الأردن....بداية انهيار المحرَّمات وتلاشي الخطوط الحمراء
يتظاهر في العاصمة الأردنية عمَّان في كلِّ يوم جمعة نحو أربعة آلاف متظاهر يسيرون عبر الشوارع الضيِّقة المحيطة بالمسجد الحسيني في منطقة وسط البلد. ويطالبون في كلِّ أسبوع بإجراء إصلاحات جذرية في النظام وبمزيد من الحقوق المدنية وبوضع نهاية للفساد المستشري في البلاد. ولكن مثل هذه المظاهرات تنتهي في معظمها نهاية سلمية في الأردن بعكس ما يحدث في سوريا المجاورة. ومع ذلك لقد جرح بعض المتظاهرين وبعض الصحفيين ممن كانوا متواجدين هناك في اشتباكات مع الشرطة وقعت في شهر تموز/يوليو في عمَّان. ومنذ ذلك الحين أصبح رجال الشرطة والمخابرات يبتعدون عن المظاهرات، ولكنهم يراقبون بعين يقظة المشاركين فيها.
ويسيطر على هذه الاحتجاجات في العاصمة عمَّان الإخوان المسلمون الأردنيون الذين يطالبون بالملكية الدستورية. وكذلك ظهر حديثًا في الأردن تجمع مدني يعرف باسم "شباب 24 آذار" ويعدّ قبل كلِّ شيء مصبوغًا بصبغة شرق أردنية. وبالإضافة إلى ذلك تشتعل الاحتجاجات مرارًا وتكرارًا خارج العاصمة عمَّان وخاصة في الجنوب في كلّ من الكرك ومعان والطفيلة.
إصلاحات تجميلية
تبدو المملكة الأردنية مستقرة وحتى بعد مضي عام تقريبًا على بداية الربيع العربي. ويطالب الأردنيون بمزيد من مشاركة المواطنين في الحياة السياسية، وقد استجاب الملك عبد الله الثاني لمطالبهم بإقراره إصلاحات دستورية محدودة. إذ تم تعديل بعض مواد الدستور الأردني في شهر آب/أغسطس الماضي، وبحسب هذه الإصلاحات يفترض على سبيل المثال الحدّ من اختصاصات محاكم أمن الدولة. ولكن حتى الآن لم يتم تنفيذ هذه الإصلاحات.
وبالإضافة إلى ذلك قطع العاهل الأردني على نفسه وعدًا غامضًا يفيد بأنَّ رئيس الوزراء سيتم انتخابه في وقت ما في المستقبل ولن يتم تعيينه من قبل الملك. بيد أنَّ هذه الإصلاحات في مجملها هي أقرب إلى التغييرات التجميلية. ولذلك يوجد أيضًا في الأردن تحت السطح الهادئ تيَّار قوي من السخط والاستياء لن يقبل على المدى الطويل بالحد الأدنى من التنازلات.
يعاني الأردن من المشكلات نفسها مثل جارتيه سوريا ومصر، حتى وإن كان الأردنيون فخورين بعدم إقدام الشرطة في وطنهم على قتل المتظاهرين مثلما يحدث ذلك في سوريا. والأردن بلد لا توجد لديه احتياطيات نفطية، كما أنَّه يعاني من نقص حاد في المياه، ويعتمد أيضًا على المساعدات الخارجية القليلة التي يحصل عليها خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية ومن المملكة العربية السعودية. تراجعت السياحة في الأردن منذ بداية الربيع العربي بنسبة تصل إلى ستين في المائة.
وفي الواقع تبلغ نسبة البطالة في هذا البلد نحو ثلاثين في المائة، ولا يجد الكثير من الشباب أية فرصة في سوق العمل على الرغم من أنَّهم حاصلون على تعليم جيِّد، كما ترتفع بالإضافة إلى ذلك أسعار الإيجارات والبنزين بشكل جنوني. وينتشر الفساد انتشارًا واسعًا، ولذلك يعتبره الأردنيون بكلِّ صراحة مشكلة كبيرة. وأمَّا مجلس النوَّاب فهو غير قادر على أداء وظيفته الرقابية والتشريعية بشكل جدّي؛ بل يتم استخدامه من أجل إيجاد التوازن بين مختلف المصالح في نظام المحسوبية كأداة لصنع القرارات بصورة ديمقراطية. والنوَّاب بالذات غير معنيين في زيادة حقوقهم.
بداية انهيار المحرَّمات
قام الملك عبد الله الثاني منذ فترة قصيرة وللمرة الثانية في هذا العام بتبديل رئيس الوزراء. ويتمتَّع رئيس الوزراء الأردني الجديد، عون خصاونة البالغ من العمر واحدًا وستين عامًا بسمعة دولية جيِّدة. ولذلك يعدّ تعيينه في رئاسة الوزراء إشارة إلى كلّ من حركة الاحتجاج في الداخل والمموِّلين في الغرب. وعمل رجل القانون عون الخصاونة منذ عام 2000 قاض في محكمة العدل الدولية في لاهاي، ولم يتم ربطه حتى الآن بأية قضايا فساد. أعلن الخصاونة أنَّ الأردن لن يحتمل بعد اليوم تزوير الانتخابات أو إفسادها، مثلما حدث في الانتخابات التي تم إجراؤها في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2010. تمكَّن حتى الآن رؤساء الوزراء الذين لا يتمتّعون بشعبية واسعة من امتصاص الكثير من استياء المواطنين، بحيث أنَّ الملك بالذات بقي بعيدًا. ولفترة طويلة من الزمن كان انتقاد العائلة المالكة في الأردن يعدّ من المحرَّمات، ولكن هذه المحرَّمات تبدأ الآن بالانهيار.
وفي ذلك يتَّضح دائمًا وباستمرار انقسام البلاد العميق بين أردنيين أصليين وفلسطينيين يشكِّلون الغالبية بنسبة ستين في المائة من المواطنين. تعتمد المملكة الأردنية الهاشمية بصورة خاصة على أبناء العشائر الأردنية التقليدية الذين يسيطرون أيضًا على الدوائر الحكومية وقوَّات الأمن، في حين أنَّ الفلسطينيين يهيمنون على الاقتصاد الحرّ وغالبًا ما يكونوا حاصلين على تعليم أفضل. ويستفيد الفلسطينيون من ازدهار الاقتصاد في مدينتي عمَّان والعقبة، في حين لا يكاد يصل أي شيء من هذا الازدهار إلى أبناء العشائر التقليدية في المناطق الريفية.
تذمّر أبناء العشائر الأردنية
يقول أندريه بانك من معهد دراسات الشرق الأوسط في المعهد الألماني للدراسات العالمية والمحلية في مدينة هامبورغ الألمانية إنَّ "هذه الاحتجاجات تتميَّز في الدرجة الأولى بطابعها شرق الأردني. وهذا يعتبر بالنسبة للنظام أكثر تعقيدًا من الاحتجاجات السابقة التي كانت تُنظَّم في معظمها من قبل مجموعات ذات طابع فلسطيني". اشتكى في شهر شباط/فبراير الماضي ممثِّلون عن عدة عشائر أردنية في رسالة عاجلة رفعوها إلى الملك، وهذا يعدّ حدثًا فريدًا من نوعه في المملكة. وفي هذه الرسالة كتب ممثِّلون عن ست وثلاثين عشيرة أردنية "أنَّ الشعب الأردني يسعى قبل الأمن ولقمة العيش إلى الحرّية والكرامة والديمقراطية والعدالة وتكافؤ الفرص وحقوق الإنسان ووقف الفساد والاستبداد". وانتقدوا بصراحة الملكة رانيا التي تنتسب لعائلة فلسطينية بسبب هدرها الأموال العامة وإقامة حفلات أعياد الميلاد البذخية على حساب الخزينة بمناسبة عيد ميلادها الأربعين. لم يكن من الممكن تصوّر ذلك في الأردن قبل بضعة أعوام. وكذلك تزداد ثقة الأوساط الإعلامية بنفسها في الأردن. إذ تتناول وسائل الإعلام المحلية مثل صحيفة الغد اليومية المستقلة قضايا الفساد. ويتم أيضًا في وسائل الإعلام الإنكليزية والعربية نشر تقارير حول احتجاجات المواطنين على بعض المشاريع الكبرى مثل مشروع المفاعل النووي المزمع انشاؤه في محافظة المفرق شمال عمَّان، على الرغم من أن الملك قرَّر استخدام الطاقة النووية.
وكذلك تقول بعض المدوَّنات الناقدة بصراحة مثل مدوَّنة الصحفي الشاب نسيم طراونة من عمان www.Black-Iris.com إنَّ الخطوط الحمراء لم تعد تعتبر أيضًا في الأردن منذ بداية الربيع العربي بديهية مثلما كانت في السابق. والجدير بالاهتمام في ذلك أنَّ نسيم طراونة ينتسب لعائلة شرق أردنية ذات نفوذ واسع في مدينة الكرك. ويقول أندريه بانك في تحليله لهذا التطوّر: "لم يكن هذا ممكنًا قبل عامين. وصحيح أنَّ الخوف من الإجراءات الانتقامية لم يذهب تمامًا، ولكنه لم يعد يرهب الكثيرين". ما يزال معظم الأردنيين يريدون إصلاح النظام الملكي، بدلاً من إلغائه. ولكن غضبهم يزداد كما أنَّهم يريدون رؤية النتائج.
كلاوديا مينده
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2011