"سياسة الضغوط تخلق تربة خصبة للجهاديين والسلفيين"
منذ منتصف حزيران/يونيو توجد حكومتان في المناطق الفلسطينية. فبينما تسيطر حماس على قطاع غزة تمارس حكومة الطوارئ برئاسة سلام فياض، والتي تحظى بدعم كامل من الرئيس الفلسطيني ورئيس حركة فتح محمود عباس، حكمها في الضفة الغربية. إسرائيل والمجتمع الدولي فسرتا هذا الانقسام على أنه فرصة جديدة للتغيير، ففي الوقت الذي يمكن فيه عزل حماس في قطاع غزة بسهولة، تعمل حكومة الطوارئ في الضفة الغربية على إعادة التعاون والنماء الاقتصادي وإعادة تنشيط عملية السلام في إطار مبادرة سياسية.
"الرخاء والنماء" وحرية التنقل في الضفة الغربية من المفترض أن تعمل على إقناع الشعب الفلسطيني بأن حركة فتح هي الخيار الأصح في حال إجراء انتخابات مستقبلية.
وعلى وجه الخصوص فإن التركيز على فكرة "حماستان مقابل بلد فتح" يفتقر إلى الواقعية. فالإجراءات التي أعلنت إسرائيل عنها- كالإفراج الجزئي عن أموال الجمارك الفلسطينية المحتجزة لديها وأموال الضرائب بقيمة تقدر بـ 700مليون دولار وإزالة بعض الحواجز العسكرية في الضفة الغربية، وتفكيك النقاط الاستيطانية العشوائية، والسماح بعمليات تزويد السلاح ( مثل الآليات المصفحة) من أجل تقوية حركة فتح، كل هذا غير كاف من أجل بعث الديناميكية في العملية السياسية والعمل على تحسين الأوضاع المعيشية بطريقة دائمة وملموسة في الضفة الغربية.
لن يكون هناك انتعاش حقيقي للاقتصاد الفلسطيني ما لم ترفع الحواجز العسكرية والتصاريح الخاصة بالتنقل. كما أن المواجهة العسكرية بين فتح وحماس لن تقود إلى الاستقرار. ومما يزيد الأمر خطورة وصعوبة تجدد عمليات الاقتتال الداخلي الفلسطيني والتي قد تقود في نهاية الأمر إلى حرب أهلية.
وعلاوة على ذلك فإن زيادة الضغوط على السكان في قطاع غزة أمر مستحيل دون أن يتسبب ذلك في كارثة إنسانية، إذ تبلغ نسبة البطالة رسميا في قطاع غزة حوالي 35 بالمائة ومعدل الفقر قد يصل إلى 75 بالمائة.
كما أن حوالي ثلثي سكانه يعتمدون على المساعدات الدولية. وتكمن الخطورة هنا بشكل كبير في أن يصبح المجتمع في قطاع غزة راديكاليا. وهذا يعني أيضا أن المجوعات السلفية والجهادية ستجد لها تربة خصبة في ظل هذه التطورات والتي لا تملك - وعلى النقيض من حركة حماس - أجندة وطنية وليس لها مصلحة في عملية الاستقرار.
بالإضافة إلى ذلك فإن طريقة تعاطي المجتمع الدولي "القديمة- الجديدة" مع رؤية حل الدولتين كانت دائما غير واقعية، كونها تضحي ببناء المؤسسات الفلسطينية الفاعلة بالإضافة إلى المؤسسات الديموقراطية، التي يمكن أن تساهم في عمليات الاستقرار، كما أنها لا تعمل على منع إجراءات العزل وتوسيع المستوطنات وما إلى ذلك من شبكات الشوارع الخاصة بذلك في الضفة الغربية- وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى عدم وجود بقعة جغرافية متواصلة تمكن من قيام دولة فلسطينية متواصلة الأطراف.
السياستان الألمانية والأوروبية وفي ضوء ذلك يجب أن تركزا الجهود على منع حدوث كارثة إنسانية في قطاع غزة وأن تعملا على خلق الظروف المناسبة لانتعاش اقتصادي في قطاع غزة والضفة الغربية على حد سواء وعدم إجهاض عمليات التوافق الداخلي بين الفلسطينيين وتحسين مراكز صنع القرار ضمن المؤسسات الفلسطينية.
وأيضا ومن خلال التعاون مع اللجنة الرباعية الخاصة بالشرق الأوسط والأخذ بالمبادرة العربية للسلام يجب القيام بخطوات حقيقية من أجل تحقيق حل الدولتين على أرض الواقع.
بقلم موريل أسيبورغ
ترجمة هشام العدم
حقوق الطبع دويتشه فيله 2007