دعم الأديب للحاكم المستبد حلف لا أخلاقي حتى لو كان ضد التطرف
يدرك الكاتب أمجد ناصر صعوبة أن تكون شاعرا مرموقا ومهما وبالرغم من ذلك لا تكون حليفا لنظام فاسد ومستبد، لاسيما في العالم العربي، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أن الأمر ليس مستحيلا.
ويأتي أمجد ناصر ضمن قائمة المفكرين العرب المهمين كما أنه من الأسماء الأردنية البارزة في مجال الشعر والصحافة. وصَّنفت الأديبةُ المصرية "أهداف سويف" العملَ الروائي الأول لناصر "حيث لا تسقط الأمطار" ضمن قائمة "أفضل كتاب لعام 2011" كما وضعت صحيفة "الجارديان" قصيدته "أغنية وثلاثة أسئلة" على قائمتها لأفضل 50 قصيدة حب حديثة. ولم تكن القصائد هي السبب الوحيد لتواجد ناصر على الساحة، بل إن مقالاته ومواقفه السياسية وضعته أيضا تحت الأضواء.
ولد ناصر في شمال الأردن عام 1955 وانضم لمنظمة داعمة للفلسطينيين في شبابه وأجبر على مغادرة البلاد عندما كان في الحادية والعشرين من عمره. وقضى ناصر فترة الثمانينيات في العمل الصحفي في بيروت وقبرص قبل أن ينتقل إلى لندن عام 1987. وشرع ناصر في إصدارات صحفية جديدة بدايةً من خلال صحيفة "القدس العربي" اللندنية أولا، والآن كمدير تحرير للإصدار الصحفي الحديث "العربي الجديد".
وبعد كل هذه التجارب، لم يتغير رأي ناصر حول دور الكاتب إلا أنه صار "أقل تفاؤلا" مع مرور الوقت، كما يقول.
أهمية الكلمات
لكن ناصر على ثقة بأن "الكلمات مهمة ومن دونها لن تكون هناك أفعال سليمة" وهذه بالضبط هي مشكلة العالم العربي حاليا إذ أن "الأفعال في العالم العربي تبدو خالية من الكلمات، سواء تعلق الأمر بأفعال التطرف الديني المرعبة أو التحريض الذي تقوم به أنظمة عربية سقطت مجددا في أيدي الطغاة بعد أن فشلت الأفعال الثورية للشباب العربي في الوصول إلى تغييرات جذرية".
ويرى ناصر أن العرب يعيشون حاليا في "مجتمعات خالية من الكلمات" وهو ما يزيد من أهمية دور المثقف في عملية إيصال المعنى عبر الكلمات، لكن هذا لا يعني أن المفكر، ملاك أو رسول ولا رجل خارق أيضا، كما يوضح ناصر بقوله: "تستغرق عملية التغيير وقتا طويلا، لاسيما التغيير الاجتماعي والثقافي، فهذه هي المهام الأصعب على الإطلاق".
وبالرغم من أن ثورات الربيع العربي لم تنجح في تغيير الكثير، إلا أن ناصر يشير إلى بعض الأمور الإيجابية القليلة الناتجة عن هذه الثورات ومن بينها وجود "ثورة تواصل" كما يسميها، إذ صارت صحافة المواطن في بؤرة الاهتمام ونجح الصحفيون الجدد في لعب دور مهم في الكشف عن جرائم ترتكبها أنظمة مستبدة.
لكن أمورا أخرى تغيرت للأسوأ كما يوضح ناصر: "ظهر الآن نوع من الشعراء والكتاب الذين يتحالفون مع أنظمة عربية عسكرية وطاغية في مواجهة العدو المشترك وهو الإرهاب والتطرف. ووجد هؤلاء أن تحالفهم مع القادة العسكريين أمرا طبيعيا بدافع الخوف من تنظيم /الدولة الإسلامية/ في بلاد الشام أو من جماعات مثل أنصار بيت المقدس في مصر".
وتتمثل إشكالية هذا التحالف كما يرى ناصر، في أن الأنظمة العربية ستتحول بحسب رأيه، لقمع هؤلاء خلال فترة قصيرة بعد أن تنتهي من اضطهاد المتطرفين والإرهابيين ويوضح: "يتعين على الشاعر المرموق الذي يتمتع بسلطة أخلاقية ما لدى الجمهور، أن يكون مستقلا عن السلطة حتى عندما يواجه الإرهاب والتطرف، لأن دوافعه تختلف عن دوافع هؤلاء الذين يتولون السلطة".
سيطرة الخطاب الديني
تحمل فكرة "الكلمات" أهمية بالنسبة لناصر في تحليل مشكلة أخرى في أغلب المجتمعات العربية، ألا وهي أن الخطاب الديني صار مسيطرا في الوقت الحالي.
ويحلل ناصر ما يحدث في العديد من المجتمعات العربية حاليا بقوله: "لا نرد على التطرف الديني بالحجة والمنطق والعلم والأدب والتنوير ولكن بالدين نفسه" ويرى ناصر أن هذا الأمر بمثابة الرد على المشكلة بالمشكلة نفسها، لتكون النتيجة هي سيطرة "معسكر التيار الديني المتطرف والمعتدل" على الخطاب في العالم العربي.
ويرى ناصر أن اللغة أكثر من مجرد "وعاء لنقل المعنى ولكنها تعبير عميق عن الوجود ذاته" ومن هذا المنطلق تعتبر اللغة "أحد أكبر المشكلات التي لا تواجه الكتاب المبدعين العرب وحدهم، بل الواقع العربي أيضا..فكيف يمكن للواقع أن يتغير دون امتلاك اللغة التي تساعد على إحداث هذا التغيير".
وفي ظل هذه التحديات، ما الذي يجب على الكاتب العربي فعله؟ يجيب ناصر على هذا السؤال بقوله: "يجب أن نلتزم بعملنا ونحتفظ بثقتنا، نحن المفكرون العرب. علينا أن نواصل التداخل مع الحياة في مجتمعاتنا سواء كنا في بلادنا أو في الخارج أو المنفى، وألا نقصر دورنا على الجوانب التقنية للعملية الثقافية كما قال إدوارد سعيد".
مارسيا لينكس كوالي
ترجمة: ابتسام فوزي