حينما يتحول الحلم إلى كابوس
أحيانا يحتاج الحب إلى جراحة دقيقة، وينطبق ذلك أيضا على حب الوطن. من هذا المنطلق يقول حسني صابر الطبيب المصري المتخصص في جراحة العظام: "لا أسمح لأحد أن يقترب مني أثناء جراحة العمليات ولو مترا واحدا"، وهذا استثناء وإلا فالقاعدة العامة هي:
"عندما أكون في القاهرة أقود السيارة حسب قواعد المرور هناك، وعندما أكون في ألمانيا أقود السيارة حسب قواعد المرور في ألمانيا. ولا ينبغي للمرء أن يكون مزدوج السلوك الأخلاقي، ولكن ينبغي عليه أن يتكيف حتى لا يواجه صعوبات كبيرة".
العلاج عن بعد
والدكتور حسني صابر مصري قضى وقتا طويلا من حياته في ألمانيا، ويدير مركزا لعلاج العظام في مدينة فولفزبورغ منذ 1992. ويريد الآن أن يؤسس عيادة للعلاج عن بعد في القاهرة. ويرى الدكتور صابر أن الرعاية الصحية في مصر متخلفة، لدرجة أن كثيرا من المصريين يأتون إلى ألمانيا للحصول فقط على وصفة للعلاج.
ولذا يريد الدكتور صابر أن يمكّن زملائه الألمان في المستقبل – بالتعاون مع إحدى المستشفيات الجامعية الألمانية – بالكشف على المرضى المصريين عبر شاشات الكمبيوتر، ومن ثم أخذ عينات من أنسجتهم في مصر وإرسالها للتحليل في ألمانيا. ويقول:
"لقد كنت دائما على علم بما يجري على ساحة طب العظام في مصر من خلال اشتراكي في المؤتمرات ، ولم أكن غريبا، وإلا فلن يستطيع المرء إنجاز ذلك".
مشاريع .. مشاريع
محمد الشرقاوي ظل أيضا على صلة دائمة بوطنه مصر، على الرغم من إقامته في ألمانيا منذ الستينات. وقد بدأ العمل كمهندس ميكانيكي، ثم اشتغل بالأعمال الحرة في تصدير الماكينات المستعملة للشرق الأوسط، حتى قرر أخيرا الإستثمار في وطنه.
وهو يريد الآن أن ينتج عدادات المياه للسوق المصرية والبلاد المجاورة في مصنع على مقربة من القاهرة. وهو يرى أن الحصول على معلومات موثوق بها عن السوق المصرية تعد تحديا كبيرا بالنسبة للمستثمرين الأجانب، ويذكر على سبيل المثال تكاليف العمالة ويقول:
"من الممكن أن تكون أجرة العامل الميكانيكي 300 جنيه مصري، ولكنه لن ينتج. وإذا أعطيته 1000 جنيه، فسينتج حينئذ".
تعددت الأسباب والفشل واحد
وقد سبق للإثنين محاولات باءت بالفشل، ففي إحدى المحاولات كان تخفيض سعر الجنيه سببا في إخفاق خطة الدكتور حسني صابر، عندما أطلقت الحكومة المصرية عام 2003 سعر صرف الجنيه في سوق العملات.
ومرة أخرى كان عدم التزام الشركاء المحليين الضروريين للتعامل مع السلطات والجهات الحكومية بمصر. فحب الاستثمار والميل إلى مصر كبلد ثان بجانب ألمانيا بالنسبة لهما، قد جعلا كلاً من صابر والشرقاوى يحاولان من جديد، عدى تحويل المال.
جالية كبيرة وتحويلات نقدية
يعيش بألمانيا ما يقرب من خمسة وأربعين ألف مصري، وحسب تقرير للحكومة المصرية فى أول إحصائية لعام 2004 بلغ تحويلهم للنقود إلى مصر ما يقدر ﺑـ 37،2 مليون دولار أمريكي. وأحد هؤلاء السيد عمر مؤمن الذي نشأ في ألمانيا ويعمل الآن بشركة البواخر المصرية-الألمانية "إبرامر"، حيث يظل يتنقل بين البلدين.
ففي البداية كان عليه أن يتعود على عدم إيفاء الوعد من طرف المصريين وانعدام الإحساس بالمسؤولية التجارية لديهم، حيث يقول:
"سرعان ما يبدي المرء استعداده لمشروع ما إلا أنه يفعل ذلك من باب الود. وعلى المرء أن يرى البلد رؤية المحب الواقع في غرام محبوبه، وعندئذ لا يرى المرء إلا الجوانب الحسنة".
مصطفى خطاب يجد نفسه قد أخفق في تحقيق أحلامه في بلده. ومرة أخرى يحكي لنا عن محاولاته الفاشلة فى الإستثمار في وطنه، وفي أثناء ذلك كان يستخدم دائما كلمات السب الألمانية التي تعلمها أثناء دراسته بمدينة آخن ومن بعد أثناء عمله في إحدى المصانع الكبرى للمعدات.
ومنذ عدة سنوات أسس مصطفى خطاب شركة مصرية فرعية، وفي بادىء الامر تمكن من الحصول على عقد تلو الآخر بفضل درايته بشؤون بلده، إلى أن شرع في الدخول بمشروع فلاتر لشركات الإسمنت، وهذا أمر يمس الشركات الحكومية المصرية.
وفجأة وجد نفسه في حديث خاص مع رئيس الوزراء الأسبق عاطف عبيد، الذي نصحه بأن يترك هذا الفعل قبل أن يتم القضاء على شركة خطاب تماما. وقد حدث ذلك بالفعل، إلا أن رجل السياسة لم ينتبه في نصيحته الودية إلى أن خطاب ليس مديرا فقط بل مستثمرا من أمواله الخاصة ايضا.
المحسوبية والفساد الإداري
فالمحسوبية والفساد قد سادا الحياة الاقتصادية في مصر، مما جعل الاستثمار صعبا للمستثمرين الأجانب. وظلت الشركات الحكومية تلعب دورا كبيرا، على الرغم من الليبرالية الاقتصادية وخصخصة بعض الشركات.
وقد اهتمت الوزارة الجديدة برئاسة أحمد نظيف – التي أحدثت طفرة جديدة في سياسة الإقتصاد منذ يولية 2004 بفضل بعض الوزراء الجدد القادمين من القطاع الخاص – بتغيير القيادات فقط.
ومع ذلك يذكر السيد خطاب أنه لم يفشل بسبب السياسة المصرية فحسب، بل لعل الآمال المستحيلة والدسائس الشخصية التي دبرت ضده داخل الشركة الأم في ألمانيا وفرعها بمصر كانت أيضا سببا في ذلك.
بقلم فريدريك ريشتر
حقوق الطبع قنطرة 2005
ترجمة عبد اللطيف شعيب
قنطرة
المغاربة العائدون
يزداد عدد المغاربة الذين تخرجوا من الجامعات الألمانية ويرغبون في العودة إلى وطنهم ليؤسسوا هناك مشاريع خاصة بهم. وهذه ليست مغامرة سهلة، رغم أن منظمات مغربية تحاول تقديم تسهيلات لهذه المشاريع. تقرير مارتينا صبرا