نائبا واحدا.
ويضم مجلس النواب العراقي 328 نائبا، يمثلون نظريا كل مكونات الشعب، لكن نسيج المجلس الصعب المرتبط بمكونات المشهد السياسي يتيح للنواب أن يرشحوا بدلاء عنهم يتولون العضوية، وهو أمر يعني عمليا أن شخصا حصل على 100 ألف صوت - وهو نصاب الفوز بمقعد نيابي- قد لا يحصل على المقعد إذا لم توافق كتلته أو حزبه على ترشيحه، فيما يحصل على العضوية شخص لم يجمع سوى 500 صوتا ولكن كتلته الكبيرة تقترحه. وعن ذلك أشار الخبير القانوني زهير كاظم عبود إلى أنّ "أكثر من نصف أعضاء البرلمان ليسوا منتخبين من قبل الشعب، بل معينون من قبل أحزابهم بموجب المحاصصة الطائفية والسياسية التي يلزمهم بها قانون استبدال الأعضاء".
العبادي: مواصلة الإصلاح "وان كلفني ذلك حياتي"
المتظاهرون الغاضبون يطالبون بإلغاء نظام المحاصصة والتوافق وبعضهم يطالب بحل البرلمان، فيما يزعم أغلب السياسيين أن العملية السياسية قائمة على هذين المبدأين. ويطرح ذلك سؤالا حول مدى قدرة رئيس الحكومة حيدر العبادي على الوصول إلى حل وسط للخروج من الأزمة الحالية. وفي الإجابة عن ذلك يقول القاضي السابق زهير كاظم عبود: "الحل الوسط يتحقق إذا كان العبادي يؤمن حقيقة بأنّ الجماهير لن تخذله".
لكن التساؤل الأصعب هو الى أي حد يمكن أن يمضي العبادي في خطة الإصلاح؟ العبادي أكد في اكثر من حديث إعلامي أنه سيواصل الإصلاح "وإن كلفني ذلك حياتي".
وفي نفس هذا الاتجاه لفت الخبير في الشأن العراقي باسم العوادي الانتباه إلى أن "الحل الوسط هو أن يمضي العبادي في خطة الإصلاحات بدعم المرجعية الشيعية ويراهن على الوقت خلال الفترة القادمة كي يستطيع تمرير حزمة الإصلاحات الثانية". وفي استنتاج شخصي يعتبر العوادي أن"العراق يمضي قدما باتجاه الانتخابات المبكرة خلال الأشهر الستة القادمة ."
ملهم الملائكة
حقوق النشر: دويتشه فيله 2015