حرب العراق وإيران بعيون امرأة بسيطة حكيمة

أم قاسم امرأة خمسينية لا يصدق جنود متمركزون قربها أن بإمكانها نزع سواتر الجيش الترابية وفي الوقت ذاته إطعام الجنود وزرع الزهور وإصلاح المنازل المقصوفة. الرواية الأخيرة للكويتي (من أب كويتي وأم عراقية) الراحل إسماعيل فهد إسماعيل (1940-2018) تطلعنا على الحرب العراقية الإيرانية بعيون امرأة بسيطة حكيمة. مارسيا لينكس كويلي قرأت الكتاب لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: مارسيا لينكس كويلي

ينبغي على قرّاء النسخة الإنكليزية شكر صوفيا فاسالو على ترجمتها، وصوفيا فاسالو كانت في لجنة التحكيم التي اختارت رواية "السبيليات" للقائمة القصيرة للجائزة الدولية للرواية العربية "البوكر" لعام 2017. لسوء الحظ فإن الرواية -التي تُرجِمت إلى الإنكليزية بعنوان "العجوز والنهر"- لم تفز بالجائزة.

ولكن كعزاء، ترجمت فاسالو رواية فهد إلى إنكليزية ساحرة وحكيمة ساذجة في الوقت ذاته. 

"الواحة الصحراوية" المذكورة هي السبيليات، وهي قرية قرب الحدود العراقية-الإيرانية حيث وُلِد الروائي في عام 1940. تبدأ الرواية في عام 1980 وعلى أهالي القرية إخلاء مساكنهم مع تصاعد وتيرة الحرب بين البلدين المتجاورين

الغلاف الإنكليزي لرواية "السبيليات" - للكاتب الكويتي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل 1940 - 2018: الحرب العراقية الإيرانية بعيون عجوز بسيطة حكيمة.  (published by Interlink)
"أبو الرواية الكويتية": وُلِد في البصرة بالعراق في عام 1940، وأصبح واحداً من الشخصيات الأساسية في تطور الرواية الكويتية في القرن العشرين. صدرت روايته الأولى "كانت السماء زرقاء" في عام 1970، ونشر بعدها 26 رواية، إضافة إلى مجموعتين قصصيتين أخريين، ومسرحيتين، وعدة دراسات نقدية. كما دعم أيضاً المواهب الإبداعية الجديدة، واستمر في الابتكار والحديث ضد الرقابة حتى وفاته في 25 أيلول/سبتمبر من عام 2018.

 

تغادر أم قاسم إلى المنفى على ظهر حمير مع بقية أفراد عائلتها الكبيرة: زوجها، وخمسة أبناء وبنات، وأزواج بناتها وزوجات أبنائها، وأحفادها وحفيداتها، وتسعة حمير. فينتقلون إلى النجف، التي، وفقاً لخرائط غوغل، تبعد حوالي 85 ساعة سيراً على الأقدام. يموت زوج أم قاسم بشكل غير متوقع خلال الرحلة ويدفنه الأبناء على جانب الطريق، بين نخلتين. 

أم قاسم تهوم. نعم، هي تحب أبناءها وبناتها، ويبدو أن لهم أزواجاً وزوجات مناسبين. والأحفاد لطيفون بما فيه الكفاية. في البداية، تعيش العائلة في عشش في النجف. بيد أنهم سرعان ما يُؤجِّرون حميرهم التسعة ويصنعون لأنفسهم حياة جديدة في المدينة المقدسة.

يقف أبناء أم قاسم على أرجلهم وتتحسن أمورهم. بيد أن الأمور لا تسير بالشكل ذاته لأم قاسم، التي تشعر بالعطالة [زائدة عن الحاجة] في هذه البيئة الجديدة. لا حديقة، لا شريك حياة، لا قرية. ما هي حتى ... من أجل ماذا؟ 

أم قاسم بهيئة "دون كيشوت" 

إذاً تقرّر أم قاسم الاستيقاظ قبل الفجر والهرب مع حمار يُدعى "قدم خير" [فأل خير]، وهو في الوقت ذاته جوادها وسانشو بانزا الخاص بها [شخصية من شخصيات دون كيشوت (أو دون كيخوتي) ترافق البطل وتُعلّق]. تمتطي أم قاسم قدم خير، وتتفادى الدوريات العسكرية ونظرات الاستجواب، عبر الطريق الذي يعود إلى الموقع الذي دفنوا فيه زوجها، أبو قاسم. 

هنا حيث يلحق أبناء أم قاسم بها. لكن بدلاً من أن تُسحب من ذراعها إلى المنزل، تزعم أم قاسم أن زوجها أتاها في حلم، وأن أمنيته الأخيرة أن يستعيدوا رفاته ويدفنوه حيث وُلِد، في قرية السبيليات. 

سرعان ما عادت إلى امتطاء قدم خير واتجهت إلى قريتها، متفادية الدوريات العسكرية، مع عظام زوجها ملفوفة في قماش كفنه. في البداية، يصعب التصديق أن أبناءها سيسمحون لها بالرحيل. ولكن بعد ذلك، ندرك أنهم بالتأكيد يعرفون أم قاسم أفضل مما نعرفها نحن. كانوا يعرفون أنه لا توجد وسيلة لإيقافها. 

 

 

أما أم قاسم مع قدم خير، فيتمكنان من العودة إلى القرية. وهناك، هي تنتهك أوامر نظام عسكري صارم، بيد أن الملازم عبد الكريم ليس نداً لأم قاسم، التي تحصل على إذن للبقاء في القرية من خلال عيد نوروز، إذ أن العطلة قد سبّبت وقف إطلاق نار. 

وأم قاسم ليست متأكدة تماماً مما يجب القيام به بمجرد مرور النوروز، بيد أنها ليست من النوع الذي يركّز بلا ضرورة في المستقبل. بدلاً من ذلك، تنظر حولها وترى ما الذي ينبغي فعله. رُدِمت مداخل الأنهار الفرعية كإجراء وقائي ضد الضفادع البشرية، مما يعني أن الأشجار تموت وأن الضفادع على وشك الجفاف.

كلما كانت أم قاسم في حاجة ماسة إلى الإلهام أتاها زوجها الراحل في الحلم وأخبرها بما ينبغي عليها فعله. بأسلوب أحمق حكيم مناسب، لسنا متأكدين تماماً إن كانت أم قاسم تعتقد أن هذه رسائل من العالم الآخر، أم أنها تعلم أنها تخترع هذه الرسائل لكي تمنح نفسها الإذن بفعل ما يحلو لها.

أم قاسم بهيئة روبنسون كروزو 

كما في جميع سرديات الجزر المعزولة، ينبغي على أم قاسم إعادة بناء حياتها من الصفر. وبينما كانت دائماً على الأرجح مثل فيلسوف، تسمح العزلة لأم قاسم بطرح أنواع الأسئلة الغبية-الحكيمة التي من الممكن أن تتحاشاها إن كان هناك قرويون آخرون حولها

 

 

 

ولأنها امرأة "عجوز" (رغم أنها ما زالت خمسينية في العقد السادس من عمرها)، لا يصدّق الجنود المتمركزون قريباً منها أنه يمكنها أن تخرج بفأس في يدها خلال عاصفة، لتنزع سواتر الجيش الترابية، وتجلب الإغاثة للأشجار والضفادع القريبة. وفي الوقت ذاته، تفتش عن الطعام للجنود، وتطبخ لهم، وتزرع شتلات الزهور وتُصلح المنازل التي قُصِفت. 

حين يمضي النوروز، تُستأنف الأعمال العدائية، وتُؤمر أم قاسم بالمغادرة. والأكثر من ذلك، عانت هي وقدم خير فزعاً شديداً من القصف. لكن ما الذي ينتظرها، إن عادت إلى النجف؟ 

وعلى الرغم من أن المجندين المتمركزين بالقرب من أم قاسم هم سادة لطفاء، إلا أن الرواية لا تنحاز إلى جانب. يعرف الجنود أنهم ليسوا "الأشخاص الطيبين" للقصة. أحدهم "تلفّت خشية وجود من يسمعه سواها" قبل أن يقول لأم قاسم: "نحن بدورنا دمرنا العديد من مدنهم الحدودية".

بيد أن هؤلاء الجنود، وفي ظل تأثير أم قاسم، لا يتّبعون الأوامر فحسب. بل هم أيضاً يزرعون، ويصلحون، ويصنعون دبس تمر. 

يبدو أن أم قاسم تجاوزت حدود ذاتها حين يفقد جندي شاب اسمه جاسم كفّه جراء القصف -وجاسم كان قد بدأ بمناداتها أمي. وكما في كل اللحظات الصعبة، جاءها زوجها في المنام. هذه المرة، يخبرها أن جاسم سيعود إلى الجبهة. 

 

 

بيد أن الملازم عبد الكريم غير سعيد بتكهنات أم قاسم التي تأتيها في أحلامها، مما يؤدي إلى مواجهة. من دون الكشف عن النهاية، تُختتم الرواية بعاطفة ونعمة.

كما أنها تضع نهاية سحرية لحياة الروائي المحبوب وصاحب الإنتاج الغزير إسماعيل فهد إسماعيل، الذي توفي في أيلول/سبتمبر من عام 2018 في الكويت، عن عمر ناهز الـ 78 عاماً. نأمل أن تكون كتبه، مثل أبو قاسم، حية دائماً.

 

 

مارسيا لينكس كويلي

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2019

ar.Qantara.de