"مهمتنا إغاثية ولسنا بديلًا عن أحد"

داخل ساحة ترابية في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، تصطف العائلات النازحة في طوابير طويلة أمام مستودع يضم صناديق من المساعدات الإغاثية، أصوات متداخلة تملأ المكان: طفل يبكي لأنه لم يتناول وجبته منذ الصباح، وامرأة تلوّح ببطاقة هويتها كي لا يضيع دورها، ومخاتير يقرأون قوائم أسماء العائلات المثقلة بالحبر والعرق.
وسط هذا المشهد الصاخب، يتحرك فريق بزيّ مكتوب عليه شعار اللجنة المصرية، يتنقلون بين الناس، يوزعون الطرود، ويدوّنون الملاحظات، ويُذكّرون الواقفين: "الحقّ محفوظ للجميع".
من بين الفريق يطلّ محمد منصور، مسؤول العلاقات العامة والإعلام في اللجنة المصرية بقطاع غزة، بابتسامة متعبة، يتوقف لبرهة ثم يقول لـ"قنطرة": "نحن جهة إغاثية مهمتنا أن تصل المساعدات بعدالة وكرامة".
قنطرة: بالنظر إلى التقارير الأممية التي تؤكد تفاقم نقص الغذاء والمعاناة من المجاعة في غزة، كيف هو الوضع الآن، وكيف تبدو عملية إدخال المساعدات في القطاع اليوم؟
الواقع أن الجيش الإسرائيلي لا يزال يتحكم بشكل كامل في كل ما يدخل إلى قطاع غزة، سواء من مساعدات إغاثية أو من السلع والبضائع التي يُسمح بها لعدد محدود من التجار. لم يعد الوضع كما كان قبل الحرب أو خلال فترات الهدنة قصيرة المدى، حين كانت الأسواق تُغرق بالمواد الأساسية، بل أصبح إدخال أي سلعة يخضع لرقابة مشددة وإجراءات معقدة يفرضها الجيش الإسرائيلي الذي يسيطر على المعابر.
وفي ظلّ هذه القيود، يظل قطاع غزة في حاجة ماسّة إلى استمرار عمل المؤسسات الإغاثية الدولية والأممية، وعلى رأسها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، إلى جانب المؤسسات الأهلية المحلية، لتقديم ما يمكن من مساعدات إنسانية. فنحن كلجنة مصرية بغزة جزء من هذا الجهد الإغاثي، حيث تسعى كل مؤسسة إلى إيصال المساعدات رغم العراقيل، لكن يبقى ذلك كله محدودًا وخاضعًا للشروط الإسرائيلية التي تعيق وصولها.

كيف تصل لكم المساعدات المصرية وسط الحصار الإسرائيلي؟
تمرّ المساعدات من مصر إلى غزة بظروف أمنية معقدة، بسبب الإغلاق الإسرائيلي لمعبر رفح البريّ وتجريفه بشكل كامل، فضلًا عن سيطرته على محور فيلادلفيا. لذلك تدخل الشاحنات المصرية عبر معبر كرم أبو سالم (المنفذ الأساسي لدخول البضائع إلى غزة حتى قبل اندلاع الحرب)*، ثم تمر بمعبر كوسيفيم العسكري (الذي وضعه الجيش الإسرائيلي بين مدينتي دير البلح وسط غزة وخانيونس جنوبًا في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي)، لتسير بعد ذلك في طريقها إلى مقرّ اللجنة بوسط القطاع.
غير أن الجيش الإسرائيلي كثيرًا ما يعرقل دخول هذه الشاحنات بشكل متعمد وبدون أي مبرر، إذ تبقى الشاحنات عالقة على المعبر لساعات قد تصل إلى يوم كامل، قبل أن تُمنع وتُعاد إلى الجانب المصري. وفي حال السماح بدخولها، تخضع لتفتيش يمتد لساعات طويلة، في محاولة للتنغيص. حاليًا، يسمح الجيش الإسرائيلي بدخول قرابة الـ 30 شاحنة مصرية أسبوعيًا فقط.
ما آليتكم في توزيع المساعدات داخل غزة؟ ولماذا اخترتم مخاتير ووجهاء العوائل كقناة رئيسية لذلك؟
نعمل وفق نظام دقيق يربط بين غزة والقاهرة. نستقبل سجلات بأسماء أفراد العائلات عبر المخاتير ووجهاء العائلات، إضافة إلى روابط تسجيل إلكترونية. تُرسل الكشوفات أولاً إلى المكتب الرئيسي بالقاهرة لتدقيقها، ثم تعود إلى غزة لتبدأ عملية التوزيع، ويشرف مخاتير العوائل على استلام أفراد عائلاتهم المساعدات، بالتعاون مع طاقم اللجنة.
اللجنة تُسلّم المساعدات يوميًا لما بين 30 و50 عائلة، وفق معيار أساسي: كل شخص يحمل هوية فلسطينية وسُجل اسمه عبر المنافذ المعتمدة يستحق المساعدة، دون تمييز. اخترنا المخاتير لأنهم يعرفون جميع أفراد عائلاتهم، ما يسهّل الوصول إلى المستحقين ويمنع إقصاء أي طرف. الهدف هو ضمان الشفافية والوصول العادل.
كيف يتعامل فريق اللجنة المصرية مع المخاطر اليومية أثناء التوزيع، مثل القصف أو نقص الوقود أو حتى لصوص المساعدات؟
حالنا في اللجنة المصرية كحال أهالي قطاع غزة؛ نعاني من الحرب المستمرة والحصار الإسرائيلي المفروض. أما بالنسبة لقضية لصوص المساعدات، عندما تدخل الشاحنات المصرية إلى غزة محمّلة بالمساعدات، يُلاحظ أن قطاع الطرق واللصوص يتجنبون الاعتداء عليها بمجرد رؤيتهم للأعلام المصرية المرفوعة فوقها، فغزة بطبيعتها تحمل مشاعر مودة خاصة تجاه مصر.
وهل تحصلون على دعم من الهيئة العليا لشؤون العشائر في غزة التي تساهم في تأمين المساعدات؟
نعم، تلعب العشائر والمخاتير دورًا بارزًا في حماية تلك الشاحنات، إذ يحثّون أبناءهم على المشاركة في تأمين وصولها بأمان إلى مقر اللجنة في دير البلح، ضمانًا لوصول المساعدات إلى مستحقيها.
وهل لديكم تواصل مع سلطات حماس؟
لا علاقة لنا وليس هناك أيّ تواصل مع حماس بالمطلق: نحن نعمل بشكل مستقل لإغاثة المدنيين بغزة.
ما هي الاحتياجات الأكثر إلحاحًا التي لاحظتموها لدى السكان خلال عملكم؟
الغزيون بحاجة لكل السلع الغذائية من مأكل ومشرب، ربما حليب الأطفال هو الأكثر إلحاحًا وتقوم اللجنة المصرية على تلبية هذا الاحتياج من خلال توزيع علب حليب على الأطفال والرضع الخدج بالمشافي ومخيمات النازحين.
هناك تخوفات وتساؤلات يتم طرحها في قطاع غزة وربما خارجه، وذلك في ظلّ سعي إسرائيل لإقصاء المؤسسات الإغاثية الأممية والدولية، هل يمكن فهم عملكم كبديل عن المنظمات الدولية والأممية الإغاثية أو حتى الأهلية المحلية؟
لا، خطابنا واضح منذ البداية: نحن لسنا بديلاً عن أحد، لا عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ولا عن أي مؤسسة دولية أو محلية. نحن جزء من المشهد الإغاثي، نعمل بشكل مستقل ونكمّل جهود الآخرين.
ستبقى الأونروا البوابة الرسمية لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، ولكن في ظلّ الهجمة الإسرائيلية – الأمريكية التي تهدف لتقويض دورها، ومع تفاقم المجاعة، ظهر الدور المصري كإحدى الركائز الأساسية لدعم الجهود الإنسانية في غزة. هذا الدور امتداد لموقف مصر التاريخي تجاه الفلسطينيين.

"لا سلام بلا عدالة وتحرر جماعي"
بعد هجمات السابع من أكتوبر، أطلق الناشطان أميرة محمد وإبراهيم أبو أحمد، بودكاست "غير معتذر: السردية الثالثة" كمنصة لأصوات فلسطينية وإسرائيلية تسعى للعدالة والنشاط السلمي. والآن يتحدثان عما يمكن توقعه من موسمهما الثاني.
ما الفرق بين اللجنة المصرية ومؤسسة "غزة الإنسانية" التي أثارت الجدل مؤخرًا؟
هناك فرق جوهري، وشتان ما بينهما حتى أننا لا نقبل أن توضع اللجنة المصرية في سؤال مع ما تسمى بـ "مؤسسة غزة الإنسانية "، فهي ليست سوى "مصيدة موت"، أُنشئت – كما نعلم – بغطاء أمريكي-إسرائيلي لاستهداف الفلسطينيين عند نقاط توزيع المساعدات.
أما اللجنة المصرية فتم تأسيسها بهدف إنقاذ الأرواح، وتوزيع المساعدات بعدالة وكرامة.
كيف ترى مشهد محاولة الجيش الإسرائيلي إبعاد وتقويض دور مؤسسات العمل الانساني الدولية والأممية بغزة وربما استبدالها؟
تحاول إسرائيل دفع الفلسطينيين للتشريد عبر سياسة التجويع وتقويض دور المؤسسات الدولية، لكنها ستفشل. هذه المؤسسات ركن أساسي في صمود الفلسطينيين، ورغم التهديدات، لا يزال أهل غزة – خصوصًا في الشمال– صامدين ويرفضون النزوح، وهو أكبر دليل على فشل المخططات الإسرائيلية.
تزعم إسرائيل بأن تلك المساعدات التي تدخل إلى القطاع تستولي عليها حركة حماس، ما تعليقك؟
هذه مزاعم باطلة، الشاحنات المصرية عندما تصل غزة تفرغ حمولتها مباشرة في مخازن اللجنة بدير البلح، ومن هناك يتم التوزيع عبر مخاتير العوائل بشكل علني وموثق أمام وسائل الإعلام، لا تصل المساعدات إلى أي جهة غير المستحقين من المدنيين.
هل لديكم تعاون مع منظمات أممية أو دولية ومحلية داخل غزة؟
نحن منفتحون على أي تعاون يخفف من معاناة سكان غزة وسط الإبادة المستمرة. بالفعل سلّمت بعض المؤسسات الأهلية قوائم المستحقين، خصوصًا من المرضى والمصابين، وتم توزيع مساعدات عبرها. ونطالب بإدخال المزيد من المساعدات عبر هذه القنوات.
مع طول أمد الحرب الإسرائيلية على غزة، هل من الممكن أن يشهد القطاع توسيعًا لآلية عمل اللجنة المصرية في أكثر من مكان؟
نعم، هناك توجه لفتح مراكز للجنة المصرية في مدينة غزة وشمال القطاع، بهدف تعزيز صمود السكان الغزيين ومنع مزيد من النزوح.
** أضيف النص الموجود بين القوسين بواسطة فريق التحرير
قنطرة ©