سوريا القديمة الجديدة
بعد ستة أعوام ونصف من الحرب في سوريا يبدو وكأنَّ الرئيس بشار الأسد قد تمكَّن من فعل ما لم ينجح في فعله حتى الآن أي طاغية من الطغاة العرب: فهو يستطيع مواصلة حكمه مثل ذي قبل على الرغم من سقوط مئات الآلاف من القتلى وتشريد اثني عشر مليون لاجئ سوري - بالتعسُّف الحكومي واستخدام الأسلحة المحظورة والكيميائية وعمليات القتل الجماعي الممنهج للمدنيين في مراكز الاعتقال التابعة للنظام.
ولكن هل كسب الحرب؟ وهل سينتهي النزاع السوري قريبًا؟ وهل سيتمكَّن اللاجئون السوريون من العودة إلى ديارهم؟
آلة الاعتقال والإبادة التابعة لنظام الأسد
يعتمد الأسد على أشخاص يستغلون سوريا فقط من أجل زيادة ثروتهم وتوسيع نفوذهم الشخصي. إنَّ ما يبدو في الظاهر مثل الاستقرار - مع توقُّف سقوط القنابل والبدء بإزالة الحطام من الشوارع وعودة التجَّار إلى محلاتهم - هو في الحقيقة مجرَّد هدنة. فعلى الرغم من أنَّ الناس باتوا في مأمن من الغارات الجوية، غير أنَّهم ليسوا في مأمن من أيدي الميليشيات وأجهزة المخابرات، وليسوا في مأمن من آلة الاعتقال والإبادة التابعة للنظام ولا حتى من مصادرة حقوقهم.
سوريا بقيادة الأسد سوف تبقى دولة استبداد يغلب عليها طابع المركزية الشمولية، علمًا بأنَّ نظام الزبائنية والمحسوبية قد ازداد أكثر من ذي قبل بفعل اقتصاد الحرب وتأثير الدول الأجنبية. ولذلك فإنَّ أسباب الثورة السورية تبقى قائمة وقد باتت جزئيًا أسوأ من السابق. ما يحتاجه المجتمع السوري في الواقع - أي الاستقرار من دون خوف، والمصالحة، والمشاركة السياسية، والعدالة وتكافؤ الفرص - لا يمكن تصوُّره مع الأسد والضامنين لسلطته.
ولهذا السبب فإنَّ الصراع في سوريا لم ينتهِ بعد، بل دخل في مرحلة جديدة. أمَّا مَنْ يعِشْ كلاجئ سوري حياةً غير قاسية في مكان آمن، فلن يعود في الوقت الحاضر إلى سوريا. وإذا كانت عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم مصلحة معلنة من جانب ألمانيا، فعندئذ يجب على الحكومة الاتِّحادية الألمانية الجديدة أن تعمل من أجل سوريا أخرى. ومن أجل ذلك هناك خمس نقاط ستكون مفيدة.
عدم تطبيع العلاقات مع نظام الأسد
أولاً: إنهاء التدخُّل العسكري الألماني. حتى وإن كان هذا التدخُّل يتعلق بمحاربة إرهاب تنظيم "الدولة الإسلامية" - فإنَّ طائرات التورنادو الألمانية تساعد في قصف المدنيين وليس في حمايتهم. إذ إنَّ مَنْ لم يضع طائراته في خدمة الأهالي المدنيين فلا مكان له في المجال الجوي لبلد أجنبي. تبلغ تكلفة مهمة طائرات التورنادو هذه نصف مليون يورو يوميًا، والأجدر بجمهورية ألمانيا الاتِّحادية أن تستخدم هذا المال لإغاثة اللاجئين السوريين في الدول المجاورة.
ثانيًا: عدم تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، وعدم فتح البعثات الدبلوماسية وكذلك عدم التعاون الاستخباراتي. وذلك لأنَّ أجهزة استخبارات نظام الأسد تقوم منذ عدة أعوام باستخدم شبكات جهادية من أجل تعزيز قوة هذا النظام، وهي لهذا السبب غير جديرة بالثقة.
ثالثًا: عدم مشاركة دمشق في إعادة الإعمار. لأنَّ إعادة الأعمار من جانب الأسد لا تخدم إعادة بناء اقتصاد سوريا ولا إعادة إصلاح المجتمع، بل هي فرصة يستغلها النظام من أجل زيادة ثروتة ومكافأة مؤيِّديه ومعاقبة معارضيه وكذلك من أجل تعزيز التغييرات الديموغرافية.
بموجب المرسوم الجديد (رقم 66) تصدر في سوريا قراراتٌ لإقامة مشاريع سكنية كبيرة، وتتم على أرض الواقع مصادرة أملاك المالكين الأصليين، مع تجاهل المواطنين السوريين، الذين هربوا إلى دول الخارج، بحيث يمكن إسكان مؤيِّدي النظام على وجه التحديد. ولذلك فقد عبَّر الأسد عن سعادته بخلق "مجتمع صحي ومتجانس". ومن دون احتمال الانتقال السياسي يجب تقديم الدعم فقط لأعمال إعادة إعمار صغيرة ومحلية ومباشرة بالتعاون مع الهياكل المدنية في مناطق مناسبة خاضعة للمعارضة.
الملاحقة القانونية لجرائم نظام الأسد
رابعًا: يجب على برلين أن تلعب دورًا قياديًا في الملاحقة القانونية لجرائم نظام الأسد وأن تعمل على تزويد المدَّعي العام الاتِّحادي بالمزيد من الموظفين في قسم القانون الجنائي الدولي. إذ إنَّ ألمانيا لديها وبفضل مبدأ القانون الدولي إمكانية من أجل مقاضاة جرائم الحرب المرتكبة في سوريا أمام المحاكم الألمانية. والأدلة في هذا الصدد كثيرة. يجب أن تؤدِّي أولى الشكاوي الجنائية والتحقيقات وسماع أقوال الشهود في أقرب وقت ممكن إلى إصدار مذكِّرات اعتقال دولية بحقِّ ممثِّلي النظام الرفيعي المستوى. فمن دون العدالة لا سلام. ومن دون السلام لا عودة للاجئين.
خامسًا: تقديم المزيد من الدعم للمجتمع المدني السوري، حتى وإن لم يعد لديه تقريبًا أي مجال للعمل في داخل سوريا. لقد هرب الكثير من الناشطين السوريين إلى الخارج، حيث بات من الممكن دعمهم وتدريبهم وإعدادهم للقيام بدور مستقبلي في سوريا ديمقراطية.
إنَّ ما تحتاجه سوريا الآن هو موقف واضح. وبما أنَّ هذا البلد لن يجد السلام مع هذا النظام، يجب علينا أن نعمل على عزل هذا النظام ومقاطعته على الأقل. وهذا لا يتعلق فقط ببشار الأسد شخصيًا، بل بالنظام الذي يقف خلفه. وفقط عندما يتم تجريد جهاز الأمن من سلطته ويجلس المسؤولون الرئيسيون عن جرائم الحرب خلف قفص الاتِّهام، سيشعر عندئذ السوريون بالأمل ويعودون إلى ديارهم. وحتى ذلك الحين يجب علينا أن نمضي قدمًا في دمجهم داخل ألمانيا، وأيضًا من خلال تمكينهم من جلب أسرهم إليهم هنا في ألمانيا. وذلك لأنَّ الكثير مما يتعلمونه هنا في ألمانيا، من الممكن أن يكون مفيدًا في سوريا ما بعد الأسد.
كريستين هيلبيرغ
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2017