جدلية الجمال الحقيقي والفن في الإسلام
قبل فترة طويلة وقبل انطلاقة الثورات في العالم العربي بدأت فئة من المسلمين المحافظين بمهاجمة النظرة العلمانية إلى الفن. وكانت حركة حماس الفلسطينية أول من بدأ بتمجيد العمليات الفدائية في قصائد وأغانٍ، وبهذا أنتَجت نوعاً من "الفن الإسلامي" الراديكالي.
ويبدو أن نموذجهم هذا لم يكن مصدر إلهام لأحد، بل إنه نفَّر منهم المسلمين المتدينين الذين يبحثون عن أشكال فنية معقولة لا يتم فيها توظيف العنف.
لاحظت عالمة الأنثروبولوجيا الهولندية كارين فان نيوكيرك خلال أبحاثها الميدانية، أن النقاشات الدائرة منذ سنوات وخاصة في مصر حول مصطلح "الفن الإسلامي" بتفسيره الراديكالي قد انتهى بظهور تعابير جديدة واسعة مثل: الراب الإسلامي والمسلسلات التلفزيونية "الحلال" والمسرح الثوري، كما ورد في كتابها "تطور الفن في العالم الإسلامي" Artistic Developments in the Muslim World .
كما أن مصطلح "الفن الهادف" يلقى انتشاراً ملحوظاً، وقد ترجمته الكاتبة بـمصطلح: "فن ذو رسالة" Art with a Mission. وهنا يمكن أن نتحدث أيضا عن فن ملتزم بالمفهوم الاجتماعي الأخلاقي. اللافت للنظر هو تجنُّب العديد من الذين حاورَتْهم عالمة الأنثروبولوجيا، بمن فيهم المسلمون المتدينون، تسمية هذا المفهوم بشكل حصري بأنه فن إسلامي.
وكان من بينهم نورالهدى سعد، رئيسة تحرير مجلة الأسرة المصرية "الزهور"، المقرّبة من تنظيم "الإخوان المسلمون". إذ تصر الصحفية المولودة عام 1963 على أن الفن الذي يُعرَف بالإسلامي ليس بالضرورة أن يشكّل بصورة تلقائية التزاماً أخلاقياً يصيب جوهر "الفن الهادف"، بحسب رأيها.
الفن مترابط مع الدين ولا يمكن فصلهما
يبدو واضحا أن وراء هذه المفاهيم اللطيفة في جوهرها إطلاق ثقافة دينية إسلامية مضادة، تعتبر نفسها معارضة للثقافة الترفيهية العربية المتأثرة بالعلمانية الغربية، التي يشجُبُها المتدينون المحافظون في خطابهم ويصفونها بـِ "الفن الهابط" ويرون أنه يجب مكافحة تأثيرها المفسد بكل حزم.
ويحذر هؤلاء من أنه لا يمكن أن تكون مهمة الفن والترفيه نشر البذيء والفاحش. بدلاً من ذلك، ينبغي تقديم توجيه أخلاقي، وفي الوقت نفسه يجب أيضا عدم ترك المجال في أن يُفسَّر مفهوم الجمال الحقيقي للإسلام بشكل خاطئ من قبل "المسلمين المتعصبين".
وكذلك يتم التأكيد على أن الإسلام والفن منذ البداية مرتبطان عضويا.، والإشارة أيضا على واجب أن يكون المسجد مكانا للجمال، مثل القرآن، الذي يُعتبر عند المسلمين أيضا تحفة لغوية.
وكثيرا ما يُستشهد في هذا السياق بالحديث الذي يقول: "الله جميل ويحب الجمال". هذا ما يدعم الاعتقاد أيضا بأنه لا يوجد في الإسلام فصل بين المتعة الجمالية والتفاني الديني. إن متعة الفن الهادف والأخلاقي بحسب رأي الممثل المصري الشعبي عبد العزيز مخيون، يجب أن تحفز الناس على استخدام الطاقة الداخلية لأهداف جيدة، بدلا من بعثرتها بالتلذذ الحسي "للفن الهابط".
جدل حول الحجاب أيضا في الفن
يشير الذين ينتقدون وجهة النظر هذه للفن، مثل المخرج المصري داود عبد السيد، إلى أن مصطلح "الفن الهادف" ليس من اختراع الإسلاميين. ففي العهد الناصري كان يستخدم هذا المصطلح أيضاً.
كان على الفن في ذلك الوقت ان يساهم في نشر الأفكار التقدمية للنظام وأن يقوم بالدعاية لبرنامجه الاجتماعي الإصلاحي. وبحسب رأيه ليس للفن عموما مهمة في ترسيخ سلوك أخلاقي ولا التصدي لأشياء كهذه، بل يجب على الفن أن يكون قادراً على الإقناع من خلال الإبداع والجودة وبهذا تعم المتعة.
ويرى السينمائي أن مفهوم "الفن الهادف" الذي يُروَّج له في الأوساط الإسلامية ليس سوى مشروع تبشيري. وهو، كمثل العديد من المخرجين المصريين العلمانيين، ينتقد هذا الفن والشكل المسلي الملتزم لأنه يفتقر إلى الأصالة والمهنية.
ومثل غرمائهم المتدينين، يشارك العلمانيون أيضا في السوق المتنامية لأفلام التاريخ الإسلامي. ودائما هناك خلافات حول سفور الممثلات في هذه الأفلام.
فيرفض المخرجون العلمانيون تحجيب بطلات أفلامهم. أما السينمائيون المتدنيون فيصرون على لزوم ارتداء بطلات الفيلم الحجاب. وهذا يعرضهم الى النقد ليس فقط من قبل العلمانيين، وإنما أيضاً من قبل المحافظين المسلمين: على سبيل المثال، حين ترتدي الممثلة الحجاب في مشاهد تدور في وسط عائلي بحت: فهذا غير مُلزِم دينياً، بحسب حتى التفسير الصارم لعرف الأخلاق الإسلامية.
جوزيف كرواتورو
ترجمة: سليمان توفيق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013