الحوار ضروري ولكنه مؤلم
الحوار ضروري ولكنه مؤلم
ما هو الدور الذي ينبغي على الكتاب والمثقفين والعراقيين القيام به في العراق الآن؟ كان هذا أحد الأسئلة التي تم نقاشها أثناء مهرجان الأدب العالمي في برلين من قبل كاتبين عراقيين يعيشان في المهجر، وهما جبار ياسين حسين وأمل الجبوري. وكان من المتوقع أن يشهد الجمهور مناقشة حامية بسبب اختلاف سيرة حياة الكاتبين. فالأسباب السياسية التي دعت إلى خروجهما من البلاد مختلفة، وجاء ذلك في أوقات مغايرة أيضا، كما اختلف الدور الذي لعباه في ظل النظام العراقي السابق.
تمكن جبار ياسين حسين، البالغ 50 عاما من العمر، ولأول مرة بعد 27 عاما من المهجر في فرنسا، زيارة العراق في أيار من هذا العام بناء على دعوة من الصحيفة الفرنسية "Nouvel Observateur". لقد اضطر لمغادرة العراق في عام 1976، هروبا من إرهاب نظام صدام حسين، وكان قد التحق بالحزب الشيوعي العراقي في الرابعة عشر من عمره، وقطع دراسته بعد أن تم اعتقاله عدة مرات تعرض على أثرها للتعذيب.
وضع الثقافة يرثى لها
لقد رسم جبار ياسين بشكل عام صورة متشائمة عن وضع الحياة الثقافية في العراق هذه الأيام. فلم يجد في كافة أنحاء بغداد أي مكتبة على الإطلاق، في هذا البلد الذي عُرف بتقاليد الصالونات الأدبية. وهناك أكثر من مليون طفل لا يذهبون إلى المدارس، إضافة إلى أن دار الكتاب الوطني تم تدميرها تدميرا كاملا. ويتهم جبار ياسين حسين، الذي قدّم له أهله في العراق ملفا كبيرا يتعلق به كان بحوزة المخابرات العراقية، يحتوي على معلومات تفصيلية أيضا حول حياته في فرنسا، القسم الأكبر من المثقفين العراقيين، الذين بقوا في العراق أثناء حكم صدام حسين، بأنهم عملوا في خدمة النظام ولا يملكون الجرأة الكافية هذه الأيام من أجل الاعتراف بأخطائهم. وقال إنه قد حاول لقاء بعضهم في العراق، لكن لم يكن أي منهم على إستعداد للحديث في هذا المجال. إن أمله الوحيد يكمن في المثقفين القلائل الذين عاشوا في تحت نظام صدام حسين في مهجر داخلي، إلا أنهم لم يقرأوا منذ عقود أي كتاب جديد، مما يجعل أي إمكانية لنهضة ثقافية حاليا من المستحيل.
أدب حقيقي في العراق
أما الشاعرة أمل الجبوري التي تبلغ 36 عاما من العمر، والتي تعمل حاليا كملحقة ثقافية لدى سفارة اليمن في برلين حيث تقيم أيضا، فقد قامت هي أيضا بعيد سقوط نظام صدام حسين بأسابيع قليلة بزيارة العراق، إلا أنها تقدم صورة أكثر تفاؤلا بكثير حول الوضع الثقافي الحالي في العراق. وتنادي بوجوب العمل على الحيلولة من اضطرار المثقفين للعمل في خدمة المجموعات غير الديمقراطية لأسباب مادية محضة. فحتى المثقف والفنان بحاجة إلى لقمة العيش.
وكانت تعيش في العراق حتى عام 1997. وتمكنت آنذاك من أن تحقق النجاحات الأولى كشاعرة قبل إنهاء دراستها الجامعية للأدب الإنكليزي، وتمكنت لاحقا من تقديم برنامجا ثقافيا خاصا في التلفزيون العراقي. وتعترف بأنه لم يكن في عراق صدام "أي بطل. فلم يكن هناك من قال لا بكل وضوح ضد صدام حسين." ألا أنه وبالرغم من ذلك فقد أُنتج حتى في تلك الفترة أدب إلى جانب أدب الدعاية للدكتاتورية، وليس من الإنصاف الإدعاء بغير ذلك، خاصة وأن هناك أعمال أدبية هامة تم إصدارها في تلك المرحلة، كانت تسمى "بالأدب المخفي" الذي مازال مخبأ في الأدراج.
إنفعال مبالغ به
وأكدت الجبوري على أنها لم تكتب أي سطر مديحا بصدام حسين. إن الشدة التي تحدثت بها أمل الجبوري نافية علاقتها بالنظام دون أن يسألها أحد عن ذلك، كان ملفت للإنتباه. كذلك الإنفعال الكبير الذي كان يتملك أحد الرجال من جمهور المستمعين، وقد قدم نفسه على أنه كاتب عراقي مهاجر، واتهم مدير الجلسة – على غير حق – بأنه يريد أن يحمي شخصا ما، لانه أراد أن ينهي الندوة بحجة أن الوقت قد مر، دون السماح للجمهور بطرح الأسئلة، مما لا يدع مجالا للشك بأنه ما زال هناك الكثير من النقاش الذي لم يقال بعد.
وأكد كل من جبار ياسين حسين وأمل الجبوري أيضا على وجوب التعامل مع الماضي بصراحة. وتأمل الجبوري بأن تقوم المحاكم بذلك وليس الكتاب، لأن هذا من مهمة القضاة وليس من مهمة الكتاب. إن الحوار بين المثقفين العراقيين الذي ُأجبروا على الهجرة أو عُذبوا في السجون من جهة والذين عاشوا في كنف نظام صدام حسين بطريقة أو بأخرى – وهذا ما بان خلال ساعة من النقاش – ضروري لا محالة وسيكون بالنسبة للكثيرين بلا شكك مؤلما.
كاترين شنايدير قنطرة 2003
جبار ياسين: ولد 1954 في بغداد، يعيش منذ عام 1976 في فرنسا. صدر له العديد من دواوين الشعر والنثر بالعربية والفرنسية.
أمل الجبوري: ولدت 1967 في بغداد، تركت عام 1997 العراق. نشرت هناك في العديد من الصحف والمجلات كمجلة أسفار وصحيفة القادسية والجمهورية حيث كتبت عن أم المعارك. منذ عام 2000 ناشرة مجلة ديوان في برلين. صدر لها بعض دواوين الشعر باللغة العربية.