في فخ الديكتاتوريات العربية
قبل ثماني سنوات مد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما يده للعالم الإسلامي وعرض عليه شراكة جديدة قائمة على احترام متبادل. أوباما أراد فتح صفحة جديدة في العلاقة بين الغرب والبلدان الإسلامية وانهاء حقبة عسكرة السياسة الأمريكية، التي طبعت فترة حكم بوش.
"ليس هناك من سبب لا يجعلنا نقيم مجددا ذلك الاحترام وتلك الشراكة التي كانت تربط أمريكا بالعالم الإسلامي قبل 20 أو 30 سنة"، قال أوباما لقناة "العربية" في أول مقابلة له بعد أيام من تنصيبه.
لكن حتى الآن ليس هناك ما يشير أبدا إلى وجود مثل هذا الموقف التعاوني لدى إدارة دونالد ترامب الجديدة. العكس هو الصحيح: تصريحاته المعادية للمسلمين في الحملة الانتخابية وتوجهاته المعلنة للإرتماء في أحضان دكتاتوريين وحكام متسلطين مثل فلادمير بوتين وبشار الأسد تجعل التوقعات بالنسبة لسياسته في الشرقين الأوسط والأدنى جد ضعيفة.
وبعد خطابه التحريضي أثناء مراسم التنصيب، التي لم يتناول فيه القيم الأمريكية التقليدية مثل الديمقراطية والحرية والالتزام بحقوق الإنسان؛ تبين في آخر لحظة أمام الرأي العام العالمي أنه يسعى للعودة إلى النهج التبسيطي القائم على ثنائيات العدو والصديق.
عودة الى العقلية الفسطاطية..."إما أن تكون معي أو ضدي"
لاشك أن الرئيس الأمريكي الجديد يرث العديد من النزاعات المعقدة من سلفه في الشرق الأوسط والأدنى. لكن المقاربات المعروفة عنه حتى الآن تعبر عن عدم وجود اهتمام قوي وعن نقص لديه في فهم ديناميكية نزاعات المنطقة. كما أن الأسلوب التبسيطي، الذي ينظر به ترامب للمشاكل الهائلة للمنطقة هو بمثابة وصفة تنذر بحدوث كوارث إضافية.
فإذا أعلن ترامب مثلا أنه يريد القضاء على إرهاب تنظيم "داعش" وأنه مستعد بسبب ذلك للتعاون مع مجرمي حرب مثل بشار الأسد، فإنه يخلط ببساطة بين السبب والمسببات. فالتنظيم الذي يتبجح بتطلعه لإعلان الخلافة ما كان له أن يظهر بهذا الحجم لولا طغيان الأسد وإرهاب البراميل الحارقة، التي استخدمها جيشه في قصفه للمدنيين العزل في سوريا.
يضاف إلى ذلك إعلان ترامب عن نيته في التخلي عن الاتفاق النووي المبرم مع إيران، لأن ذلك على ما يبدو يشكل أسوء صفقة ولن يمنع إيران من صنع أسلحة نووية، وفق تقييمه. لكن ما هو البديل، الذي تملكه إدارته لهذا الاتفاق الذي ربما حال دون نشوب حرب، علما بأن الاتحاد الأوروبي يريد التمسك بالاتفاقية مع طهران والتعاون في ذلك مع الصين وروسيا.
وفي الوقت نفسه تقوم إيران بتقديم الدعم عبر مساعدات مالية كبيرة وآلاف جنود النخبة والذين شكلوا في السنوات الخمس الأخيرة ضمانة لبقاء حكم المستبد السوري الأسد، الذي يصفه ترامب مثل سياسيين أمريكيين بارزين "بالصرامة والذكاء". إذن رؤية ترامب تجاه النزاع في سوريا ليست فقط متناقضة، بل جد خطيرة.
انهيار كيان الدولة في الشرق الأوسط
من السابق لأوانه بالطبع تحديد الأولويات الحقيقية لإدارة ترامب في الشرقين الأوسط والأدنى. وإذا كان يعتزم القضاء على تنظيم "داعش" من خلال نهج سياسة تحالف عملية مع حكام متسلطين، فلن يكون ذلك أمراً مفاجئاً.
لكن الشيء الأكثر إثارة في هذه الإشكالية هو استعداده للتعاون مع جميع الأنظمة السلطوية في المنطقة بدون شروط. ولذلك فإن مراقبين عرب يخشون أن يصبح دعم الديمقراطية وقضايا حقوق الإنسان والحكم الرشيد أوائل الضحايا لسياسة ترامب في الشرق الأوسط.
لكن التوجه إلى الأنظمة المتسلطة أمر خادع ولا يضمن الاستقرار الحقيقي، حيث ليس لهؤلاء الحكام مخططات مناسبة لحل المشاكل الهائلة القائمة، كما أنهم لا يتوفرون على الإدارة اللازمة للقيام بإصلاحات. الخشية في أسوء الأحوال هوأن يؤدي ذلك إلى تسريع تدمير العالم العربي من خلال رد الاعتبار الأمريكي للمتسلطين.
ما تحتاجه البلدان المتأزمة في الشرقين الأدنى والأوسط هو وجود آفاق للتنمية الحقيقية. كما يجب بوجه خاص العمل على إنهاء توظيف الانتماءات الطائفية في حسابات سياسية من قبل إيران والعربية السعودية. هنا يجب على السياسة الأوروبية أن تركز جهودها. فبدون الحد من التعصب الديني وبدون وضع أسس للتعاون الإقليمي بهدف إنهاء سياسات الدول الهدامة في الشرق الأوسط، فلن يكون هناك مخرج من دوامة العنف.
لؤي المدهون
حقوق النشر: دويتشه فيه 2017
[embed:render:embedded:node:26443]