"لا سلام بلا عدالة وتحرر جماعي"

أطلقتما بودكاست "Unapologetic: The Third Narrative" أي "غير معتذر: السردية الثالثة" بعد السابع من أكتوبر، فما هي "السردية الثالثة" التي تهدفان لتقديمها؟
إبراهيم أبو أحمد: لاحظنا أن النقاشات حول فلسطين وإسرائيل باتت شديدة الاستقطاب، محليًا وعالميًا. "السردية الثالثة" هي مساحة جامعة وفريدة لأولئك الذين يبحثون عن حلول حقيقية وغير عنيفة. كما أنها ليست مجرد وساطة بين طرفين، بل إعادة تشكيل للحوار يمهّد الطريق لتغيير ملموس.

ماذا تعني لكما كلمة "غير معتذر"؟
أميرة محمد: نحن لا نعتذر عن أمرين: أولًا، هويتنا الفلسطينية التي تتجاوز الحدود والمعاناة، وثانيًا، مطالبتنا بالعدالة والتحرر الجماعي والسلام الحقيقي. يهدف البودكاست إلى إضفاء طابع إنساني لمن يقفون خلف الشعارات والأعلام، وإبراز الأصوات المهمّشة أو التي يُساء تمثيلها أو المقموعة. نريد مساحة تُطرح فيها الأسئلة الصعبة، وحتى المؤلمة.
غالبًا ما يُنظر إلى الهويتين الإسرائيلية والفلسطينية على أنهما متضادان، ويبدو التاريخ الذي نؤمن به متناقضًا - مع أنه يشير إلى نفس الأرض والخط الزمني. لا يمكننا التظاهر بأن هذه الأسئلة غير موجودة، ولهذا السبب يجب أن نناقشها. نحن لا نريد 7 أكتوبر آخر - ولا عودة إلى ما قبل 6 أكتوبر.

مع إطلاق الموسم الثاني في سبتمبر/أيلول، ما الذي يتوقعه المستمعون؟
محمد: الموسم الأول ركّز على الهويات المختلفة التي تعيش على هذه الأرض الممتدة بين نهر الأردن والبحر المتوسط. لاحظنا أن معظم الضيوف كانوا رجالًا وإسرائيليين يهود، وفي الوقت نفسه، وصلنا إلى جمهور دولي واسع لأن الحلقات كانت في معظمها باللغة الإنجليزية، إضافة إلى شبكة العلاقات التي بنيناها بنيناها خلال سفرنا إلى دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا.
لكن بدء الحوار وتعزيز التعاطف لا يكفيان. تتصاعد حصيلة القتلى في غزة، وتنتشر المجاعة، ويتزايد العنف في الضفة الغربية، ولم يعد الرهائن إلى بيوتهم بعد. لهذا، سيركّز الموسم الثاني أكثر على النشاط – خصوصًا النشاط الفلسطيني – ومعظم الضيوف سيكونون من النساء. سنسألهم: من أنتم؟ ماذا تفعلون؟ وكيف يمكننا أن نساعد؟
بعد عامين من التعبئة الجماهيرية السلمية لإنهاء الحرب، يقول البعض إن اللاعنف لم يُحدث أي تأثير حقيقي. كيف تردّان على هذا النقد؟
محمد: يقول الكثيرون إن المقاومة السلمية ضعيفة وغير فعّالة. لكن بالوحدة والتماسك، تصبح فعّالة. لا مفرّ من الحديث عن فلسطين الآن - إنها في الشوارع، في المقاهي، على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي عناوين الأخبار. هذا نادرٌ مقارنةً بأماكن أخرى تواجه المجاعة، أو القتل الجماعي، أو الإبادة الجماعية.
أساطيل الحرية، والمقاطعة، والإضرابات – كلها أدوات لا عنفية، وهي فعّالة. في الداخل، هناك مظاهرات أسبوعية في إسرائيل. أشخاص كانوا يعيشون في فقاعة في تل أبيب أو نتانيا قبل أكتوبر/تشرين الأول 2023 لم يعد بإمكانهم تجاهل الواقع، وبالتوازي، هناك إضرابات عن الطعام ينظمها فلسطينيون في الضفة؛ على سبيل المثال، بعد اغتيال الناشط عودة الهذالين، خاضت نحو 70 امرأة فلسطينية إضرابًا عن الطعام حتى أُعيد جثمانه أخيرًا بعد أن احتجزته السلطات الإسرائيلية.
أبو أحمد: يتخذ النشاط السلمي أشكالًا متعددة. فعندما حاول مستوطنون منع دخول شاحنات المساعدات إلى غزة، أزال نشطاء فلسطينيون وإسرائيليون العوائق أو وقفوا على جانبي الطريق لمنع المستوطنين من مهاجمة الشاحنات، كما وقفوا أيضًا كدروع بشرية لحماية القرى الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية من اعتداءات المستوطنين.
لا يمكننا الاستسلام. إذا تركنا هؤلاء القادة الخطرين يستمرون بلا مقاومة، فسيكون لهم مطلق الحرية، وسنكون متواطئين معهم. نحن نستحق الأفضل، فقد فاقم العنف من معاناتنا، ونرفض الانجرار إلى العنف الذي لن يجلب سوى الدمار.

كيف يبدو العالم ما بعد غزة؟
أصدر أربعة كُتّاب بارزين، مؤخرًا، مؤلفات حديثة تُسلّط الضوء على عواقب تدمير غزة والدعم الغربي للحرب الإسرائيلية على القطاع الفلسطيني أيّ "عالم ما بعد غزة"، كما يسمي أحدهم كتابه. تقدم شارلوته فيدمان لقنطرة قراءة للكتب الأربعة.
كجزء من الجيل الشاب في بناء السلام على الأرض وعبر الإنترنت، كيف تغيّرت المجتمع منذ السابع من أكتوبر؟
محمد: هناك تعطش عميق للحياة والتغيير. هذا ما يفعله الموت – يصدمك، ثم يدفعك نحو التمسك بالحياة. أعتقد أن المتظاهرين الشباب جديرون بالإعجاب حقًا؛ فهم يتمسكون بقيمهم ويحاسبون القادة على أفعالهم. لا تظهر هذه الجهود دائمًا في الأخبار، ولكن هناك الكثير من العمل الإيجابي يحدث فعلاً، والصور القادمة من غزة أيقظت الكثير من الناس.
أبو أحمد: غيّر 7 أكتوبر الكثير من الأمور، وجعل الكثيرين يعيدون النظر في مواقفهم. البعض ازدادت قناعاته؛ وأصاب اليأس آخرين. فقدنا بعض الشركاء وربحنا آخرين، ولكن بلا شك كان بمثابة جرس إنذار لمنظمات السلام. ما تحقق في الماضي لم يكن كافيًا - والواقع الحالي يُثبت ذلك. هذا يعني فقط أنه يجب علينا العمل بجد أكبر، والاعتراف بالعديد من الشجعان الذين ينشطون على أرض الواقع، وتوظيف قوتنا الشعبية لإحداث تغيير من الداخل.
كيف تغيّرتما شخصيًا؟
محمد: لقد تحمّلنا مسؤولية أكبر كجيل شاب في مجتمع بناء السلام، خصوصًا بفضل فهمنا لوسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحتُ أكثر جرأة ووعياً بـ"امتيازاتنا"، مستخدمًا إياها لإبراز الآخرين والدفاع عن المحتاجين.
أبو أحمد: بالنسبة لي، الأمر يتعلق بالتعلّم من الأجيال السابقة وفهم أسباب فشل نهجهم. ورغم التحديات، وجدنا حلفاء يُعيدون إحياء شغفنا، وحين تلتقي بأشخاص في عيونهم تلك الحماسة، يُشعرك ذلك بالتفاؤل عندما يتمكن منك الإحباط. بناء السلام ليس سهلًا – إنه عمل شاق. علينا أن نذكّر أنفسنا دائمًا بأننا نفعل ذلك من أجل مصلحة شعبنا.
بالعودة إلى الماضي، ما الأخطاء التي أعاقت جهود السلام؟
أبو أحمد: أحد الأخطاء الفادحة التي أراها في عملية أوسلو هو محاولة بناء روابط بين تل أبيب ورام الله قبل بناء علاقات بين تل أبيب والناصرة. كيف نربط بين أشخاص عبر الحدود بينما أولئك داخل نفس الحدود لا يعرفون بعضهم جيدًا أو لم يعترفوا ببعضهم بالكامل؟ حتى اليوم، المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل يتحدثون العبرية والعربية معًا، لكن نظام التعليم يعتمد في معظمه على العبرية – على الرغم من أن المجتمعين يعيشان جنبًا إلى جنب. كيف ستفهم حقًا من لا تتحدث لغته؟
كفلسطيني في إسرائيل، واجهت صعوبة أيضًا في التواصل مع أشخاص في الضفة وغزة وفهم واقعهم، فكيف يمكننا بناء سلام في ظل هذه الانقسامات المستمرة؟ في النهاية، فقد الناس الأمل – خاصة حين كنا على وشك من إيجاد حلول، وغالبًا ما تشتد مقاومة القوى المتطرفة للحظات تقارب هذه.

"كتاب عن الأمل والغضب والخوف"
يوثق "الفجر في غزة"، حياة الفلسطنيين وثقافاتهم في القطاع من خلال شهادات وقصص لأكثر من مائة غزاوي قبل وأثناء الحرب الإسرائيلية على غزة. يتحدث محمود منى، أحد محرري الكتاب، لقنطرة عن فكرة الكتاب والأثر الذي يود أن يتركه للقارئ.
تقصد فترة منتصف التسعينيات التي شهدت تفجيرات حافلات فلسطينية واغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين على يد إسرائيلي يميني متطرف. اليوم، يهيمن اليمين المتطرف على السياسة الإسرائيلية بينما تبدو السلطة الفلسطينية عاجزة وغير محبوبة لدى الفلسطينيين.
أبو أحمد: للأسف، نفتقر اليوم إلى قادة سياسيين شجعان.. مع أن مثل هؤلاء القادة قد يكونون موجودين، لكنهم بحاجة إلى الدعم ومساحة للنمو. ولتحقيق ذلك، على المجتمع الدولي المساعدة في مواجهة التطرف وتمكين القادة الفلسطينيين الذين قُمعت أصواتهم لفترة طويلة. العالم لم يفعل ما يكفي لدعمهم في مواجهة قيادة متحجرة احتكرت السلطة لعقود، ورفضت إفساح المجال للأصوات الفلسطينية المتنوعة.
بالنظر لتنوع وتعقيد الهويات في هذه الأرض – قانونيًا، اجتماعيًا، دينيًا – ما مدى شمولية مجتمع بناء السلام الآن؟
أبو أحمد: في إسرائيل، لمواجهة الحكومة الحالية وأصواتها المتطرفة، نحتاج إلى تحالف أقوى – وذلك لن يتحقق من دون الفلسطينيين في الداخل. نحن 20% من السكان، ومع ذلك لم يرنا اليسار الإسرائيلي يومًا كشركاء حقيقيين إلا عند الضرورة. في المقابل، يستغلنا اليمين كورقة ضغط. في عام 2015، استخدم نتنياهو شعار: "العرب يهرعون إلى صناديق الاقتراع"، لتخويف اليهود الإسرائيليين ودفعهم للتصويت، وفي 2020، استخدم أيضًا شعار "بيبي ضد الطيبي" في إشارة إلى نفسه، وإلى السياسي الفلسطيني أحمد الطيبي.
محمد: اتفق – نحن بحاجة إلى شراكة حقيقية، وأيضًا بناء الوحدة بشكل منفصل داخل كل من المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي. هذا سيُظهر التنوعات الداخلية الكثيرة في كل مجتمع، والتي تشكلت بفعل التجارب والانقسامات؛ هذا يعزز الشمول. مزيد من الناس يريدون كسر الصور النمطية – مثل الفلسطينيين المسيحيين أو اليهود الشرقيين غير البيض من أصول شرق أوسطية.
هناك تفاصيل دقيقة ومناطق رمادية، لكن هناك أيضًا أبيض وأسود. لا يمكن أن نختلف حول ما إذا كان الاحتلال، أو قتل المدنيين، أو احتجاز الرهائن أمرًا مقبولًا. هذه أمور غير قابلة للنقاش. للأسف، يميل قادة سياسيون مثل نتنياهو ودونالد ترامب إلى استخدام كلمة "سلام" لتبرير ما يفعلونه. في نهاية المطاف، وبغض النظر عن طبيعة الحل السياسي في المستقبل، لا يمكن للسلام أن يتحقق بدون عدالة وتحرر جماعي، وهذا بالضبط ما نتوقع مناقشته في الموسم الثاني.
ترجمه من الإنجليزية: م. تايلور
قنطرة ©