''على المجلس العسكري أن يرحل''
في سبتمبر من عام 2010 وقبل أن تنطلق شرارة الربيع العربي في تونس، كتبت تعليقاً طالبت فيه المصريين بالتعبئة ضد النظام الحاكم. هل كنت تتخيلين ما حصل في بلادك بعد أشهر قليلة من هذا التعليق؟
أهداف سويف: كنا نعرف منذ فترة طويلة أن شيئاً ما سيحدث، وتساؤلاتنا كانت حول طبيعة هذا الشيء ومدته وفرص نجاحه. كان الرأي السائد آنذاك عدم الإيمان بقدرة الشعب على إحداث تغيير سياسي كبير. وفي الرابع والعشرين من يناير من العام الماضي، وأثناء مقابلة متلفزة، كررت القول إننا نشعر جميعاً بأن التغيير قادم، إلا أننا لم نعرف كيف سيكون شكل هذا التغيير. وبعد يوم انطلقت الثورة.
أحد المواضيع المتكررة في أعمالك هي محاولة تصحيح اعوجاج النظرة الغربية للعالم العربي. هل تعتقدين أن الربيع العربي قد ساهم في تحقيق تقدم في هذا الشأن؟
سويف: بالتأكيد. لكن عندما يتعامل المرء مع وسائل الإعلام الغربية، خاصة المؤسسات الإعلامية التقليدية المعروفة، فإنها عادة ما تريد الحديث عن صعود الإسلاميين إلى السلطة فقط، أو عن أوضاع النساء في العالم العربي - نفس القصص القديمة البائسة التي لا مهرب منها. لكن الأحداث الأخيرة جعلت ذلك غير مهم، فالثورات في العالم العربي قامت بها الشعوب العربية من أجل الشعوب العربية، وعلى بقية العالم أن يواكب هذه التطورات.
المهم هو أولئك الذين لهم اتصال مباشر بالثورة وبمن يقومون بها. هناك شبكة تتكون في أغلبها من شباب من كل أنحاء العالم، يتناقشون فيما بينهم ويساعد بعضهم البعض، ويستفيدون من خبرات الآخرين، ولا تهمهم أمور عفا عليها الزمن، مثل لون البشرة أو الدين. أنا أجد ذلك مفيداً ومشجعاً للغاية.
متى أدركت أنك قد تحوّلت – من خلال مقالاتك ومقابلاتك – إلى مؤرخة للثورة بالنسبة للجمهور الغربي؟
سويف: هذا جزء مما أقوم به منذ زمن طويل، بحكم موقعي الجغرافي واللغوي، الذي وضعني في مثل هذا الدور التفسيري. لقد كان ذلك يحدث لي كثيراً في السابق وبطريقة جديدة ومختلفة، عندما كنت أكتب في صحيفة الغارديان عن فلسطين. وعندما بدأت الثورة في مصر، لم يمكن بالإمكان تجنب كل المكالمات الهاتفية التي انهالت عليّ من وسائل الإعلام الغربية.
هل يسعدك إلى حد ما هذا التصديق لما كنت تقومين به منذ فترة طويلة؟
سويف: هذا الدور لا يمثل بالنسبة لي مشكلة، إلا أنه يسبب لي إشكالية على نحو متزايد فيما يتعلق بوقتي الخاص. الثورة نتاج كل مساهمة صغيرة يقوم بها أيّ منا، ولذلك فإن كل ما يمكن أن تقوم به يهمّ، بغض النظر عن ضآلته. ولهذا أريد أن أعمل طوال الوقت، بدلاً من الكتابة والتفسير والشرح. أحاول إيجاد توازن.
تحمل مشاركتك في الأحداث طابعاً شخصياً، إذ إن كثيراً من أفراد عائلتك أعضاء في الحركة الثورية، أبرزهم ابن أخيك علاء عبد القتاح، المدون المعروف الذي أصبح أحد رموز الثورة المصرية. هل منحك ذلك اتصالاً مباشراً بشباب ميدان التحرير؟
سويف: أعتقد أن كون الجيل الشاب في عائلتي منخرطا في الثورة، خاصة علاء، يعني أنني أحظى بموقع ممتاز لمراقبة الأحداث. أنا أدرك أيضاً كيف يفكر الشباب، وأعرف ما يخططون له. وهم يستخدمونني إلى حد ما، فهم يحتاجون أحياناً إلى شخص أكبر سناً ومعروف أكثر، وهذا لا يعني بالضرورة أن كون الشخص معروفا هو شيء جيد. إنه مفيد فقط. على سبيل المثال، يمكن أن يطلبوا مني أن أقوم بدور الوسيط بين شخصيات ذات خلفيات مختلفة، وأنا سعيدة جداً للقيام بذلك.
هل توجد هناك فروق بين نظرتك السياسية ونظرة الشباب؟
سويف: لا توجد فروق فعلية. نحن متفقون على الأهداف الأساسية - من ناحية الفكر - للثورة، ألا وهي حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والحرية. أما فيما يتعلق بالآليات، فأنا سعيدة جداً باتباع خططهم ومشاريعهم. إذا كان لديّ اقتراح فسوف أطرحه. لكنهم من أوصلنا إلى ما نحن عليه الآن. لقد تحلوا بالشجاعة والرؤية، والعالم الذي نحاول تشكيله الآن هو عالمهم. لذا أرى أن دور الأشخاص مثلي يتلخص في إعلان جاهزيتي للاستخدام.
متى يمكنك اعتبار أن الثورة قد اكتملت؟
سويف: الثورة عملية مفعمة بالحياة ومتواصلة، إلا أنها ستكون قد وصلت إلى مرحلة جيدة تتصرف فيها من تلقاء نفسها عندما نرى الوزير يصطف مع بقية الناس كي يسجل طفله في مدرسة حكومية، لأن المستوى التعليمي لهذه المدرسة مرتفع.
وماذا عن الجيش؟
سويف: بالطبع على الجيش أن يرحل. هذا شرط أساسي للمضي على طريق تحقيق أهداف الثورة.
هل تتخوفين من أن يسيطر الإسلامويون على شؤون البلاد؟ فأولئك هم من تناقض آراؤهم تلك الروح العالمية التي نشأت فيها في ستينات القرن الماضي وتحاولين أن تدافعي عنها الآن.
سويف: الإسلام في حد ذاته لا يناقض هذه الروح. خوفي أو عدمه لا يقدّم ولا يؤخر. فالإسلامويون هنا وعلينا أن نعمل معهم. أعتقد أن تسلمهم للسلطة وظهورهم للعلن وتحملهم للمسؤولية سيشكلهم ويغيرهم بطريقة ما. نحن نعمل سوياً، وإذ ما قاموا بشيء لا يعجبنا فسوف نناضل ضدهم. إنها عملية مستمرة، ولا أرى في ذلك مشكلة. سنعمل حتى نتخطى هذه المرحلة. لكن يجب إزاحة الجيش عن الطريق.
ما هو تصورك لمستقبل مصر سياسياً بعد خمس سنوات من الآن؟
سويف: بعد خمس سنوات آمل أن نكون قد تمكنا من إجراء جولة ثانية من الانتخابات، وأن نحصل على برلمان متوازن، وأن نكون قد قطعنا شوطاً طويلاً في تأمين الحريات والعدالة الاجتماعية. وآمل أيضاً أن نكون قد أعدنا هيكلة الأجهزة الأمنية وقلصنا عدد أفرادها ورفعنا كفاءتها، وأن يكون لدينا جيش قويّ يدرك أن دوره يتمثل في الدفاع عن حدود البلاد وسيادتها. آمل أن تنتشر اللامركزية، وأن تشرف البلديات على القضايا التي تقع ضمن اختصاصها بصورة أفضل، وأن نكون على طريق إعادة علاقاتنا الودية مع دول الجوار، سواء في أفريقيا أو في أجزاء من آسيا، وأن نكون قد أسسنا علاقات صحية مبنية على الاحترام والتوازن والمساواة مع أصدقائنا في أوروبا والولايات المتحدة.
هل تعتقدين أنك قادرة على تجسيد الربيع العربي في رواية؟ وإذا كانت إجابتك بنعم، فكم من الوقت يجب أن يمر حتى تقومين بذلك؟
سويف: أنا أعكف على كتابة رواية، بانقطاع وببطء منذ أربع أو خمس سنوات. لقد قمت بإجراء الأبحاث اللازمة للرواية، والمبدأ الذي ستستند عليه موجود وشخوصها باتت حية. وعندما اندلعت الثورة تساءلت: هل فقدت هذه الرواية سياقها؟ لا أعتقد ذلك. آمل أن أتمكن من اقتطاع جزء من وقتي كل يوم للعودة إلى كتابة هذه الرواية، كي أرى كيف ستكون من وجهة نظرنا الآن ومدى مواكبتها للأحداث. أريد أن أرى ما إذا كانت هذه الرواية قادرة على إحكام قبضتها على مخيلتي، كي تصنع شيئاً وتخرجه إلى الضوء. سيكون مثيراً للاهتمام أن أعرف ما إذا كان بإمكاني القيام بذلك.
أجرى لحوار: كريستوف دراير
ترجمة: ياسر أبو معيلق
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012
أهداف سويف مؤلفة مصرية معروفة، ألفت عدداً من الروايات التي حققت أعلى مبيعات، مثل "خارطة الحب" و"في عين الشمس". وتعيش سويف بين القاهرة ولندن، وتكتب باللغتين العربية والإنجليزية، إضافة إلى كونها معلقة سياسية وثقافية تظهر مقالاتها بانتظام على صفحات جريدة الغارديان البريطانية والشروق المصرية. في كتابها الأخير "القاهرة. مدينتي، ثورتنا"، الذي صدر في يناير، تصف سويف تجربتها الشخصية مع الثورة المصرية.